صفحات سوريةعلا عباس

منطقة آمنة في سورية/ علا عباس

 

 

لا يتوقف الحديث عن ضرورة إنشاء مناطق آمنة في سورية، وهي فكرة طرحتها تركيا منذ بدأ تدفق اللاجئين السوريين إليها يزداد، وقابلتها الولايات المتحدة ببرود، وأحياناً بتجاهل، وفي بعض الحالات، برفض واضح، وكانت الفكرة تعود إلى التداول مجدداً، كلما وقع حدث في سورية، أو بخصوصها، إن كان في الميدان أو في صالونات الدبلوماسية.

وتصر تركيا على طرح الفكرة، وإعادة طرحها كلما وجدت فرصة سانحة لذلك، وربما يكون إسقاط تركيا طائرة السوخوي الروسية، أخيراً، مناسبة جديدة لذلك.

وقد طرحت الفكرة، أول مرة، بهدف إيجاد منطقة يستطيع السوريون الهاربون من بطش النظام أن ينتقلوا إليها، ويكونوا في مأمن من قصف طائرات النظام وبراميله المتفجرة، واعتقدت الدول المستقبلة للاجئين السوريين، وفي مقدمتها تركيا، أن إنشاء هذه المنطقة سيخفف عنها ضغط اللجوء، ويوجد أماكن لجوء في الداخل السوري، تصبح أماكن تجمع مؤقت للسوريين من أبناء المناطق التي تتعرّض للقصف والدمار.

وربما كان اعتراض الولايات المتحدة نابعاً من تعقيدات عسكرية متوقعة، تتجاوز الحدود التي تريدها إلى مستوى الصراع في المنطقة، فتطبيق هذه المناطق لا يمكن أن يتم سوى بالقوة، أي يحتاج إسقاط طائراتٍ للنظام، وحديثاً لروسيا، فوق هذه المناطق، ونشر منظومات صاروخية لمنع هذه الطائرات من التحليق، وربما يحتاج، في لحظةٍ ما، لاستخدام صواريخ أرضية لمنع الصواريخ الأرضية من ضرب هذه المناطق، وهو ما سيجرّ، في لحظةٍ ما، حتماً لمواجهة برية، وهذا بالذات ما لا تريده الولايات المتحدة، فهي، كما هو واضح، تريد إبقاء الصراع عند مستوى محدد، ولا تريده أن ينجرّ إلى مواجهاتٍ إقليمية، ستجر معها مواجهات أكبر، وتهدد بالانزلاق إلى حرب على مستوى أكبر.

التباين الثاني بين الأتراك والأميركيين هو القوات الكردية، وهو تباين شديد، بتركيا تعتبر القوات الكردية (وحدات حماية الشعب الكردي) منظمة إرهابية، وتصنفها في مرتبة العدو الأول، وأكبر خطر يتهدد أمنها القومي. وبالتالي، أي حديث عن مناطق آمنة في سورية يعني تحجيم هذه القوات ومجابهتها، فيما تعتبر الولايات المتحدة (وتمارس ذلك فعلياً وميدانياً) أن وحدات حماية الشعب الكردي هي أهم حليف لها في الحرب ضد داعش، وقد شهد العام الماضي عمليات عديدة كانت تنسيقاً عسكرياً متقناً وحميماً بين طائرات التحالف الدولي والقوات الكردية على الأرض.

وفي كل مرة، يجري فيها الحديث عن فرض هذه المناطق، يتم رسم الخرائط وتحديد المساحات، فمرة يقال إنها ستكون شريطاً بطول 80 كيلومترا وعرض عشرين، ومرّة يقال إنها ستكون على طول الحدود السورية التركية، وبعمق عشرة كيلومترات.

أي أننا نتحدث، في كل مرة، عن مساحةٍ تتراوح بين ألف وخمسمائة كيلومتر مربع وخمسة آلاف.

وطالما أن ما يعنينا من الحديث عن مناطق آمنة هو الجزء المعلن من الدعوة إليها، أي ما يخص السوريين إنسانياً، ويعني إيجاد مناطق يستطيعون أن يعيشوا فيها من دون أن يموتوا، ومن دون أن يتمكّن النظام من قصفهم، فلنبحث إذا عن منطقة مناسبة من سورية التي يمكن أن تحقق الأمان للسوريين، ولا تعترض عليها الولايات المتحدة، ولن تحاربها روسيا، وتحقق، في الوقت نفسه، هدف دول الجوار المستقبلة للاجئين.

وهناك اقتراح، ربما يكون غير مدروس عسكرياً كما يجب، لكنه سيكون فعالاً، ويحقق الأمان للسوريين جميعاً، وبحسب معرفتي، فإن فعالية الجيوش تكون أعلى، كلما كان مسرح عملياتها أصغر، أي كلما قلّت المساحة أصبحت القدرة على تحقيق الأهداف أكبر.

وإذ إن المساحات المطروحة كما تبيّن أعلاه، فلم لا تكون المساحة أصغر بكثير، لتكون قادرة على حل المشكلة برمتها، إذا ما تمت السيطرة عليها، وتحويلها إلى منطقة آمنة، وهي لا تزيد عن 400 سنتمتر مكعب، وتحتل من هذا الكون مساحةً لا تزيد عن 15 سنتمتراً في كل اتجاه، وهي، وفق أي معيار، تريدون أخطر منطقة في سورية، وهي أصل كل الشرور، وأستطيع أن أحدّدها على خطوط العرض والطول، فهي تقع تماماً فوق عنق رجل واحد، وخلف وجهه، وتحت شعره، ومنها تطير الطائرات وتقصف البراميل.

افرضوا منطقة آمنة على ذاك الرأس المدبب، وستصبح سورية كلها بأمان.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى