صفحات سوريةقصي غريب

من أجل التسامح والتعايش في سورية.. ‘الوطن يسع الجميع’


د. قصي غريب – الشيخ أحمد حماد الأسعد’

سورية دولة عربية اسلامية، بحكم حقائق التاريخ، والجغرافية، والسكان، والدين، والثقافة، ولكن بالمقابل يوجد فيها أكراد، وشركس، وأرمن، وأشوريين، وتركمان، ويوجد فيها أيضاً إلى جانب المسلمين، مسيحيين، ويهود، ويزيدية.

وقد ورد على موقع وزارة الخارجية الأمريكية المهتمة بالأقليات القومية والمذهبية، أن نسبة العرب 90’، في حين أن نسبة الأقليات القومية الأخرى من أكراد، وشركس، وأرمن، وأشوريين، وتركمان، تصل إلى 10’، وأن نسبة العرب السنة 74 ‘، والعلويين 12’، والدروز 3’، والمسيحيين 8 ‘، والمذاهب الإسلامية الأخرى الاسماعيلي والجعفري ، واليهود، واليزيديين 1’.

ولكن من خلال النسب الآنفة الذكر فإن الدولة السورية التي يظهر فيها أقليات قومية، ومذهبية، ليست مجتمع أقليات إنما هي مجتمع فيه أقليات، إلا أن النظام الاستبدادي، والذي تقوم كل بناه، وخاصة السياسية، والعسكرية، والأمنية على أساس طائفي، استطاع من خلال سياساته غير الوطنية من خلق كثير من المشكلات والتحديات في المجتمع السوري، وقد كان من أهمها على الإطلاق الإحتقان الطائفي والقومي.

ولهذا فإن الإستقرار السياسي والإجتماعي فيه الذي يعمل الكثير من أجله، لا يأتي أبداً عن طريق مداراة النزعات الطائفية والقومية التي بدأت تظهر هنا وهناك، بالهروب إلى الأمام من معالجتها، وممارسة ‘التقية السياسية والإجتماعية’ من قبل النخب السياسية والمثقفة، لأن هذه السياسة السلبية غير المسؤولة تعمل على تدمير وخراب النسيج الاجتماعي السوري، وتسهم في بناء أسس ‘معازل’ متعصبة ومتقوقعة ومنعزلة على ذاتها، تحمي نفسها بمعاداة ما حولها، ولكن يأتي الإستقرار السياسي والإجتماعي من الإيمان العميق بالوحدة الوطنية السورية، من خلال الإدراك والوعي من أن المجتمع السوري بحاجة ماسة إلى نشر ثقافة التسامح والعيش المشترك، وعدها خياراً استراتيجياً لا مفر منه، لتعويض تفكك العلاقات في المجتمع، وخلق ثقافة التعارف والحوار والتفاهم والتعاون بين أبناء المجتمع والوطن الواحد، على الرغم من التنوع والاختلاف في القناعات والتوجهات الاجتماعية والفكرية والسياسية، لأنها الحل الأوحد الذي يمكن بامتياز من ضبط وادارة التنوع، فاستمرارها على عواهنها يهدد النسيج الإجتماعي واستقراره ووحدته، ويدخله في آتون الفتنة والإقتتال الطائفي والقومي ويكون الجميع خاسراً، وخاصة الأقليات.

إن العمل بخطوات وطنية حثيثة وصادقة من قبل الجميع السوري من دون استثناء، على اعادة صياغة العلاقة بين أبناء الشعب السوري، من خلال المساهمة في نشر ثقافة التسامح والتعايش المشترك، القائمة على العدالة التي هي أساس الملك، والإحترام المتبادل الصادق بين أفراد المجتمع، وحماية وصيانة وتعزيز وترسيخ حقوق الانسان، كبشر كرمه الله، تقود بكفاءة واقتدار إلى احترام الأخر المختلف وجوداً وحقوقاً، بحيث يكون المجتمع السوري يسع الجميع وللجميع، ومن ثم يشعر السوريون جميعهم بالانتماء الى الدولة السورية، ويجعل لديهم الرغبة في أن يقدموا كل ما لديهم لتحقيق النفع والصالح العام، والتقدم والنمو والرقي لها. ولتحقيق ذلك فان العمل معاً على تنظيم وبناء الفضاءات المشتركة، التي تجمع كل السوريين قد غدا حاجة ملحة وضرورة حيوية، ويأتي في مقدمة ذلك المناداة بتطبيق مبدأ المواطنة الذي يقوم على: لك كامل الحقوق، وعليك كامل الواجبات، فثمة ترابط حيوي بين المواطنة بركنيها الأساسين الحقوق والواجبات، وبين فكرة الولاء والانتماء الى الوطن، الذي تحرص الدول المدنية الديمقراطية على تمكينها لدى أبناء شعوبها.

ولذلك يصعب الحديث عن مواطنة حقيقية، إلا إذا كانت هناك حقوق سياسية، وثقافية، ودينية، يكفلها عقد اجتماعي ويتم ممارستها بالفعل.

ان قيام الدولة المدنية الديمقراطية لكل السوريين، وتطبيق مبدأ المواطنة، بحيث ينال جميع السوريين حقوقهم السياسية، والثقافية، والدينية الكاملة، استنادا لما تقرره عهود ومواثيق حقوق الانسان، هو الحل الأمثل لتحقيق الطموحات والمطالب المشروعة للجميع، بحيث تكون الدولة السورية هي الوطن المشترك الواحد للسوريين كافة من دون استثناء أو تمييز، وغير القابلة للقسمة، ولا يوجد فيها مدن، ومناطق، ونواحي، وقرى خاصة لهذه القومية، أو الطائفة من دون غيرها، لا سيما وأن حرية التنقل، واختيار محل الاقامة من حقوق الإنسان، وهذه الدولة السورية المدنية الديمقراطية تتألف من شعب واحد، يتكون من قوميات عدة، لها رموز وطنية واحدة.

وانطلاقاً من هذا فإن حقوق الأقليات القومية، أو الدينية، أو اللغوية التي جاء ذكرها في العهود والمواثيق الدولية، وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تنحصر بتطبيق مبدأ المواطنة في الدولة السورية، بحيث تنال حقوقها السياسية بتطبيق المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على:

1 لكل فرد الحق في الاشتراك في ادارة الشؤون العامة لبلاده: أما مياشرة وأما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً.

2 لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد.

وتنال حقوقها الثقافية والدينية واللغوية بتطبيق المادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على:

لا يجوز في الدول التي فيها أقليات اثنية، أو دينية، أو لغوية، أن يحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة، أو المجاهرة بدينهم، واقامة شعائره، أو استخدام لغتهم بالاشتراك مع الأعضاء في جماعتهم.

فضلاً عن الايمان الكامل باحترام وتطبيق المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان التي تؤكد على الحق في التنقل والسكن وتنص على:

1- لكل فرد حرية التنقل واختيار محل اقامته داخل حدود كل دولة.

ولهذا فان الواجب الوطني يحتم على كل مواطن سوري مسؤول أن يستخدم عقله بدل عواطفه الجياشة، ويثبت انه سوري بحق وحقيق، مع فخره واعتزازه بقوميته، وثقافته، ودينه، وما يشاء، لا سيما وإننا اليوم في امس الحاجة الى مشروع وطني جديد لبناء أسس دولة المواطنة الحقيقية والصحيحة، البعيدة عن عقلية وسلوك ما قبل الدولة، التي تحمل في ثناياها خطر تهديد المجتمع والوطن وجعله عرضة للإختراق والتدخل الخارجي لتحقيق أجندات معينة لتفتيته وتدمير الوحدة الوطنية فيه، باستغلال الإحتقانات الطائفية والقومية، وإن كل ذلك يدفع إلى ضرورة الخروج من دوائر الإنتماءات الثانوية المغلقة، إلى رحاب فضاء الوطن الواسع لتعزيز وترسيخ الوحدة الوطنية، من خلال المساهمة الفاعلة في بناء أسس الولاء والإنتماء إلى الوطن السوري، الذي يجب أن يقوم نظامه السياسي على أساس قواعد الحكم الديمقراطي الرشيد، المستند على احترام حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، والتعددية الفكرية والسياسية، وتداول السلطة سلمياً، لتكون الدولة السورية الجديدة للجميع، فشهداء الثورة السورية العظيمة لم يقدموا حياتهم قرباناً من أجل تقسيم الدولة السورية، أو اقتطاع أجزاء من المحافظات السورية على أساس طائفي أو قومي، إنما من أجل انتزاع الحياة الحرة الكريمة وقيام دولة سورية مدنية ديمقراطية لكل السوريين قائمة على أساس المواطنة الحقيقية، وتعتمد على اللامركزية الادارية، وتخضع لرقابة وإشراف السلطة المركزية.

ولذلك لا بد من التوقف والتفكير قليلاً من قبل السوريين العقلاء، أصحاب المعرفة العميقة، والحكمة الرشيدة، من أجل السعي الوطني لتجاوز الماضي وسلبياته، والشروع في نشر ثقافة التسامح والعيش المشترك، لتعزيز الوحدة الوطنية، في ظل دولة الحرية والديمقراطية التي ستجمعهم في سورية المستقبل.

‘ كاتبان من سورية

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى