سلام الكواكبيصفحات سورية

من تقصف روسيا في سوريا؟/ سلام كواكبي

 

أسقطت القوات التركية مقاتلة روسية كانت تقصف، إضافة إلى بعض الفصائل المعارضة، المدنيين وقوافل الإغاثة في شمال غرب سوريا حيث لا وجود لأيٍ من عناصر “الدولة الإسلامية”. وسعياً لتعزيز ما أشار إليه الكثير من المراقبين حول أهداف التدخل الروسي ودعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تحالف دولي حوله لمكافحة داعش، أكدت موسكو أن موضوعها الأول في سوريا ليس الهجوم على داعش، بل القضاء على كل ما عداها من قوات معارضة معتدلة وأقل اعتدالاً، لكي يبقى طرفان على الساحة السورية الاختيار بينهما لن يكون بالأمر الصعب: داعش أو النظام.

سيقف الغرب بمجمله صراحة، حين تحقق هذا الهدف، مع القيصر الروسي مباشرة وبشكل غير مباشر مع نظام دمشق. الهدف الروسي معلن، ولا يغيب إلا عن أصحاب النيات الضبابية أو السذّج من المراقبين ومن في حكمهم.

ويبدو أن ثمار الخطة الروسية قصيرة الأجل قد بدأت أخيراً تطفو إلى سطح مستنقع السياسات الدولية الراكد منذ خمس سنوات بانتظار غودو.

عديد من وزراء خارجية الغرب بدؤوا في وضع الماء في نبيذهم وتغيير مواقفهم التي كانت توصم بالمتشددة حيال أية فكرة للتعاون مع نظام دمشق في المعركة “الكونية” ضد داعش.

وأتت هجمات باريس الإرهابية يوم 13 تشرين الثاني / نوفمبر لتعزيز شعور الخوف ونشر ثقافة الرعب بين الرأي العام والخاص الأوروبيين عموماً والفرنسيين خصوصاً. فقفز أصحاب الرؤى المتطرفة من ذات اليمين ومن ذات اليسار لتلقي الفرصة الذهبية، وأطلقت روسيا وسوريا وإيران، عبر أزلام أمنيين أو موظفين إعلاميين، العنان لحملة علاقات عامة وتواصل ناجحة نسبياً. وعلى الرغم من لغة التشفي الإعلامية والرسمية السورية التي تلت الاعتداءات، إلا أن هذا في غالبه فات عن وعي بعض الساسة والمستكتبين الذين سرعان ما أخرجوا العبارة الممجوجة الدائمة: “ألم نقل لكم؟”

وصلت السذاجة السياسية مداها عندما ألمح بعض الدبلوماسيين الفرنسيين أنهم سيزودون الروس بقائمة مواقع المعارضة المعتدلة حتى تتوقف طائرات السوخوي عن استهدافها كما تفعل منذ اليوم الأول.

يبدو في هذا المشهد العبثي أن الحذاقة الروسية قد انطلت على البعض حين ادعوا بأنهم ضربوا هذه المواقع خطأً لأنه تم تزويدهم بخرائط غير دقيقة من قبل حلفائهم في دمشق. ولم يكن يتوقع الروس، في حال من الأحوال، أن تصل درجة الغباء السياسي بمحاوريهم إلى هذه النقطة من السقوط الحر ذهنياً واستراتيجياً.

تسقط الطائرة الروسية بعد يومين من إعلان روسيا وإيران عن دعوتهما الدول المختلفة إلى عدم التدخل بالشؤون الداخلية السورية. ويُشدّد الطرف التركي على أنه حذّر الطيارة الروسية وتواصل مع طاقمها، وبأن الطائرة قد اخترقت أجواءه. ويستبسل الطرف الروسي بنفي هذا الادعاء وتقديم مقابل له مطالباً باعتذار رسمي ومتوعداً بعقوبات الموسكوف.

بدأت لعبة شد الحبل الثخين بين موسكو وأنقره، مع معطيات متناقضة حول تبادلاتهما التجارية ومصالحهما المتضررة من برود العلاقات أو توترها. والأغلب أن القيصر الروسي لن يسكت عما شعر بأنه صفعة صارخة الألم وجهها له السلطان التركي. ولن يكون الانتقام سهلاً لعدة حسابات معقدة ومرتبطة بصلابة الموقف التركي وبدعم شكلي ولكنه ذو ثقل لحلف الأطلسي، إضافة إلى التضعضع الاقتصادي الذي تعيشه موسكو والذي تعرض لخضات كثيرة في الآونة الأخيرة منذ حرب القرم ومروراً بالتدخل في سوريا وانتهاءً بتجميد المبادلات أو تخفيضها مع تركيا، الزبون الرئيسي للغاز والنفط الروسيين.

الطرفان وأعيان إلى ضرورة عدم التصعيد الفعلي. وبالتوازي، سيتبحّران في التصعيد اللفظي الذي لا يضر ولا ينفع. وسيتدخل أصحاب “الحظوة” لديهما للضغط من أجل التهدئة. بالمقابل، يتابع القيصر الروسي صولاته وجولاته انتقاماً من السوريين، موقعاً في صبيحة الأمس، أكثر من أربعين شهيداً في أريحا في جبل الأربعين. يكاد لسان حال المجتمع الدولي يقول: إن كان الحل هو بموت المزيد من السوريين، فلم لا… مقابل أن لا تحتدم المواجهة بين الحلفاء والأصدقاء.

هنا صوتك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى