إيلي عبدوصفحات المستقبل

من أحرار إيران إلى الثورة السورية/ إيلي عبدو

 حين يغني فنان إيراني للثورة السورية ويدعم قضاياها، فإنه يضع نفسه تلقائياً في وجه نظامين مستبدين. واحدٌ قومي يقمع الناس باسم شعارات التقدم والعلمانية، والآخر ديني يقمعهم باسم الله وولايته الفقهية. ليصبح هدف الأغنية ليس نظام الأسد فحسب، وإنما أيضاً نظام الخامنئي في إيران. وكأن الأغنية التي انتشرت عبر “يوتيوب” بعنوان “أجمل أغنية من أحرار إيران للثورة السورية وضد بشار الأسد” أكثر من اختبار غنائي لرسم تقاطعات بين الاستبدادين. التحديد لا يحصل هنا قياساً على الأنظمة، بل على الثورات، وبالتالي فإن الأغنية تجمع بين ثورتين، ثورة سوريا ضد نظام الأسد والثورة الخضراء ضد نظام الملالي في إيران. الفارق الزمني لا يحول دون فهم السياق الواحد وكشف مساراته المتداخلة.

الفنان الإيراني صاحب الأغنية يكتفي بإدانة نظام الأسد ودعم الشعب السوري الذي “لم تنخفض موجة أصواته كجبل الصبر والعصيان” على ما تقول الاغنية. الصور والمشاهد في فيديو الأغنية، تظهر دبابات النظام وطائراته وهي تقصف المدنيين. ونرى في مشاهد أخرى صور المتظاهرين السلميين وهم يهتفون ضد الاستبداد. لا إشارة في الأغنية وصورها للثورة الخضراء في إيران التي اندلعت قبل سنوات احتجاجاً على ما اعتبره المعارضون تزويراً للانتخابات لصالح الرئيس السابق أحمدي نجاد. ثمة محاكاة غير ظاهرة تتبدى في جوهر القضيتين وعدالتهما. يمكن إيجاد معادل إيراني لميديا القمع في سوريا، من خلال نبش سريع في أرشيف الجمهورية الإسلامية قبل سنوات.

هل من فرق بين ندا آغا سلطان، شهيدة الثورة الخضراء التي قتلها رجال الأمن في 2009، وبين غياث مطر الذي اقتلعت حنجرته بسبب معارضته لنظام الأسد. الأمثلة كثيرة عن ناشطين ومثقفين ومعارضين قتلوا في البلدين. لكن الأكثر رسوخاً هي الميديا العنفية التي يتبارى النظامان في إنتاجها عبر سحل المعارضين والتنكيل بهم. وقد يكون النظام السوري أكثر عنفاً من حليفه الإيراني، على ما تظهر مقارنة سريعة بين الصور واللقطات المأخوذة من البلدين، لكن سبب ذلك هو تجذر الثورة السورية واستمرارها، قياساً بسرعة قمع الثورة الخضراء واعتقال قادتها.

 يبدو لافتاً أن الفنان الإيراني الذي يطالب الجيش الحر في نهاية أغنيته بـ”تحطيم الصنم”، مجهول الهوية. لا نقرأ اسماً أو سيرة أو تعريفاً. هناك فقط لغة فارسية تحسم خيارها بدعم ثورة السوريين. لغةٌ تفتح ثغرة في وعي الشعب الذي يتلقى يومياً رصاص الحرس الثوري ومليشيات إيرانية أخرى. ثمة مقاربة مختلفة تطرحها هذه الأغنية، مفادها أن إيران ليست النظام الحاكم لما يحصل في سوريا. والمتقاطرون إلى سوريا لقتال شعبها لا يختزلون الإيرانين. والأهم من ذلك، كما تشير الأغنية، أن في طهران، كما في دمشق، شعباً مضطهداً يعاني الاستبداد ويتوق إلى مناصرة ثورات جيرانه ليستعيد ثورته الخضراء والسلمية. هذا تحديداً ما فعله الفنان الإيراني عبر هذه الأغنية. لذا، اضطر إلى إخفاء هويته، مثل أي ناشط في الثورة السورية يخشى أن تقتلع حنجرته من قبل رجال النظام.

 للمرة الأولى، يسمع السوريون صوتاً يغني ثورتهم من خارج بلادهم، والمفارقة أن هذه الصوت إيراني.. يغني ثورته المقموعة أيضاً.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى