صفحات سورية

من دفتر الوطن.. من يعارض الفساد هو ضد سورية


صبري عيسى

الصفحة الأولى

هل أصبح قدر العربي في كل أقطاره أن يعيش حالة الإحباط واليأس طوال عمره، ويبقى محروماً من أبسط حقوقه في المواطنة والحرية والديمقراطية، ولماذا تستمر معاناته من أنظمة القمع التي تحكمه، وإذا حاول التعبير عن رأيه في ما يجري في بلاده يتم قمعه بقسوة من سلطات بلاده، وعندما اخترق الشباب العربي حاجز الخوف وقاموا بثوراتهم وغيروا الأنظمة الفاسدة والإستبدادية التي حكمتهم عشرات السنين، وقدموا من أجل ذلك مئات الشهداء ،كانوا يحلمون بمستقبل أفضل لبلادهم، إلا أن ماجرى في بلادهم بعد ذلك قتل أحلامهم وبقيت حالة الإحباط واليأس لديهم عندما سرق السلفيون والأصوليون ثوراتهم، وحولوا مساراتها إلى أنظمة منغلقة ومتعصبة أكثر تقييداً للحرية من سابقاتها ،وشنوا حرباً ضد الإبداع بكل أطيافه وأشكاله، كما يجري.في مصر الآن مع تصعيد حملة رجعية ضد حرية المرأة في بلد قاسم أمين رائد تحرير المرأة مع تكرار نفس السيناريو في تونس التي بدأت فيها انطلاقة التغيير اثر انتحار البوعزيزي احتجاجاً ضد نظام الحكم في بلاده، لتنتقل الشرارة إلى معظم البقاع العربية، وزادت خيبة الأمل بسبب ما يحدث في ليبيا من فوضى وانقسام، مما أعطى أنظمة القمع العربية ورقة ضغط وابتزاز في مواجهة مواطنيها الذين يتظاهرون طلباً للحرية والديمقراطية.

ماذا سيفعل المواطن العربي، وهل ُكتب عليه أن يختار بين السلفيين الذين يّدعون بأنهم يملكون (التفويض الإلهي) الذي يمنحهم حق التحكم في البلاد والعباد وبين القمع الذي تمارسه الأنظمة التي تدعي الديمقراطية، وهي تقوم بنهب ثروات بلادها وتجويع شعبها، وتفرض الحصار على الحياة نفسها.

لم يبقَ أمام المواطن العربي إلا الخضوع لسلطة (المطوعين الجدد) الذين سيعدون عليه أنفاسه ويراقبون حركاته وسكناته، ويقررون حسب ‘السلطة الإلهية’ التي منحوها لأنفسهم تحديد من سيذهب إلى الجنة أو إلى النار، والخيار الآخر أمام المواطن العربي هو الخضوع لسلطات القمع العربية وتقديم الولاء لها صباحاً ومساءاً كل يوم والدعاء لها بطول العمر.أو يلجا للخيار الأخيرالباقي أمامه، وهو أن يحمل كفنه بيديه ويمارس حريته المطلقة في أن يذهب إلى المقبرة راسماً على وجهه ابتسامة عريضة، رافعاً يده بشارة النصر (V) مردداً بصوت عال نشيد(موطني- موطني).

من أجل المستقبل ومن أجل حياة حرة كريمة، يجب أن لا تذهب دماء شهداء الحرية هدراً، ويجب استمرار الثورة لأنها الخيار الوحيد فقط ولا شئ غيره .

الصفحة الثانية

في بيان للقيادة القطرية لحزب البعث السوري في ذكرى 8 آذار ورد ما يلي : (إن ثورة الثامن من آذار شكلت نقلة نوعية في حياة سورية وشعبها وتمكنت من ترسيخ البناء الوطني الشامخ المستند إلى فكر الحزب وفلسفته الوطنية وتطلعاته الثورية المرتكزة أساساً إلى حاجات الشعب وطموحاته المستقبلية القائمة على بناء مؤسساتي متين يعتمد الديمقراطية الشعبية في اختيار النخب المعبرة عن القواعد الجماهيرية والممثلة لها )، ترى ما الذي تغير في الخطاب البعثي ؟ ألم نقرا مثل هذه العبارات طوال خمسة عقود حكم فيها البعث البلاد حكماً مطلقاً كقائد للدولة والمجتمع، وبالتالي هو المسؤول وحده عن كل ما يجري في البلاد الآن وأن سورية التي تمر بأخطر مرحلة في تاريخها يتعرض فيها الوطن والمواطن لكل أنواع الكوارث بسبب استفراد الحزب بالسلطة طوال نصف قرن، وهل كان اختيارهذه (النخب) وفق ضوابط ومقاييس ومعايير تستهدف الأكفأ والأفضل والأكثر نزاهة، أم تم اختيارهم بترشيحات من جهات أمنية وحزبية تشهد لهم بالفساد والانتهازية كمؤهلات لإختيارهم للمواقع التي شغلوها، وهل يكفي (إلغاء المادة الثامنة من الدستور) لتغيير الخطاب التنظيري المنمق الذي يخاطب الشعب من فوق بلسان (النخب) التي اختارتها (العناية الإلهية) لحكم البلاد والعباد.

الصفحة الثالثة

الآن لم يعد الحزب قائداً للدولة والمجتمع، وحسب الدستور، أصبح حزباً مثل غيره، وهذا يرتب عليه أوضاعاً جديدة لدوره في المرحلة القادمة، أولها إعادة المقرات التي يشغلها منذ نصف قرن والتي يصل عددها إلى المئات عل امتداد مساحة سورية، ومعظمها يقع في أغلى وأهم المناطق في دمشق والمحافظات، وعليه أن يتنازل عن أملاكه كلها بما فيها (الجبهة الوطنية التقدمية ) التي أصبحت مسؤولة مثله عن كل الأخطاء والخطايا والكوارث التي تمربها البلاد الان، كما أن عليه أن يعتمد في نفقاته في المرحلة القادمة على اشتراكات أعضائه ويعيد أرصدته المالية إلى خزينة الدولة مع أسطول السيارات الفارهة المخصصة لقياداته وأولادهم، وعليه أيضاً أن يتساوى مع غيره من الأحزاب ويتخلى عن الشقق الفاخرة الممنوحة لقياداته في أغلى مناطق العاصمة، ومفارز الحراسات المخصصة لها.

هناك واقع جديد يفترض إلغاء الصلاحيات التي كانت تعطي للقيادات الحزبية في اختيار قيادات المنظمات الشعبية لتفرض (نخبها) التي تدين لها بالولاء الشخصي خلافاً لرغبات قواعد هذه المنظمات (اتحاد الصحافيين اتحاد الكتاب نقابة الفنانين اتحاد الفنانين التشكيليين، وغيرها من المنظمات) مما أدى الى وصول قيادات فاسدة تسببت في إحداث قطيعة بين هذه القيادات وقواعدها، لذا يجب الدعوة الى انتخابات جديدة، حرة وديمقراطية، دون تدخل من أي جهة وصائية لفرض مرشحيها، وهذا يتطلب الاعتراف بهذه المنظمات كهيئات مستقلة تستمد شرعيتها من قواعدها الشعبية ومكوناتها الوطنية، ويكون ولاؤها للوطن فقط، وهذا يتطلب اعادة النظر بالقوانين الناظمة لعمل هذه المنظمات، والغاء تبعيتها للحزب الذي كان (قائداً للدولة والمجتمع)، وعندما يتحقق كل ذلك يمكن أن نصدق أنه تخلى عن ملكية البلاد والعباد ولم يعد قائداً لهم.

الصفحة الرابعة

مسألة التماهي بين سورية والنظام وكأنهما كيان واحد يثير إشكالاً كبيراً، وكل من يعارض النظام له أسبابه، فالذي يعارض الفساد يتم تصنيفه بأنه ضد سورية، ومن ينادي بالديمقراطية يتهم بنفس التهمة، وكل من يطالب بالتغيير والإصلاح يقال له أنت ضد سورية.

مهلاً يا سادة، فسورية وطن الجميع، وهي فوق الجميع، ولا يحق لأحد احتكارالوطن ومصادرته، ومن يطلق تهم التخوين وإلغاء الآخر ليس وطنياً، فالوطن يا سادة هو السيد، ولا سيد له، وعندما يقال أننا جميعاً تحت سقف الوطن، فهذا يعني أن الجميع وبلا إستثناء تحت هذا السقف، ومن يستحق المواطنة بامتياز هو الذي يعطي الوطن أكثر مما يأخذ منه، والذين يقتلون المواطنين ويسرقون الوطن،لا وطن لهم.

‘ صحافي سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى