صفحات سوريةعلي جازو

منصة بيروت واستعادة الرفات/ علي جازو

 

 

يبدو المعارضون السوريون أكثر عدداً ونفوذاً وحيوية من المعارضة السورية نفسها، حتى يمكن القول بمرارة: ما أقوى المعارضين وما أضعف المعارضة! ينسخ الواحد منهم عينَه، يتسرطن ويتفشى، محفزاً المرض كي يتحول إلى وباء شامل. ففي سياقٍ غامض ودعائيٍّ، يغلب عليه التسرّع والفوضى، على حساب ما هو عمليّ ومجدٍ، لمنصاتٍ سورية معارضة كثيرة، منها حميميم، القاعدة العسكرية التي تقصف منها الطائرات الروسية السوريين، والقاهرة، التي لا يعادي نظام حكمها نظام الأسد بل يتخذ من الأزمة السورية مثلاً على تدمير الإرهابِ الدولَ، وآستانة، التي تمهد الطريق لبقاء الأسد في الحكم وطي صفحة تغير النظام من خلال ترقيعه بهدن ومصالحات تمده بالزمن الكافي لاستعادة السيطرة الفعلية، تستعيرُ «منصة بيروت» المطلقة حديثاً اسماً قديماً من التراث السياسي، تُعرّف به نفسها: «الكتلة الوطنية السورية».

والأخـــيرة كانت الإطار العام الذي أطلقته الشخصية السورية إبراهيم هنانو وضمت قيادات سورية فاوضت الفرنسيين على إنهاء الانتداب في الأربعينات. وموضة المنصات هذه علامة على هشاشة المعارضة السورية خارجها وفقدانها روح المبادرة وعدم قدرتها على توحيد المعارضة السورية في كيان واحد صلب يجمع العمل العسكري إلى السياسي بالسوية ذاتها، كما أنها إشارة إلى تشتت المعارضين السوريين بين أكثر من مركز نفوذ إقليمي ومنافساتهم البينية التي تضعفهم وتعلي من شأن شخصيات على حساب آخرين، مفضية بالجميع إلى روح من الأنانية العنيدة والشخصنة السلبية وضيق الأفق، ما يخنق ما هو مخنوق بالأصل، ويرفع من شأن أهمية مسائل تبدو لمن غرقت قدماه في الوحل كأنها تهلّ عليه من عالم أشباح فضائية.

تسعى «الكتلة الوطنية السورية» للحاق بجنيف 4 وحجز مقعد تفاوضي باسمها، معلنة «الحفاظ على مقام رئاسة الجمهورية» السورية، واستعادة الدولة، ما يجعلها أقرب إلى صف النظام منها إلى المعارضة، فالدولة والرئاسة والوطنية مفردات عزيزة على إعلام النظام السوري، وفحواها الحقيقي أن «سورية الأسد» هي التي ينبغي أن تُستعاد، كما تمت أخيراً إعادة نصب تمثال حافظ الأسد في حماة «المحررة من الإرهابيين»، وكما جرى طوال سنوات خمس في «مسلخ صيدنايا».

وحينما يمكن معارضين سوريين الاجتماع في بيروت، والخروج من سورية والعودة إليها، مع القول أن الحرب على الدولة السورية انتهت، ويترافق ذلك مع ضمان «حزب الله» إعادة السوريين إلى بلدهم كما برز في الآونة الأخيرة في «اتفاق القلمون»، تكون المؤامرة على سورية قد فشلت، وآن للوطنية أن تتنفس الصعداء وتقيم الولائم والمؤتمرات.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى