صفحات سوريةفايز ساره

من أجل لغة اخرى في سوريا!


فايز سارة

تؤكد المتابعة الإعلامية لتطور الأحداث في سوريا وجود لغة، لايليق بالسوريين استخدامها في الظروف العادية، والأمر نفسه يتكرر على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي في فيسبوك وتويتر وغيرهما، وبالتأكيد فإنه في زمن المحنة السورية التي وجدنا فيها أنفسنا مع معاناة أغلبية السوريين نتيجة مطالبتهم بالحرية، يصير استبعاد هذا الكلام من جانب السوريين ضرورة ليس قبلها ولا أهم منها ضرورة أخرى، ليس بسبب رداءة ذلك الكلام وهو رديء بالفعل، وإنما بسبب مضامينه وأخطاره التي يمكن أن تأخذنا إلى مسارات لا نريدها، بل إن بعضنا لايتصورها، وهو يستخدم مفردات تلك اللغة الرديئة.

وحيث أن لارغبة لدي في استعادة مفردات تلك اللغة، تجنباً لما أعتقده من أخطارها، فإنه لابد من إشارات عامة حول محتوياتها، والتي أستطيع التأكيد أنّ الإعلام الرسمي أطلقها في البداية، وكرسها لاحقاً في إطار ما ارتكبه من أخطاء سياسية وأخلاقية وثقافية، وبما مارسه من كذب وتضليل في الأشهر الماضية حيال المتلقّين ولاسيما السوريين، بحيث مهد وعزّز وجود هذه اللغة الرديئة في الحياة السورية، وهو أمر انتقل إلى كثير من السوريين الذين يتوزعون اليوم بين موالاة ومعارضة وبينهم وسط من الصامتين وأغلبهم ممن يتجنبون الإعلان عن مواقفهم وخياراتهم لسبب أو آخر، وبعضهم بسبب محتويات تلك اللغة.

إنّ أول محتويات لغة الرداءة، يتمثل في الكذب الفاحش، ودس الدسائس وفي هذا الجانب يجري اختلاق وقائع وأحداث لاوجود لها، أو تحوير أخرى، لتصير ذات معنى مختلف، كما يتم نفي حقائق ووقائع لها من المصداقية والتأكيد ما لايستطيع أي عاقل نفيها وتكذيبها، والهدف الرئيس لحالة الكذب الفاحش هو التأثير على الرأي العام، وجعله يتبنى موقفاً أو يتخذ رأياً، يتم على أساسه الانضواء في معسكر أو طرف ضد آخر عبر التضليل والكذب.

وثاني المحتويات، يظهر في اعتماد التحريض والذي غالباً ما يكتسي صبغة معيّنة، فيكون تحريضاً سياسياً ضد أطراف وجماعات، قبل أن يصير بين أطراف تتوزع بين الموالاة والمعارضة، ويكون دينياً- طائفياً بما يتركه من أثر في أوساط المنتمين إلى ديانات وطوائف، وقومياً يثير الخلاف بين مكونات الجماعة الوطنية من خلفيات قومية وعرقية، ويكون مناطقياً في بعض الأحيان، يحرض منطقة على أخرى، لكنه في كل الأحوال، يؤدي إلى إثارة نعرات أطراف ضد غيرها أو داخل تلك الأطراف من خلال إشارات من هنا وهناك بغض النظر عن قيمتها وضرورتها.

ثالث محتويات تلك اللغة، هو اعتماد لغة الشتم والسباب، والتي تتجاوز الأشخاص في أحيان كثيرة لتطال الجماعات المختلفة السياسية والدينية والقومية، وهي لغة لا أثر واقعي لها سوى زيادة التوترات وحدة الصراعات والانقسامات داخل المجتمع.

ورغم أن ثمة محتويات أخرى في لغة الرداءة، التي يتم العمل بها في الإعلام بوسائله المختلفة وفي شبكة الإنترنت، فإن ملامح المحتويات الثلاث السابقة، تكفي للدلالة على مستوى التردي في معظم الخطاب السوري، ذلك أنه وبعد أن كانت تلك المحتويات مقتصر تداولها على الإعلام وأغلب الخطاب الرسمي السوري وما حوله، فإن تلك المحتويات أخذت تتسلل إلى خطاب بعض المعارضين، وبعضها وجد طريقه إلى بلاغات وتصريحات لجماعات ومراكز إعلامية معارضة، ووصل بعضها إلى لافتات بعض التظاهرات وفي هتافات مشاركين فيها، ويكفي المرور على صفحات فيسبوك السورية ومقاطع الفيديو على صفحات توتير وغيرهما للتأكد من تلك الحقائق المؤلمة.

إن تقارب لغة الخطاب أو تقاطع بعض تفاصيلها بين طرفين مختلفين ومتناقضين أمر يثير التباسات حول جدية الاختلاف ومعناه. غير أن الاختلاف بين السلطة ومعارضيها في سوريا سواء معارضي الشارع من المتظاهرين والمحتجين أو المعارضين السياسيين هو اختلاف جدي تؤكده المجريات اليومية المتواصلة منذ ثمانية أشهر، كما تبرزه الاختلافات السياسية حول طبيعة السلطة ومستقبل سوريا، وكلها تمثل أساساً لاختلاف الخطاب بين الطرفين، حيث يسعى خطاب السلطة السياسي والإعلامي الى تثبيت الواقع ولو بقليل من التعديلات عبر كل السبل الممكنة، فيما يسعى الخطاب السياسي والإعلامي للثورة إلى رسم صورة أخرى لمستقبل البلاد بعيداً عما يسعى إليه النظام عبر شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”.

وسط ذلك التمايز يصعب وجود تقارب أو تقاطع في الخطاب بين السلطة ومعارضيها، والتفسير الممكن لواقع الحال، يكمن في ثلاثة نقاط أساسية، أولها ضعف مستوى الثقافة والمعرفة السياسية المنتشرة في أوساط شباب الثورة ولاسيما الذين يمارسون دوراً في إعلام شعبي عبر مواقع الإنترنت ومنها صفحات فيسبوك، وعدم قدرة بعضهم على التعبير عما يريده بالضبط وانجراره إلى مواقف عاطفية في بعض الأحيان بخلاف ما يفرضه عليه موقفه السياسي. والأمر الثاني ناتج عن الدخول في سياق الرد على أطروحات السلطة في خطابها السياسي والإعلامي المتهالك، الأمر الذي يطبع خطاب الرد بطابع مماثل أو قريب من شكل ومضمون خطاب السلطة. والأمر الثالث يمكن أن يكون نتيجة تسلل عناصر من مؤيدي النظام وشبيحته إلى صفوف الثورة ولاسيما في الفضاء الافتراضي على شبكة الإنترنت وموقع فيسبوك، وتحت شعار الانتماء للثورة يقوم هؤلاء بتمرير حيثيات وتفاصيل تسيء لخطاب الثورة وأهدافها وشعاراتها، وتسيء في الوقت نفسه لبعض شخصيات المعارضة في الشارع وفي القوى السياسية.

إن محتويات الخطاب السوري الراهن بحاجة إلى تدقيق في أشكاله ومحتوياته. ومما لاشك فيه أنّ بعض هذا الخطاب يتنافى مع روح السوريين وشخصيتهم الإنسانية المعروفة، ولإن وافقت أوساط سياسية وإعلامية على الخوض في هذا الخطاب لمصالح ضيقة وأنانية، فإنّه من غير الجائز لمعارضيها في الشارع وفي المعارضة السياسية فعل ذلك، لتعارضها مع توجهاتهم وأهدافهم وخاصة لجهة تناوله جماعات وأشخاص في المعارضة وفي الشارع، وكذلك في تناوله مدن ومناطق سورية معينة لسبب أو لآخر، مما أعطى لاستخدام هذه اللغة ومحتوياتها بعداً مزدوجاً في رداءته وتردّياته.

ولايحتاج واقع الحال إلى تأكيد سوء ما صار إليه الوضع في استخدام هذه اللغة بمفرداتها ومضامينها، وانعكاساته السلبية على الحياة السورية عامة وعلى الحراك الشعبي وفعالياته المختلفة، وهي انعكاسات واضحة عند كل متابع ومدقق في الواقع السوري، الأمر الذي يجعل من الضرورة على كل سوري غيور على بلده ومواطنيه بغض النظر عن موقفه السياسي مغادرة هذه اللغة ومضامينها. وهذه المهمة تصير أكثر إلحاحاً وضرورة عند المنتمين إلى الحراك الشعبي وللمعارضة من قوى وشخصيات، لأنهم يعملون من أجل عالم يناقض هذه اللغة ومحتوياتها، يعملون للتخلص من نظام استبدادي ظالم، لم يترك وسيلة من أجل استمراره في السلطة، ويعملون من أجل بناء دولة ديمقراطية تعددية تسود فيها الشفافية وتتحقق الكرامة الإنسانية والمساواة بين المواطنين والسلم والمشاركة، وكلها تتناقض مع محتويات ومفردات اللغة التي نحاول إبعادها عن حياتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى