صفحات سورية

من غير نظام بشار يملك هذه المتفجرات!!


محمد رشيد

كان واضحاً من سياق أحداث الثورة السورية المتصاعدة منذ ستة عشر شهراً أن نظام بشار الأسد سوف يحاول في لحظة معينة تلبس دور الضحية، وذلك الدور يتطلب اختراع الجلاد، ودون أية أوهام لم تكن هناك إلا وسيلة واحدة وهي “الإرهاب”، فالنظام الأكثر حماية ودعماً للإرهاب الذي ضرب العراق ولبنان لسنوات طويلة يجد نفسه اليوم مضطراً للعويل والصراخ ليل نهار أنه بات ضحية لآلة قتل إرهابية.

نظام بشار لا يخيّب الظن أبداً حتى إن أراد غير ذلك، وغباؤه مكشوف للمواطن السوري أكثر من الانكشاف للعالم الخارجي، فالنظر إلى مسلسل التفجيرات وتوزعها الجغرافي والتوقيتات التنفيذية، كلها دلائل تشي بمسؤولية النظام نفسه حصرياً عن مسلسل القتل هذا، وهو توأم للشق الآخر من المسلسل الذي يستخدم فيه النظام كل آلته القاتلة لكبح جماح ثورة شعبية عظيمة انطلقت لتنتصر، وليس لها إلا طريق النصر.

طبيعة ضحايا تلك التفجيرات الدامية دليل آخر على ضلوع النظام في هذه الجريمة، فلم تستهدف أياً من هذه التفجيرات حتى الآن رأساً من رؤوس النظام، خاصة من الرموز الأمنية والعسكرية، وتنظيم إرهابي بتلك القدرات على تدبير هذا الكمّ الهائل من المواد المتفجرة في كل مرة، ورصد المكان والزمان، وامتلاك وسائل الانطلاق والمراقبة والضرب ومن ثم التخفي، يعني حكماً أن هذا التنظيم الإرهابي “المزعوم” يستطيع أن يضرب أي هدف في سوريا، فلماذا لا يقترب من أهداف من صلب النظام وهي في متناوله.

قبل أشهر من الآن، وفي ذروة إحساس النظام بقدرته وبطشه، وفي عز التوهان العربي والدولي بما جسّد من انقسام حول الثورة والنظام، حدث أول انفجار في دمشق، وكتبت يومها أن “النظام يفجّر دمشق”، ومسار تطور الأوضاع أظهر بوضوح أن بشار الاسد وأسرته ماضون في هذا الطريق، وليست هناك خلية واحدة في عقولهم تنبئ بإمكانية التوافق على مخرج تفاوضي يؤمن للشعب السوري الحرية والكرامة.

هذه التفجيرات الإجرامية المتكررة منذ التفجير الأول في العاصمة دمشق حتى التفجير الأخير في دير الزور إذا ما أخضعت لتحليل موضوعي محايد سوف تشكل وثيقة إدانة للنظام نفسه، وهي في الوقت ذاته دلالة عميقة على سلمية الثورة السورية في بدايتها، ودفاعيتها البحتة بعد نشوء وانطلاق الجيش السوري الحر، بل إن النظام نفسه عاجز عن اتهام الثورة والجيش الحر بمسؤولية هذه التفجيرات، والنظام نفسه يدعي أنها من أعمال حليفه القديم “تنظيم القاعدة”.

طبيعة التفجيرات تشبه أنشطة القاعدة في أشياء وتختلف عنها في اشياء اخرى، فمثلاً معظم عمليات القاعدة تعتمد على “انتحاري” او اكثر في العملية الواحدة، وتنظيم القاعدة يتعمد ذلك لإثبات صلته المباشرة من جهة، ولإثبات إيمان افراده برسالتهم من جهة اخرى، كما ان القاعدة وكل تفرعاتها تعتمد سياسية اقتصادية في استخدام اقل قدر ممكن من الموارد العسكرية والمتفجرات حتى في دول هشة امنياً، في حين نحن نرى استخدام كم هائل في تفجيرات سوريا! فهل “القاعدة” تملك إمداداً مفتوحاً في ظل هذه القبضة الأمنية العنيفة، أم أن ما نراه هو من مستودعات النظام نفسه؟

كلا الفرضيتين لا تخدمان نظام بشار الأسد، وكلا الفرضيتين تؤكد على نحو واضح أن هذا نظام فاشل، وأن بشار الاسد رئيس فاشل، فإن كانت التفجيرات من فعل “القاعدة” وتفرعاتها فذلك يعني ان النظام مشغول في قتل شعبه الى حد فرّط فيه بالأمن القومي السوري بحكم أولوية الحفاظ على سلطته ازاء ثورة شعبه.

أما الفرضية الثانية، وهي الأرجح من وجهة نظر الكثير من السوريين، أن النظام نفسه يقوم بهذه التفجيرات الدامية، لإرهاب الشعب وتغير دفة الاحداث وتضليل المجتمع الدولي، وفي هذه الفرضية يكون النظام نظاماً إرهابياً بامتياز، وتكون هذه الجرائم جرائم ضد الانسانية بامتياز، وذلك اكثر من كافٍ لتجريم النظام برمته.

الفرضية الثالثة التي يحاول البعض تسويقها بوجود “طرف ثالث” مستقل متورط في التفجيرات، فرضية ضعيفة للغاية، فليس في فلسفة ونهج اصدقاء الثورة السورية من العرب وغير العرب هذا النوع من النشاط، والأصعب من ذلك محاولة تسويق ان تنظيم “القاعدة” هو الطرف الثالث، فلم يحدث في السنوات الاخيرة ما يؤدي الى فك الارتباط بين النظام السوري وتنظيم “القاعدة” بعد ثبوت شراكتهم في عصر الدماء العراقية.

هناك مخرج واحد لنظام بشار الاسد من اجل إثبات مصداقية ما بوجود “طرف ثالث” يعمل ويتحرك ويفجر بعيداً عن سيطرة النظام، وذلك بوضع كل المعلومات والتقارير والافراد المتهمين بتصرف الامم المتحدة لتحقق معهم باستقلالية ونزاهة، لكن بشار وأسرته يعلمون ان في ذلك موتهم القانوني بعد كل ما يعانونه من أعراض الموت السياسي والاخلاقي، ومحاولة تثليث الصراع للهروب من ثنائية الصراع بين النظام والشعب سوف يعمق أزمة النظام ويدفعه الى نقطة أقرب من حافة الهاوية.

العربية نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى