صفحات سورية

منبج العربية على مفترق اختبار العلاقات التركية الأميركية/ د.باسل الحاج جاسم

 

 

 

يوجد في المناطق الواقعة داخل حدود الجمهورية العربية السورية التي يسيطر عليها الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني (المصنف إرهابيا في الناتو)،قرابة 20 قاعدة عسكرية أميركية،بحسب ما ذكره مجلس الأمن القومي الروسي،و ذكرت معلومات من أنقرة أن من بين القواعد المذكورة اثنتان جويتان.

معظم ما يتم ذكره من معلومات حول الوجود العسكري الأميركي شرق الفرات في سورية محدود للغاية،و يوجد ما يمكن اعتباره حملة تمويه كبيرة بشأن الأنشطة الأميركية داخل الأراضي السورية، ولا توجد معلومات موثقة عن خطط وتحركات الولايات المتحدة حيال المنطقة.

ماذا تفعل القواعد العسكرية بشرق الفرات السوري؟ هل تعمل على إنشاء مجموعة مسلحة جديدة تحت مسمى حرس حدود، وضد من ستكون موجهة؟ هل تضع أسس “كيان انفصالي” هناك؟!، إلى اليوم لم تظهر من شرق الفرات أي صور أو مشاهد أو أخبار واضحة تحمل معلومات توضيحية.

وصلت العلاقات التركية الأميركية إلى نقطة حرجة، خاصة بعد الكشف عن نوايا واشنطن الهادفة لإنشاء قوات أمن حدودية تضم 30 ألف مسلح ينتمون إلى ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية، و التي يشكل عمودها الفقري الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي.

في 20 كانون الثاني يناير، أطلقت تركيا عملية”غصن الزيتون”في عفرين الواقعة شمال غرب سورية، لتطهير المنطقة من المسلحين التابعين لحزب العمال الكردستاني، وعبر تلك العملية وقبلها عملية درع الفرات، نجحت أنقرة في اختبار علاقتها مع موسكو “سورياً”، فموسكو لا تضع حالياً في حساباتها التصدي عسكرياً لأدوات الولايات المتحدة في سورية، ومن سوء حظ واشنطن أن وجود أي مجموعات مسلحة معارضة لدمشق على أراضي الجمهورية العربية السورية لا يخدم موسكو، وهذا يجعل عملية غصن الزيتون التركية في عفرين تسعد موسكو، فهي لا تريد أن تدعم علنا أي محاولات لإيقاف تمدد المجموعات الانفصالية، و لاسيما أن تلك المجموعات تقفز على كل الحبال.

تكثفت الزيارات الدبلوماسية التي قام بها ممثلون عن واشنطن لتركيا، بهدف منع تصاعد التوتر في العلاقات الثنائية، ويسعى الجانبان التركي والأميركي لتقريب وجهات النظر بشأن عدد من القضايا الخلافية، خصوصًا بشأن سورية، ولاسيما منطقة منبج، ومكافحة مجموعات إرهابية.

و أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه تلقى عرضا من ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي السابق، يقضي بإخراج عناصر حزب “الاتحاد الديمقراطي” (الجناح السوري للعمال الكردستاني) من منطقة منبج، مقابل تقاسم السيطرة الأمنية على المنطقة بين أنقرة وواشنطن.

مثلت منبج بموقعها الجغرافي أكبر كتلة ديموغرافية، عقبة أمام المشروع الانفصالي الاستيطاني، فيمكنها أن تكون جسراً يربط بين القطاعات الثلاثة لمشروع الأقلية الكردية، الجزيرة وعين العرب وعفرين، حيث يتّصل قطاعا الجزيرة وعين العرب، بعد سيطرة الامتداد السوري للعمال الكردستاني على الشريط الحدودي مع تركيا كاملاً، ويبقى الجيب ما بين ضفة الفرات الغربية وعفرين، والذي يبدأ بمنبج التي سيطروا عليها قبل عامين، وجرابلس شمالها، مروراً بالباب، والتي يسيطر عليها اليوم قوات المعارضة السورية بعد طرد تنظيم داعش بدعم تركي دولي، وصولا حتى إعزاز التي تسيطر عليها أيضا قوات المعارضة السورية، إلا أن استعادة عفرين بعد عملية غصن الزيتون، خلطت الأوراق وقلبت معظم الحسابات.

بعد سيطرتهم على منبج، يكون الامتداد السوري للعمال الكردستاني قد تجاوز نهر الفرات، في مناطق عربية تاريخياً، لا تملك فيها الأقلية الكردية أي امتداد تاريخي أو اجتماعي أو ديموغرافي، فأكثر من 94 في المئة من سكان منبج هم من العرب، ويقطنها أيضاً التركمان والأكراد والشركس.

تقع منبج في قلب المنطقة التي يريد بعض أكراد سورية إقامة حكم ذاتي فيها “مبدئيا”،وهذا ما يفسر الإصرار التركي باستعادتها لأهلها العرب، بعد إخراج تنظيم داعش من الباب خلال عملية درع الفرات قبل عامين، فقد كانت عملية درع الفرات التركية نقطة تحول في الحرب السورية، ولأول مرة، أظهرت تركيا وجودا في سورية من خلال الإدارة المباشرة لمجموعات المعارضة المعتدلة في الميدان وممارسة عناصر القوة الصلبة.

و كشف مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي، في حديث لصحيفة “دي تسايت” الألمانية قبل أسابيع اتفاقا مع الأميركيين على تحقيق الاستقرار في منبج، والمدن الواقعة شرق الفرات، وأضاف أن تنظيم “ي ب ك/ بي كا كا”،يسيطر على 35 بالمئة من الأراضي السورية، وأن غالبية السكان في المدن الخاضعة لسيطرة الإرهابيين في سورية من العرب.

إلا أن الوزير التركي أكد قبل يومين أن بلاده ستدخل لتطهير منبج من الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني “بي كا كا” في حال عدم انسحابه.

و سبق وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن مخاوف لدى واشنطن من تفكك القوات الكردية التي تدعمها على الأرض، ونقلت الصحيفة عن جينفر كافاريلا المتخصص في الشأن السوري بمعهد واشنطن للدراسات قوله: “هذه النتيجة حتمية، اتبعت الولايات المتحدة استراتيجية ساذجة عندما وضعت كل البيض في سلة واحدة خلال الحرب السورية.

يصعب الاعتقاد بإمكانية حدوث أي اتفاق يخرج بموجبه الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني  من منبج، فواشنطن منذ طرد داعش أكدت أنه تم انسحاب هؤلاء المسلحين من البلدة، و لكن تركيا و عموم السوريين يعرفون عدم صحة معلومات واشنطن.

يبقى القول: إنه مستبعد التوقع في المستقبل القريب، صورة صفقة دائمة في سورية تكون مرضية لكل من تركيا والولايات المتحدة، والأرجح هو احتمال أن تقنع واشنطن حلفاءها الانفصاليين على نحو ما بالانسحاب إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات “باديء الأمر”.

تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى