صفحات العالم

من “إنّها إسرائيل” إلى “خذها من يد بشار الأسد”

وسام سعادة

لا إجرام من دون نفاق، وعندما تكون الجريمة سياسية يأتي النفاق مضاعفاً: نفاق “أيديولوجيّ” بقصد تمييع ثنائية “الجريمة والعقاب”، ونفاق “سياسي” بقصد جني ثمار الجريمة السياسية، خصوصاً إن كانت عملية اغتيال. ويدعم كل هذا بنفاق “أمنيّ – تقنيّ” يستهدف الحؤول دون جديّة التحقيق، أو لأجل تضليل التحقيق، أو لأجل إيقافه عنوة قبل الوصول إلى خواتيمه.

وهذه الأنواع الثلاثة من النفاق على خلفية جرائم اغتيال سياسي متسلسلة، هو ما برعت به “منظومة الممانعة” يكاد يكون بجميع من فيها.

فبالإضافة إلى تقسيم العمل الإجرامي بين من يقرّر القتل، وبين من يصمّم وينفّذ، يحضر تقسيم عملية النفاق، بين من يخوضها من باب “العقائد” (حدّة الاستقطاب التاريخي بين طغاة الممانعة وبين الاستكبار الامبريالي العالمي)، وبين من يجهد للقطف السريع لثمار الجريمة (مثلاً إحياء الحديث عن مؤتمر تأسيسي لأبطال المناصفة الاسلامية – المسيحية في أعقاب الجريمة الإرهابية المدوية الأخيرة)، وبين من يدخل في باب “التقنيات الأمنية” (حتى الآن لم يخرج علينا عبقري ممانع بعد لـ”يكشف” لنا أن اللواء وسام الحسن اغتيل بصاروخ من الجو).

كلما كانت الممانعة تزداد إجراماً على نحو نافر وعارٍ، كلما كانت تسترسل في النفاق. إلا أنّها، ككل المنظومات ذات الطابع الإجرامي، تصل في النهاية إلى لحظة المصارحة الإجرامية.

فبخلاف عمليات الاغتيال السابقة، سجّلت هذه المرة نقلة سريعة عند مجرمي ومنافقي الممانعة تتجاوز نفي ارتكاب الجرم وتنسيبه إلى العدو الإسرائيلي، في مقابل الإصرار على أن لقوى الممانعة والمقاومة وحدها حق الاستفادة السياسية والأهلية من تبعات هذا الجرم. فبدلاً من هذا، بدأت تظهر أصوات ممانعة تتبنى “تحليلياً” فكرة أن يكون رأس الممانعة البعثي هو المركز العصبي الذي أعطى الأمر بتصفية الحسن.

فالممانعة كمنظومة إجرامية أصبحت ترتأي الآن ضرورة إرفاق عملية الاغتيال ليس فقط بنفاق أيديولوجي (وإن كانت كلمة أيديولوجيا على سيئاتها، كبيرة بالنسبة إلى أقزام “الفكر الممانع”)، ونفاق سياسي أو تقني – أمني. إنما أيضاً بترجمة فورية مختصرها المفيد: “خذها من يد بشّار الأسد” (هذا إن شئنا محاكاة الجملة المنسوبة الى القاتل القومي الاجتماعي للشهيد رياض بك الصلح، “خذها من يد سعادة”).

طبعاً، يتلوّن بعض هذا التبني “التحليلي” من طرف “صحافيين” و”ساسة” في الممانعة (الشبيحة هي التسمية “العلمية” في الحالتين) بأنماط تبريرية مريضة من نوع “المماثلة” بين مقتل آصف شوكت ومقتل وسام الحسن، أو “المفاضلة” التي لا تقلّ استفزازاً بين عماد مغنية ووسام الحسن (وقد أتبع النابغة سليمان فرنجية في ذلك سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي للمفاصلة بين الشهادتين، ” مرة”، بالشكل الذي يعمل على تصعيد الفتنة الشيعية – السنية من ناحية، وعلى وضع المسيحيين في صلبها من ناحية ثانية).

لكن وراء كل ذلك منطق واحد: الاغتيال السياسي ما عاد كافياً بالنسبة إلى الممانعين، مقولة “انتظروا نتائج التحقيق” لم تعد كافية. مقولة “إنها اسرائيل” لم تعد كافية. مقولة “إلا الفتنة” صارت كاريكاتوراً سمجاً. الممانعة تجد نفسها مضطرة للاعتراف بأنها قاتلة، وتعتبر ذلك ضرورياً لجني ثمار الجريمة، وللاستمرار في متلازمة الإجرام والنفاق.

هنا الاعتراف بالجريمة هو إمعان فيها، وتحريض على المزيد منها.. وقبل كل شيء التنبيه إلى أنّها مستمرّة.

وسام الحسن ما زال يُقتَل.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى