صفحات العالم

من البلقان ولبنان إلى سوريا


 عبد الرحمن الراشد

أخيرا، الذي اختير رئيسا لبعثة المراقبين الدوليين ليس إيرانيا ولا روسيا ولا محسوبا عليهما، بل نرويجي يعرف تضاريس المنطقة الجغرافية والسياسية. الجنرال روبرت مود كُلف بأهم مهمة «سياسية عسكرية» في أخطر أزمة سياسية تعصف الآن بمنطقة الشرق الأوسط. مهمته مختلطة الأهداف؛ من تقصي الحقائق إلى وقف إطلاق النار. وجاء اختياره بهدف طمأنة المتشككين من تكليف كوفي أنان وسيطا أمميا، بعد أن أثار أنان تساؤلات حول نفسه عندما سارع في أول يوم عُين فيه، وتحدث عن مخرج سياسي مناسب للنظام السوري! أيضا، اختيار الجنرال مود يشير إلى أن مهمة بعثة المراقبين الدولية ليست مسرحية هزلية، مثل بعثة الجامعة العربية التي كلف بقيادتها ميكي ماوس؛ جنرال في جيش نظام البشير السوداني اسمه الدابي، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. الجنرال مود عمل في بعثات السلام في البوسنة ولبنان ويعرف كيف ملموس، ل ، سوريا. أما الجنرال الدابي فقد عمل قائدا عسكريا في دارفور حيث قامت قواته بذبح عشرات الآلاف من العزّل، وحرقت قرى بأكملها. لهذا لم يكن تقرير الدابي مفاجئا عندما كتبه لصالح النظام السوري.

لا نتوقع من الوسيط الدولي، ولا من القوات الدولية، نتيجة حاسمة مثل التدخل الدولي وحماية المدنيين من المجازر المستمرة، مع أن هذا الذي كنا نرجوه منذ الصيف الماضي، إنما نعتقد أن الوساطة والرقابة خطوتان ضروريتان لتكونا الأخيرتين، بغض النظر عن النتيجة. الأمور ستتجه بعدها نحو نهاية ما؛ تدخل دولي أو تدخلات مستقلة. وسواء سجل الجنرال مود في تقريره أن النظام هو من يرتكب الجرائم، وبناء عليه يوصي أنان الأمم المتحدة بالتدخل عسكريا، أو جاءت النتيجة باقتراحات سياسية خائبة تنقذ النظام، مثل التفاوض بين النظام والمعارضة، كالمعارضة التي اخترعها النظام السوري، وتدعمها روسيا وإيران.. حتى مع هذا الاحتمال السيئ، تكون الأزمة السورية قد نضجت، والثوار سيستمرون في محاصرة النظام. وأنا واثق أن الجميع سيقتنع أن دعم الشعب السوري ضرورة؛ ليس لإسقاط النظام فقط، بل أيضا من أجل احتواء المعارضة وتجنيب البلاد السقوط في دوامة عنف متعددة الأزمات. وواثق أيضا أن سقوط النظام أمر حتمي، حتى لو نجا هذا العام، فستمتد الانتفاضة إلى العام المقبل. ومع تقادم الوقت، سيكتشف المجتمع الدولي أن ترك الساحة السورية في فوضى يفتح بابها لدخول جماعات معارضة مسلحة موجهة من أطراف خارجية، أو أن تتحول المعارضة السورية الوطنية إلى جهادية بسبب تلكؤ دول العالم في ردع النظام المستمر في ارتكاب المذابح المروعة.

بسبب تخلي المجتمع الدولي، والدول المجاورة عنه، سيقبل الشعب السوري بمساعدة الجماعات الجهادية التي تبحث لنفسها عن قضية وأرض وشعب لقيادة المعارك. والغريب أنه أمر يناسب النظام أيضا حتى يضع العالم بين خيارين فقط؛ إما هو أو جماعات جهادية متطرفة تعيد ذكرى الصومال وأفغانستان. النظام مع هذا سيسقط حتما حتى بدعم إيران والعراق له، ودفاع الروس والصينيين عنه في مجلس الأمن. السؤال هو متى وكيف.. وأي نظام سيخلفه في دمشق؟

كان متوقعا له أن يسقط العام الماضي، إنما الذي أطال عمره جملة أحداث. دول الجوار، مثل تركيا والأردن، ترددت طويلا في انتظار غطاء دولي. والدول العربية المؤيدة للثورة، مثل السعودية وقطر، خسرت معركتها الدبلوماسية بعد تعيين نبيل العربي أمينا عاما للجامعة العربية، الذي ساهم كثيرا في حماية النظام السوري بوأد مشاريع سياسية كان يمكن أن تمنح حق التدخل إقليميا ودوليا. ثم خسرت بتولي العراق رئاسة قمة الجامعة العربية المتحالف فعليا مع إيران لدعم النظام السوري. وبالتالي نحن أمام آخر فرصة، حيث يرجى من مهمة المراقبين الدوليين أن تدفع باتجاه التدخل الدولي لحماية الشعب السوري الذي يسقط النظام أو حل سلمي ينهي النظام على الطريقة اليمنية. وإن فشلت يكون دور الأمم المتحدة انتهى، وستأخذ القضية منعطفا مختلفا تماما. ستتحول الساحة إلى حرب شعبية ضد قوات احتلال، كما وصفها الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى