صفحات العالم

من سوريا الى أوكرانيا: إلى أين تمضي روسيا؟

 

 

رأي القدس

انتشرت نكتة في سبعينات القرن الماضي تصوّر فهم السوريين المبسّط لعلاقة سوريا بروسيا. تحدثت النكتة عن معلم يسأل تلميذه ماذا يحب أن يصبح في المستقبل فيرد عليه: خبير روسي!

في ثمانينات القرن الماضي، بقدر ما كانت الحياة قاسية على السوريين، وحتى على الروس في روسيا، بقدر ما بدت حياة من سمّوا بالخبراء الروس رغيدة الى حدّ بدوا مثالاً يطمح السوريون للعيش مثله.

كانت الخبرة الروسية المستفادة لا تقتصر على الشؤون العسكرية، بل تضم أيضا إنشاء السدود، والكهرباء والسكك الحديدية والزراعة، وكانت العلاقة انتهازية بمجملها من جهة النظام السوري، الذي كان يتلقى القروض بالمليارات من الاتحاد السوفييتي السابق (الباحث عن حليف مطلّ على البحر المتوسط) ويتخلّف عن تسديدها، وكان ترف الخبراء الروس (كما سمّاهم السوريون) عملياً هو من أموال هذه القروض نفسها، وفي حين كان النظام في سوريا يأخذ الأدوية والحديد والآلات من روسيا بالدين، كان يدفع بالعملة الصعبة نقداً لشراء سيارات مرسيدس ورينج روفر لمسؤوليه.

استلم كل من فلاديمير بوتين وبشار الأسد الرئاسة في بلديهما في العام نفسه (2000)، لكن رغم العلاقات الوطيدة بين البلدين، فإن علاقات الاستتباع السوري لروسيا، بدأت تتكرّس مع بدء الثورة السورية ضد الأسد، التي اعتبرتها روسيا فرصة استراتيجية لها، فتصدّت لكلّ القرارات الدولية التي تستهدف النظام السوري ورئيسه، واستمرّت بتسليحه رغم قرارات الأمم المتحدة، وأدّت، عملياً، مع إيران وميليشياتها العراقية واللبنانية، إلى منع سقوط النظام، وإفشال كل المحاولات الدولية لتسوية سياسية للأزمة السورية يكون رحيل الأسد ضمن بنودها.

الأزمة الأوكرانية التي بدأت في شباط /فبراير 2014 جعلت بوتين أكثر فأكثر شبهاً بحليفه الأسد، والكثير من دروس الأزمة السورية تم تطبيقها بحذافيرها في أوكرانيا، مع فارق وحيد، وهو أن روسيا، في الحالة الأوكرانية، تموّل وتسلّح وتدعم المعادين للسلطة الأوكرانية التي قامت إثر انتفاضة شعبية ضد الرئيس الموالي لروسيا.

وفي دعمها للانفصاليين الأوكرانيين تستخدم روسيا كل قواها العسكرية والسياسية والمالية، على عكس ما حصل مع الثوار السوريين، الذين ابتلوا بالحليف الأمريكي الذي منع عنهم السلاح النوعيّ، وشتّت تجمّعاتهم، وسخر من تعبيراتهم السياسية وقدراتها العسكرية (كما فعل أوباما حين سخر من قدرة حكومة الإئتلاف المؤقتة لأن من يقودها طبيب أسنان متناسياً أن الأسد هو طبيب عيون!)، بل ومنع حلفاء المعارضة السورية الآخرين من تزويدها بالأسلحة، وهو ما أدى بالنتيجة الى ازدياد مناخ التعصّب والتطرّف ضمن المعارضين للأسد وتحوّل «داعش» من تنظيم صغير عام 2012 ولا تجد عناصره القليلة موطئ قدم له في الساحة السورية الى اللاعب الأكبر في المنطقة.

مقابل الإستراتيجية الهجومية الروسية تتلعثم القيادة الأمريكية ويتردد حلفاؤها الأوروبيون المشغولون بإحصاء خسائرهم المالية والاقتصادية من مقاطعة روسيا، والتي تواجه العقوبات الاقتصادية بعقوبات مضادة، وخصوصا فيما يخص الغذاء والزراعة باستبدالها بعقود مع دول الاتحاد السوفييتي السابق: طاجيكستان، قرغيزستان، أرمينيا، اذربيجان، أوزبكستان، وكذلك مع حليفتيها بيلاروسيا وكازاخستان، بل إن تركيا أيضا تسعى لاستغلال الفرصة المفتوحة ضمن السوق الروسي الواسع.

على الصعيد الأوكراني، انتقلت روسيا من الاحتلال المباشر والإلحاق لشبه جزيرة القرم، إلى الإستيلاء التدريجي على شرق أوكرانيا، في سعي حثيث الى تقسيمها وإلحاق قسمها الشرقيّ بروسيا تحت مسمى دولة جديدة، مع استمرار القضم لأجزاء أكبر فأكبر منها وصولاً ربما الى أوديسا على حدود مولدافيا كي تفتح منفذاً لها باتجاه أوروبا.

في تعليقه على ممارسات القوات الأوكرانية قال بوتين إن «محاصرة المدن وقصف الأحياء السكنية يذكرانني باستراتيجية المانيا الفاشية»، ولكن «محاصرة المدن وقصف الأحياء السكنية» لم تذكره بأفعال حليفه النظام السوري.

شبّه أوباما مرّة نفسه بلاعب كرة السلة مقابل بوتين لاعب الجيدو، ولكنّ العالم لا يرى غير ضربات بوتين القاسية ضد خصومه في سوريا وأوكرانيا، فيما تتحوّل كرات أوباما إلى ألعاب ناريّة تسلّي بوتين وتضحكه أكثر مما تخيفه، أما الردود الكبرى التي سيتلقاها بوتين فستأتي كردود أفعال على أعماله الفظة وبلطجته على حلفائه قبل أعدائه.

العقوبات الأمريكية والأوروبية ستفعل فعلها في جسد الاقتصاد الروسيّ بالتأكيد، لكن أثناء ذلك سيدفع الشعبان السوري والأوكراني أثماناً باهظة في انتظار كرة السلة الأوبامية.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى