بشير عيسىصفحات سورية

من “القاعدة” إلى “داعش”/ بشير عيسى

 

 

نظراً الى طبيعة المتحولات في المنطقة، يبدو «داعش» مشروعاً وظيفياً، جاء كاختراق لمشروع الفوضى الخلاقة. وبالتالي هو إنقلاب على مشروع «القاعدة» القديم، الذي واكب الحرب الباردة، التي أدت الى سقوط الاتحاد السوفياتي، حيث شكلت «القاعدة» رأس الحربة التي ثأر بها الطرف الأميركي من غريمه الروسي في أفغانستان، رداً على خـسارتـه الحرب الفيتناميــة. فهزيمة السوفيات حينها، شكلت بداية النهاية لهم ولحلفهم، الذي لم يعــد يقوى على الاستمرار على الصعد كافة، ما أدى الى تشكل مزاج عارم داخل روسيا، مؤيد لسياسات غورباتشوف.

مع تفكك الاتحاد والحلف، انكفأت روسيا داخلياً، في مسعى لإنقاذ واجتراح كيان وشكل جديد للهوية، يحدد طبيعة السياسات الداخلية والدولية لدولة غورباتشوف الوليدة. والآن، ليس بعيداً منه يقف باراك أوباما، مثقلاً بتركة هائلة ورثها عن أسلافه، ممن دفعوا بالولايات المتحدة لأن تكون أكبر دولة مَدينة في العالم، مع استبدالهم، منذ رونالد ريغان، قيم الليبرالية بالليبرالية الجديدة.

فأوباما جاء انقلاباً على بوش الأب والابن، إذ تقوم أولويته على تقديم الداخل، الاقتصادي والمجتمعي، على الخارج السياسي، دائباً على إحلال دبلوماسية القوة الناعمة مكان القوة العسكرية وغطرستها. فأوباما يحاول أن يمحو سؤالاً طالما ردده الأميركيون: لماذا يكرهوننا، إدراكاً منه بأن نتائج كل تدخل عسكري في الخارج كانت كارثية، سيما على الشعب الأميركي، فيما الرابح الوحيد أصحاب القرار وجماعات الضغط المرتبطون بشركات السلاح والنفط العابرة للقارات، وغيرها من الشركات ومراكز الأبحاث والدراسات، وسائر المصالح المشابهة التي تشكل رأياً عاماً يخدم صناع القرار.

من هنا كان شعار «التغيير» ضرورة إنقاذية ومطلباً شعبياً. فحربا أفغانستان والعراق كلفتا الخزينة ودافع الضرائب مليارات الدولارات، ناهيك عن آلاف الضحايا والجرحى، فيما المحصلة تحول أفغانستان والعراق دولتين فاشلتين، تستقطبان وتصدران الإرهاب! وهذا دفع بالولايات المتحدة لخوض حرب استباقية على الإرهاب من دون استراتيجية فعالة!

هكذا تعهد أوباما بالانسحاب العسكري من افغانستان والعراق، مع إبقائه الالتزام بالحرب على الارهاب، ولكن في شكل لا يضطر معه الى إرسال قوات برية للخارج، ما بدا جلياً في الأزمة الليبية وصولاً الى سورية واليمن. فأوباما يفتخر بما أنجزته دبلوماسيته حيث فشل أسلافه، طاوياً صفحة العداء التاريخي مع كوبا، ومعززاً التقارب مع أميركا اللاتينية، ومدافعاً عن مفاوضاته مع إيران، المصنفة أميركياً في محور الشر، إذ دفعه نحو الأغراض السلمية أفضل من الدخول في حرب مدمرة للمنطقة. والحال نفسه ينطبق على نزعه أكبر ترسانة سلاح كيماوي يملكها النظام السوري!

معظم هذه الانجازات، لم تكن لتتحقق، لولا تسهيل، وربما تنسيق، من بوتين، لما يملكه من تأثير في المنطقة عبر منظمتي الأمن والتعاون وشنغهاي، إضافة لحليفه الإيراني الذي يملك أوراقاً مؤثرة في أفغانستان والعراق وسورية واليمن وحتى باكستان، ناهيك عن دور روسيا في أميركا اللاتينية عبر مجموعة البريكس.

والسؤال هنا: ما الذي قدمه أوباما لبوتين؟

ظاهرياً ثمة مصلحة مشتركة للطرفين، فأوباما كان يسعى الى تحقيق أمرين، الأول: الحفاظ على مصالح وامتيازات حيوية لدولته، وإلا لعب دوراً معطلاً، والثاني: إنقاذ قواته بأقل كلفة، بعدما انقلب سحر جهاديي «القاعدة» عليها حين قررت الولايات المتحدة التخلص منها، بعد انهيار خصمها الحقيقي.

وهذا يقودنا إلى مشروع الفوضى الخلاقة الذي بشرت به كوندوليزا رايس، واخذ يشق طريقه مع انطلاق الربيع العربي، بحيث يؤدي لإسقاط الأنظمة الرسمية المهترئة، كمقدمة لوصول إسلام سياسي «معتدل» يحارب «القاعدة». هذا المشروع، أثار مخاوف روسيا وخلفها الصين وإيران، مما دفعها للتمترس خلف نظامي دمشق وبغداد، إذ رأت فيه تطويقاً وتهديداً جدياً لها في حال تمدده للدول الإسلامية في آسيا الوسطى.

إلا أن رجل الـ «كي جي بي» أراد شيئاً آخر من أوباما، وهو تمكينه من المنظومة الأمنية والمالية لـ «القاعدة»، التي شارك فيها الإخوان ضد الشيوعيين في أفغانستان. فبوتين أراد استغلال «القاعدة» قبل تدميرها ذاتياً، عبر استيلاد مخلوق من رحمها، يكون أشد توحشاً، يتحكم بتوجيهه بما يخدم مخططاته. وهنا علينا ألا ننسى قسم بوتين الشهير، عقب تفجيرات فينوغراد، حين قال: في حربنا على الإرهاب، سنغير خريطة الشرق الأوسط!

فهل سنشهد، في المرحلة المقبلة، مبايعة تنظيم «القاعدة» في جزيرة العرب لـ «داعش»؟

* كاتب سوري

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى