إياد الجعفريصفحات المستقبل

من إسقاط الكيماوي إلى الرياض/ إياد الجعفري

 

تزدحم الرزنامة السورية، خلال الأسبوعين المقبلين، باللقاءات التفاوضية النوعية. ويبدو الأمر وكأن القوى المتصارعة في الإقليم السوري، قررت التفرغ لتلمس إمكانية وضع خاتمة لصراعها. لكن ما تزال كل من الأطراف الرئيسية تسعى لأن تكون الخاتمة أقرب ما تكون إلى مصلحتها. لذلك، رغم زحمة المواعيد السورية في الأيام القادمة، يبقى احتمال تحقيق اختراق سياسي نوعي، موضع شكٍ كبيرٍ.

قبل ساعات، أسقط الروس إحدى أوراق الضغط الغربية. وباستخدام فيتو حمل الرقم، 11، لصالح نظام الأسد، عرقل الروس التمديد التقني لعمل آلية التحقيق الدولي في استخدام الكيميائي بسوريا، لمدة شهر. وانتهت المهلة المتاحة لعمل لجنة التحقيق. وبذلك، لم يعد بمقدور الأمريكيين وحلفائهم في مجلس الأمن، الضغط على الروس عبر ملف السلاح الكيميائي. على الأقل خلال جولة المعارك التفاوضية في الأيام القليلة القادمة.

لا يوجد هناك مجال لإحراج الروس من الجانب الأخلاقي، أو بالطرق الدبلوماسية. فاللجنة التي وثّقت أن النظام استخدم الكيميائي 4 مرات، وأن “داعش” استخدمته مرتين، لم تحظ بالمصداقية لدى الروس، فقط لأنها تُدين حليفهم. الروس يُحرجون فقط حينما يشعرون بوجود نيّة أمريكية لاستخدام القوة الخشنة ضد حليفهم، الأسد. أما الأدوات الدبلوماسية، ووسائل القوة الناعمة، فلا تُجدي مع الروس.

لذلك، كان من الضروري أن يتحدث وزير الدفاع الأمريكي، تحديداً، منذ أيام، ليؤكد بأن وجود بلاده العسكري في سوريا، سيستمر، طالما أنه لا يوجد حل سياسي في البلاد. وحصر الوزير الأمريكي بوابة هذا الحل، بمسار جنيف. في تلميح مباشر إلى رفض مسارات روسيا الأخرى للتفاوض السياسي، سواء في أستانة أو في سوتشي.

لكن الروس لن ييأسوا. فهاهم يضغطون باتجاه “جنيف” الخاصة بهم. في “سوتشي”. ويجلبون من أجل ذلك، قادة تركيا وإيران. بالتزامن مع مساعي السعودية لتحقيق إنجاز نوعي على صعيد ترتيب المعارضة السورية، في مؤتمر الرياض المرتقب، بعد أيام.

هل هي مصادفة أن يتم لقاء “سوتشي”، في اليوم الذي ستنعقد فيه أولى جولات مؤتمر الرياض؟.. لا شك، هي ليست مصادفة. بل هو حراك دبلوماسي حثيث على أعتاب مرحلة تفاوضية قد تكون منعطفاً نوعياً.

أربعة مواعيد تفاوضية نوعية تنتظر السوريين في 15 يوماً فقط. الأول والثاني، سيتزامنان معاً، يوم الأربعاء المقبل. في سوتشي، حيث يجتمع قادة روسيا وإيران وتركيا، لبحث الشأن السوري. وفي الرياض، حيث تجتمع قوى معارضة سورية لبحث توحيد وفدها التفاوضي. فيما تُرتقب جولة ثامنة من جنيف، في 28 من الشهر الجاري، قد تشهد منعطفاً نوعياً إن نجح مؤتمر الرياض 2. وستكون كسابقاتها، إن لم ينجح. ليتلو ذلك في الثاني من الشهر القادم، مؤتمر “الحوار الوطني السوري” في سوتشي. في محاولة روسية استباقية، للتمهيد لخط سياسي بديل عن جنيف، في حال فشل الأخير.

من بين هذه اللقاءات التفاوضية النوعية، يبدو مؤتمر الرياض 2 أخطرها، وأكثرها تأثيراً على ما سيتلوها. ويرى بعض المراقبين أن مؤتمر الرياض غايته تطويع المعارضة السورية، بحيث تقبل بسقف متفق عليه بين القوى المتصارعة في سوريا، يتمثل بالقبول ببقاء الأسد في بداية المرحلة الانتقالية، على الأقل. مساعي الرياض بهذا الصدد فشلت قبل ثلاثة أشهر، حينما عجزت عن تحقيق اتفاق يسمح بتشكيل وفد مفاوضات مشترك، يجمع بين كل من “الهيئة العليا للمفاوضات” من جهة، وبين “منصة القاهرة” و”منصة موسكو”، من جهة أخرى. وحسب تصريحات معارضين سوريين، كان الخلاف الرئيس يتمحور حول معضلة رحيل الأسد قبل المرحلة الانتقالية، أو القبول به خلالها. وكان الخلاف بشكل رئيس، بين “الهيئة العليا للمفاوضات” من جهة، وبين “منصة موسكو” المقربة من روسيا، من جهة أخرى.

التحدي الذي تواجهه الرياض، بعد أيام، يأتي في أجواء إقليمية ودولية كثُرت فيها الانتقادات لما بات يوصف بـ “القيادة المتسرعة” فيها. فقد استخدم ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أدوات غير تقليدية وصادمة في السياستين الخارجية والداخلية، خلال أشهر قليلة فقط، وفي أزمات متتالية، بدأت بالعلاقة مع قطر، مروراً بالصراع على الكرسي والثروة في الداخل، وليس انتهاءاً بالملف اللبناني.

هذه الأدوات غير التقليدية، ولدت انتقادات باتت علنية، في أوساط مسؤولين غربيين. وتطلبت تدخلاً فرنسياً عالي المستوى، لكبح جماح السعوديين، في الملف اللبناني.

ما سبق، يرفع من وتيرة المخاوف أن تتعرض “الهيئة العليا للمفاوضات”، التي تمثل فعلياً أكبر ممثل لقوى المعارضة السياسية والمسلحة السورية، لضغوط سعودية شديدة، بهدف الرضوح لما يبدو أنه تفاهم روسي – سعودي، على القبول ببقاء الأسد خلال المرحلة الانتقالية. فإن نجحت الرياض في ذلك، سيكون خرقاً نوعياً بالفعل. سيخدم مكانة الدور السعودي في علاقاته مع روسيا، وكذلك مع الولايات المتحدة الأمريكية. لكنه سيكون على حساب تطلعات شريحة واسعة من السوريين. أما إن فشلت الرياض في هذا التحدي، في حال رفضت قوى المعارضة الفاعلة، تلك الضغوط، فستكون نكسة كبيرة لسياستها الخارجية، وخسارة لمعظم أوراق قوتها في الملف السوري.

الاحتمال الأخير وارد بشدة. فرئيس الائتلاف الوطني المعارض، رياض سيف، الذي يقود أكبر تكتلات المعارضة، استبق مؤتمر الرياض 2، وأكد أن لا مجال للتفاوض حول بقاء الأسد. تصريحات سيف، ومعارضين آخرين، كشفت أنهم يأملون حتى اللحظة الأخيرة الحفاظ على العلاقة المتينة مع الرياض. لذا قللت تصريحاتهم من دقة ما يُشاع عن ضغوط سعودية بدأت تتصاعد على شخصيات الهيئة العليا للمفاوضات، كي ترضخ للقبول بشرطي، “منصة موسكو”، وهما بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية، والاعتماد على دستور 2012، بوصفه الناظم للمرحلة الانتقالية، رغم أن ذلك الدستور، فصّله الأسد على مقاسه.

تصريحات شخصيات من الائتلاف، والهيئة العليا للمفاوضات، التي قللت من شأن ما يُشاع من ضغوط سعودية، تتناقض مع اللائحة الأولية للمدعوين في مؤتمر الرياض 2، حيث أن أكثر من نصف المدعوين من الشخصيات المستقلة، التي قد تكون أكثر مرونة في التفاوض. ومن بين 144 شخصية سورية معارضة، سيكون نصيب الائتلاف الوطني المعارض، أكبر تكتل للمعارضة، لا يتجاوز 22 شخصية فقط. بينما سيكون نصيب هيئة التنسيق الوطنية، 14 شخصية. ومنصة القاهرة 10 شخصيات. ومنصة موسكو، 7 شخصيات. هذه المعطيات الأولية لقائمة المدعوين توحي بأن الرياض تبحث بالفعل عن معارضين يتمتعون بالمرونة، بما يتيح دفعهم لتقديم تنازلات نوعية.

إن صح ما سبق بالفعل، فإن الرياض مقبلة على مغامرة خطرة. وإن ضغطت فعلاً، باستخدام أدوات الضغط التي اعتمدتها قيادتها خلال الأشهر القليلة الماضية، وتصلبت شخصيات الائتلاف المعارضة والهيئة العليا للمفاوضات، في مواجهة تلك الضغوط، فإن ذلك قد يعني انفراط عقد سيطرة الرياض على نصيب وافر من المعارضة السياسية السورية.

لذا، وبكل المعايير، فإن مؤتمر الرياض 2، المرتقب خلال أيام، سيكون أخطر محطة في الرزنامة السورية المزدحمة. فهو مفتوح على سيناريوهات عدة، أبرزها أن تتمكن الرياض من فرض رؤيتها بما يخدم مصالحها، ولو على حساب السوريين. أو أنها ستخسر أكثر، وقد تفقد ورقة قوة بارزة في الملف السوري، كما سبق وخسرت أوراق قوة في ملفات عدة، خلال الأشهر القليلة المنصرمة.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى