صفحات مميزة

منظمو أول احتجاج في سوريا، أين هم الآن؟


سو لويد روبرتس

في 31 كانون الثاني/يناير لسنة 2011، وبوحيٍ من الاحتجاجات المندلعة في ميدان التحرير بالقاهرة، نظّم ستة من الشباب الدمشقي أول مظاهرة رئيسية في عمر الانتفاضة السورية.

قاموا بإعداد لافتات متواضعة في مضمون رسالتها تدعو الجيش المصري إلى عدم قتل شباب مصر مضيفين عبارة “نعم للحرية!”، كما قاموا بنشر دعوة على الفيسبوك تحث المواطنين لإظهار دعمهم من خلال التظاهر أمام السفارة المصرية.

ذهب حوالي المائة شخص إلى هذا الحدث الذي جرى تصويره في حينها من قبل طاقم التلفزيون الروسي فقط.

اليوم ومع تمزق بلادهم التي يعصف بها العنف قامت البي بي سيNewsnight  بتعقّب ثلاثة من طليعة هؤلاء المحتجين لاكتشاف ما حدث لهم منذ ذلك الوقت.

مايا ميلاني

سافرت مايا إلى لبنان من أجل التحدث إلى سو لويد روبرتس في محاولة لتجنّب قوات الأمن السورية

معظم من شارك في المظاهرة الأولى لازال موجوداً داخل سوريا؛ يتخفّى الكثير منهم، يصوّرون عندما يتسّنى لهم ذلك ويقاتلون أيضاً.

مايا ميلاني، واحدة من المنظمين الستة، بقيت هي الأخرى هناك على الرغم من انكشافها لقوات الأمن وإلقاء القبض عليها في السابق – تماماً كما حدث مع الخمسة الآخرين.

حتى تتمكن من التحدث للـ BBC Newsnight تدبّرت مايا أمر عبورها الحدود إلى لبنان.

“لا أعرف مطلقاً متى يمكن أن يسمحوا لي بعبور الحدود ومتى يمكن لهم أن يعيدونني”، تقول مايا.

“يعتمد ذلك على مزاجيتهم”.

التقينا في ما كان يمثّل يوماً ما معلماً سياحياً بارزاً، وهو موقع أثري يعرض لبقايا كلاسيكية رائعة، إلا أنه بات اليوم مهجوراً إلى حد كبير، وخالٍ – كما تأمل مايا – من الجواسيس السوريين المعروفين بترددهم على المناطق الأكثر ازدحاماً في لبنان.

“كلنا تعرّض للاعتقال في مرحلة ما، ومن تبقّى منّا داخل سوريا فهو على أهبة من الاستعداد الدائم؛ أوراقه جاهزة، ومتحسّبٌ لأي مكالمة هاتفية أو قرعٍ على الباب حتى يلوذ بالفرار”.

تعمل مايا كمخرجة أفلام وثائقية، وتقوم بإرسال صورٍ عن محنة شعبها إلى الناشرين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك هيئة الإذاعة البريطانية BBC.

حينما طُلب إليها أن تستذكر مظاهرة الاحتجاج الأولى ردّت مايا قائلة: “كنا نعتقد أننا في مأمن إذ نتظاهر تأييداً للمصريين. في نهاية الأمر يعتقد النظام السوري أن مبارك كان “الخائن الأكبر” نظراً لتعامله مع إسرائيل وقد كانوا يرغبون في رحيله.

ظننا أننا في مأمن”.

وأضافت “نظّمنا مسيرة على ضوء الشموع ثم بدأ أكثرنا حماساً يهتف مشيراً إلى رياح التغيير”.

“كان ذلك فوق طاقة احتمال رجال الشرطة. قاموا بتهديدنا، وصادروا كاميراتنا كما واعتقلوا أيضاً عدداً منا”.

على الرغم من هذا الإنذار المبكر لما هو آت تقول إنها صُدمت من مدى سرعة تفكك الدولة. “كنا نؤمل أنفسنا بنجاح يضاهي نظيره في مصر، لكننا اعتقدنا أن الأمر سيتطلب منا بضع سنوات أخرى. لم أكن أتوقع أن يشتعل كل شيء في غضون بضعة أسابيع”.

في المقابل لم تتوقع مايا رد فعل النظام العنيف. بعد حمزة الخطيب، الفتى ابن الـ 13 ربيعاً والذي تعرّض بحسب الناشطين لتعذيب وحشي قبل أن يلقى حتفه في السجن عقب مظاهرة في درعا في آذار/مارس 2011، توقعَتْ أن يقدّم الرئيس بشار الأسد اعتذاراً. و تتابع: “حتى مؤيديه صُدموا من ذلك الخطاب الأول وهم يسمعونه يهدد بملاحقة المخربين في أنحاء البلاد.  غمرتنا المفاجأة حقاً من هكذا رد فعل؛ من قدر العنف الذي يملكه هذا النظام”.

اليوم، بدأ الجيش بالهجوم على ضواحي دمشق ومايا تواجه العنف على عتبة باب دارها: “تحوم مروحيات كثيرة جداً، إطلاق نار عشوائي، قناصة، وإطلاق نار على كل شيء يتحرك”.

تروي كيف تعرّضت في إحدى المرات لخطر موت حقيقي: “لم أشعر بدخول الرصاصة عبر النافذة المفتوحة إذ لم يكن ثمة زجاج مكسور … في صباح اليوم التالي فقط، حينما استيقظت، رأيت الحفرة التي أحدثتها الرصاصة فوق سريري”.

وعندما همّت مايا بالرجوع إلى دمشق؛ عائدة إلى التهديد المستمر بالاعتقال أو ما هو أسوأ، سألتها فيما إذا أعطيت أمنية واحدة مستجابة لبلدها، فما عساها تكون. أجابت: “أود أن أستيقظ غداً فلا أجد منهم أحداً [أنصار الأسد].

سيكون ذلك مثالياً”.

لحماية هويتها الحقيقية، جرى تغيير اسم مايا من أجل هذه المقابلة.

عامر مطر

يتذكر عامر كيف كان يلوّن اللافتات بالشعارات في الليلة التي سبقت للمظاهرة: “كتبت: نعم للحرية، لا لقتل الشعب المصري”، وأضاف، “تحرر التونسيون ثم أخذ المصريون يشقون طريقهم نحو الحرية. فكّرنا أنه قد حان دورنا لكي نكون أحراراً أيضاً”.

عندما واصل عامر احتجاجه على حكومة الأسد تمّ اعتقال والده

التقيت به في قرية صغيرة خارج مدينة كولونيا الألمانية. بعد ذلك التجمع الأول في دمشق شارك عامر في المزيد من المظاهرات في سوريا، فجرى اعتقاله ثم أفرج عنه. بعدها عمد للاختباء. كنتيجة لنشاطاته السياسية المتنامية بدأت المخابرات بالبحث عنه. ولكي تنال منه، ألقت القبض على والده.

فرّ عامر من سوريا في نيسان/إبريل من هذا العام، وتم مذّاك الإفراج عن والده.

يتحدث عامرعن تباين شكل الحياة في وطنه في الوقت الذي ينظر حوله الى الأزواج المسنّين يمشون يداً بيد تحت شمس ما بعد الظهيرة فيما الأطفال يلهون على دراجاتهم:

“عندما وصلت الى أوروبا، أدهشني كيف يعيش الناس هنا، وأدركت أننا في سوريا نعيش في جحيم تحت حكم الأسد…

إنك لا تكاد تجد شخصاً واحداً في البلاد لم يتعرض شقيقه أو والده للاعتقال. إنه يخنقنا”.

في انتظار تأكيد حصوله على وضع اللاجئ يعيش عامر في نزل كضيف على منظمة خيرية ألمانية وقد أبلغني في تلك الليلة أن عليه الإسراع بالعودة لأن أصدقاء له على وشك الوصول من برلين وباريس – وهم أعضاء في المعارضة في المنفى، المجلس الوطني السوري.

يتحدثون معاً عن المعارك التي تدور على أرض الوطن، من تم إلقاء القبض عليه ومن تمكن من الفرار وينوي الانضمام إليهم قريباً – أحاديث يجري تداولها وتتكرر على لسان مجموعات يائسة من اللاجئين السوريين المنتشرين اليوم في أنحاء العالم.

أصدقاؤه من السنة والدروز والمسيحيين والأكراد. “إنها الحال التي يفترض أن تكون عليها الأمور”، يقول عامر.

ويغضب من هوس وسائل الإعلام، كما يسميه، في الحديث عن حرب أهلية طائفية في سوريا:

“ليس هناك حرب أهلية في سوريا في الوقت الراهن. هناك حرب بيننا نحن الشعب وبين نظام عسكري يذبحنا. إن قوات الأمن والجيش تنحدر من كل الطوائف في سوريا. لقد سئمنا ممن يقولون لنا إنها حرب أهلية”.

لكنه يقر بأنها حرب تدور رحاها. ويلقي باللوم في ذلك على نظام لم يستمع لمطالبهم الأولى المتواضعة ولأنه قام بالدفع نحو عسكرة الانتفاضة.

أذِن والديْ عامر له بالعودة إلى سوريا، على الرغم من احتمال اعتقال والده مرة أخرى. “بالتأكيد أنا مستعد للموت”، كما يقول. “أنا وأصدقائي وكُثر من الشعب السوري على استعداد للمجازفة بحياتنا فقط لنشهد رحيل الأسد. بالتأكيد، بالتأكيد إنه أمر يستحق الموت في سبيله”.

باسل شحادة

فاز باسل بمنحة مؤسسة فولبرايات Fulbright الدراسية في جامعة سيراكيوز Syracuse University في الولايات المتحدة

بمجرد أن اندلعت الانتفاضة بذل المخرج باسل شحادة قصارى جهده لكي يظهر للعالم الخارجي حقيقة الواقع المعاش في بلد يتمزّق.

في فيلمه “أطفال مدينتي” يظهر أطفال في حمص فقدوا آباءهم ومنازلهم فأصبحوا مرغمين الآن على إعالة أنفسهم من خلال العمل في تنظيف الشوارع أو كباعةٍ متجولين. لكن السلطات لم يرق لها ما كان يقوم به، فتم إلقاء القبض عليه في العام الفائت ثم هرب بعد ذلك إلى الخارج.

أثارت أعمال باسل إعجاب المعلمين في جامعة سيراكيوز  Syracuseفي ولاية نيويورك، فتم مكافأته بمنحة فولبرايت  Fulbright  التعليمية.

تالياً قام بالتسجيل لحضور دورة في التصوير السينمائي، لكنه لم يستمر فيها.

“كيف له أن يذهب لتلقّي الدروس ثم يخرج بعدها لتناول القهوة مثل جميع الطلبة الآخرين؟” توضح ميراي باخوسMireille Bakhos، وهي طالبة لبنانية كانت زميلة له في سيراكيوز. “كان يعلم أن الناس في بلده تموت وأن عليه أن يرجع. هكذا كان يرى الأمور، لم  يكن شعوراً بالذنب، كان حبه لوطنه دافعه للعودة”.

تحكي لانا حجازي، طالبة أخرى من الأراضي الفلسطينية: “الجميع حاول إقناعه بالبقاء، لكني أتفهمه كوني أنحدر من الشرق الأوسط، – أنت لا تريد أن تكون جزءاً من هذا العالم الذي يكتفي بالمراقبة دون أن يفعل شيئاً”.

عاد باسل إلى حمص في وقت سابق من هذا العام، حيث كان يعد لفيلم قصير بعنوان “سأعبر غداً”، يصوّر فيه نفسه وهو يتفادى القناصة كي يعبر الشارع، موضحاً فيه المخاطر الجمّة التي تواجه الناس العاديين في سبيل شراء رغيف من الخبز.  نجح باسل في عبور الطريق بأمان، لكن في 28 أيار/مايو 2012 سقطت قذيفة للجيش السوري على منزل كان يؤويه فأردته قتيلاً. كان في الثامنة والعشرين من عمره.

في دمشق، تظاهر المئات من أصدقائه في الشوارع تخليداً لذكراه. كان باسل مسيحياً وأراد الكاهن أن يمنحه مراسم جنازة لائقة داخل الكنيسة لكن السلطات منعته، ما حدا بالمشيعين إلى التجمع خارج الكنيسة بدلاً من ذلك.

تضيف ميراي: “أولئك الذين صلّوا لروح باسل في جنازته كانوا من مختلف الأديان. لم يكن مهماً أين تصلّي، سواء كان ذلك في مسجد أم في كنيسة”.

وتتابع، “لقد كان أمراً مؤثراً للغاية رؤية سوريا على هذا الشكل فذلك هو ما كانوا يموتون في سبيله- إنهم يضحون بحياتهم من أجل سوريا أفضل وليس من أجل بلد مقسّم إلى مناطق وأديان. كان من المحزن أنه لم يتح إقامة جنازة لائقة له.

كان باسل يستحق أكثر من هذا”.

 يمكن مشاهدة  فيلم سو لويد روبرتسSue Lloyd-Roberts  الكامل على Newsnight حيث تمكنت من التواصل مع ثلاثة من منظمي احتجاجات دمشق الأولى في الانتفاضة السورية من مصدر المقالة

Organisers of first Syria protest – where are they now?

   Sue Lloyd Roberts

BBC Newsnight هيئة الإذاعة البريطانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى