صفحات سوريةهيثم المالح

من التاريخ القريب


المحامي هيثم المالح

في مطلع عام 1988 وعقب خروجي من السجن الذي زج بي فيه حافظ الأسد، توجهت برحلة بدأتها بزيارة الى المملكة العربية السعودية ميمما شطر مدينة الرياض، حيث كان يقيم فيها أستاذي المرحوم معروف الدواليبي، والذي ربطتني به صداقة بعد تخرجي من كلية الحقوق وبدء عملي بالمحاماة ثم بالقضاء، كما ربطتني صداقة بالعديد من اساتذتي الذين كان لهم الفضل علي بما قدموه من علم ومعرفة من أمثال الشيخ مصطفى الزرقا والشيخ مصطفى السباعي والدكتور رزق الله أنطاكي وغيرهم، بل لقد كان هؤلاء الاساتذة فيما أعتقد من خيرة من مر على كلية الحقوق، ولم يجُدْ الزمان بمثلهم فيما بعد.

توجهت لزيارة استاذي الدكتور معروف الدواليبي بصحبة الأخ الصديق الدكتور محمد لطفي الصباغ الذي كان مدرسا في احدى جامعات الرياض ووصلنا داره مساء أحد الأيام في شهر ايار (يونيو)، وكنت قد عقدت العزم على أن أنقل له صورة عن الأوضاع في سورية وما يجري في سجون النظام، حيث لم يكن قد مضى على خروجي من السجن أكثر من سنة ونيف، عانيت فيه كما عانى فيه غيري من السجناء الكثير الكثير من الجرائم التي كانت ترتكبها أجهزة الأمن المتعددة في العديد من السجون وخاصة في الفترة التي امتدت منذ اعتقالي في مطلع 1980 حتى الافراج عني نهاية عام 1986 .

وما أن استقر بنا المقام لدى مضيفنا الدكتور الدواليبي حتى بدأت أروي ما وقع ويقع في السجون السورية الا أنني كنت أفاجأ من قبل الدكتور معروف بتغيير الحديث ونقلي الى الحديث عن أمجاده، وعبثا حاولت خلال وجودي لديه والتي امتدت قرابة ساعة أن الفت استماعه لما أقول ولكنه لم يكن يرغب أن يستمع، في الوقت الذي كان يشغل وظيفة المستشار الخاص للملك فيصل رحمه الله وكنت آمل من زيارتي له أن ادفعه لأن يقدم الى بلده مساعدة ما وهو في هذا الموقع.

تأكدت أن الدكتور معروف لايريد الاستماع فاستأذنته وصديقي الدكتور محمد الصباغ، وعند باب مسكنه (فيلا) خاطبنا بقوله ‘ان للبيت ربا يحميه’، وأدركت أنه لم يكن يريد أن يستمع لأية أخبار عن بلده التي كانت في محنة كبيرة.

كان الدكتور معروف الدواليبي قد غادر سورية كما غادرها أخرون من القياديين الى المملكة العربية السعودية وذلك عقب الانقلاب العسكري الذي قاده الضابط زياد الحريري واستيلائه على السلطة عام 1963، ومنذ ذلك الحين لم نعد نسمع لأحد من هؤلاء أي حس أو خبر ينبئ أنهم كانوا يحاولون مساعدة أهلهم أو انتشال بلدهم الذي كان يعاني من الجرائم التي ترتكب بحقهم من قبل حكم عسكري فاجر مجرم، وهم برحيلهم قد أفرغوا البلاد من القياديين الذين كان يمكن لهم مساعدة الشعب على التصدي لانحراف السلطة، وذلك خوفا على أرواحهم وحرياتهم وطمعا فيما يغدق عليهم من رواتب عالية وعيشة هنية في البلاد التي رحلوا اليها، وهو الذي أدى بالثورة لأن تدفع ثمنا باهظا من أجل التغيير.

هذه صورة لأحد القياديين الذي أعرض عن مجرد سماع أخبار بلده وما يعانيه من حكم حافظ الأسد الذي دمر البلاد والعباد، وهي صورة مختصرة عن هؤلاء الذين آثروا حياة الراحة والدَعة بعد أن رأوا بأنفسهم مرارة معاناة أهلهم وشعبهم.

الا أن الملفت للنظر أن العديد من أولاد وأحفاد هؤلاء خرجوا كالفقاعات بعد انطلاق الثورة ليقدموا أنفسهم بانتمائهم لابائهم أو اجدادهم قادة في المرحلة الحالية، وفي سبيل ذلك استسهل بعضهم الارتماء بأحضان المخابرات الأجنبية، بل وحتى التابعة للكيان الصهيوني في فلسطين، واستساغ بعض المتحذلقين السياسيين الجلوس الى الأعداء ضاربين عرض الحائط بما ارتكبه ويرتكبه هؤلاء الأعداء بأهلنا في فلسطين ، بل ويتصدر بعضهم الواجهات السياسية ويتجولون ناطقين ومعبرين عن اصوات بعض المعارضة.

والسؤال الذي يطرح هنا، هل أن ثورتنا في سورية بحاجة للتمسح بأعتاب الأعداء وبأجهزتهم الأمنية وسواها؟

لا والله كلا وألف كلا انني من موقعي في الثورة السورية التي يعرفها القاصي والداني، ومن موقعي وقد أخذت على عاتقي مساندة الثورة والاصرار مع الثوار على النصر حتى النهاية، أرفض كما يرفض شعبي في سورية هؤلاء الناس وأقول لهم عودوا الى صوابكم، وليست الثورة بحاجة لمثل هذه الجهود ولا للتواصل مع الأعداء، فالثورة منتصرة من غير هذه الجهود.

‘والله يقول الحق وهو يهدي السبيل’.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى