صفحات الثقافة

من بوكوفسكي إلى صديقه: الشعراء تافهون

 

 

ترجمة: عمّار فراس

[بوكوفسكي هو صديقنا السكيّر، ذو الحكايات الساخرة والفاحشة، يفضح عيوبه ويتيح لنا السخرية منه كي يسخر منّا بالمقابل. هو مهرّج من دون مكياج. البذاءات والتهكم من المؤسسة الأدبيّة والفنيّة جعلت بوكوفسكي أيقونة للصعلكة والرفض. سنوات من الفقر والكتابة من أجل التعيش جعلت تجربته ملهمة للكثيرين، يكفي أن تكتب كي تنجو، أو ربما قد لا تنجو، لكن اكتب فقط.

العمل في مكتب البريد كان أشبه بجلسات التعذيب لبوكوفسكي؛ إذ قضى هناك ما يقارب عشر سنوات، ومع بداية الستينيات بدأ اسمه يظهر على الساحة الأدبيّة، إلا أنه ما زال موظفًا وضيعًا في مكتب البريد. وقبل عام من تركه لوظيفته، عُرض عليه نشر رسائله في “جامعة ما”، ليبدأ بعدها سلسلة من المراسلات يطلب فيها باستعادة رسائله، الرسالة التاليّة أرسلها إلى الكاتب والسيناريست والأستاذ الجامعي جون ويليام كورينغتون يطلب فيها أن يعيد له رسائله السابقة، وهذا ما فعله كورينغتون بعكس غيره ممن كتب لهم بوكوفسكي.

 

ملاحظة: تم التقليل من بذاءة بعض المصطلحات في الرسالة، كذلك استبدال بعض التعابير الرياضيّة.]

 

إلى جون ويليام كورينغتون

15 أوكتوبر 1968

حسنًا، كيف أشرح لك الأمر؟ كتبت لك الكثير من الرسائل والآن أريد أن ترجعها لي. انتظر.. انتظر، عرضت عليّ جامعة ما مبلغًا ماليًا مقابل النصوص التي نشرتها في المجلات، ومسوداتي، ورسوماتي، وكتبي والرسائل التي كتبتها للآخرين. هذه الصفقة تعني لي الكثير. بسبب الرسائل سأحصل على مبلغ مالي كاف لعام أو اثنين كي أكتب عوضًا عن أن أموت هنا على الكرسي في مكتب البريد الذي ما زلت فيه منذ أحد عشر عامًا.

في بعض الليالي هناك، شعرت أنني فعليًا أفقد أعقلي، وأحيانًا تأتيني نوبات من الدوار أتمسك إثرها بالمكتب لأن كل ما حولي يدور. روحي العجوز ببساطة تقول لي: لا لا لا لا مزيد من هذا أرجوك! أريد المزيد من الوقت كي أكتب، أحتاج إلى الرسائل كي أتحرر، كي أخرج للعلن وأصارع الحياة. أنا الآن في الثامنة والأربعين، لعبت دور العجوز الصلب السكير الذي يبصق الدم من فمه لفترة طويلة، أحتاج للراحة، أفهمت؟

حسنًا، لقد كتبت رسائل إلى عدد من الشعراء، اثنين أو ثلاثة.. أطلب منهم أن يعيدوا لي رسائلي، واحد منهم لم يجبني، الثاني أرسل لي مقالة أدبيّة من نوع ما، مكتوبة بصورة سيئة، من دون أن يذكر أي شيء عن طلبي منه إعادة الرسائل.

الثالث أرسل لي رسالة طفوليّةً عن رغبته بالاحتفاظ بالرسائل في قلبه، وكيف أنها أنقذت حياته خلال السنوات الستّ السيئة التي قضاها في ورشة الحدادة. هو لا يستطيع الاستغناء عنها الآن! آه لا لا لا، لا تسألني لماذا! زوجته تعمل الآن بينما يقوم هو بتكديس أوراق يكتب عليها شعرًا مملًا وتافهًا، ويزداد تفاهة كلما كتب أكثر.

الأمر واضح، لطالما كنت أقول وطوال ثلاثة عقود إن الشعراء تافهون وما زالوا يؤكدون كلامي هذا، إن قمت يومًا ما بكتابة مذكرات تافهة فسأذكر أسماءهم وترهاتهم. لقد حان الوقت لنقصف هؤلاء القذرين في جحورهم. على أي حال، هناك ثلاثة أو أربعة عليّ أن أكتب لهم، وامرأتان أو ثلاث، أي حوالي ستة بالمجموع، وإن لم يردّوا عليّ فلا أريد أبدًا أن أسمع كلمة شاعر في الغرفة التي أكون فيها، لقد شرحت موقفي سابقًا للجميع، وسأشرحه مرة أخرى، وقد كتبت لبعض الذين لا يبدو أنهم قد استوعبوا من المرة الأولى، وشرحت لهم بدقة ماذا يعني لي هذا، هؤلاء السفلة يكتبون عن الحياة، لكن كل ما يكتبونه عبارة عن ترهات. لهذا السبب يكتب بعضهم بصورة سيئة جدًا، هم يفضّلون قتل الحياة عوضًا عن عيشها، سواء كانت حياتي أو حياتهم.

لذا، ويلي، بحق المسيح أرسل لي الرسائل، حررّني، أذكرُ أني أعدت لك كل رسائلك عندما طلبتها مني مرّة حين كنت أسكن في 1623 ماريبوسا، إثرها قمت بوضعها على السجادة وحاولت أن أرتبها زمنيًا قبل أن أضعها جميعها في ظرف لإرسالها. لا أحاول أن أكون ملاكًا، لكن يا ويلي، حين طلبت مني أن أعيد لك رسائلك لم يخطر ببالي للحظة أن أقول “لا”، لن يكون الأمر منطقيًا بالنسبة لي. أنا أفكر بهذه الطريقة، وأتمنى أن تفكر أنت بذات الطريقة أيضًا.

حسنا، صديقي، هل سترسلها أم لا؟

جيل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى