صفحات العالم

من قلب الأزمة السورية

 


أسامة الرنتيسي

معلومتان مؤكدتان تكشفان عمق ما يجري في الجارة الشمالية، بعد أن امتد الغضب الشعبي إلى معظم المناطق، وبات منظر الدبابات في شوارع حمص وبانياس ودرعا وريف دمشق وقراها مألوفا في وسائل الإعلام التي تستطيع بالكاد الحصول على صور عبر الهواتف المحمولة.

المعلومة الأولى تفيد بأن القيادة السورية طلبت من قادة حماس والجهاد الإسلامي ترتيب مغادرة أراضيها بالسرعة الممكنة. وبالفعل بدأت القيادات ترتيب المغادرة، حيث وصلت عائلات بعض القيادات إلى لبنان والسودان كنقطتين أوليين لترتيب شؤون الإقامة الدائمة، بعد أن أبلغت قطر قادة حماس أنها ترحب بهم بشكل مؤقت وليس إقامة دائمة، ولم تردّ مصر حتى الآن بشكل نهائي على طلب الحركتين بإمكانية استضافتهما في رفح والعريش، وبالتالي لم يبق أمامهما سوى موافقة سودانية.

المعلومة الثانية: تسربت معلومات عن اجتماع عقدته القيادة الأمنية المصغرة التي تدير الأزمة السورية مع أعضاء في القيادة القومية، بحضور قائد قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة ماهر الأسد ومدير الاستخبارات آصف شوكت ومدير المخابرات العامة علي مملوك، حيث خلص الاجتماع إلى أن الخطة التي تتبعها القيادة السورية تعتمد على حلين: أولهما الحل الأمني، وفرض القبضة الأمنية المشددة على كل الفعاليات الشعبية، وقد أشار عدد من المجتمعين إلى أن هذا سيطيل عمر الأزمة ويعمقها، بخاصة أن عدد القتلى وصل إلى 708 أشخاص بحسب حصيلة نشرتها “لجنة شهداء ثورة 15 آذار (مارس)”، وأن الدم يجرّ دماً. والحل الثاني أن تقدم القيادة السورية جملة إصلاحات سياسية تؤكد أن القرارات لم تفرضها الثورة الشعبية، وأنها نابعة من فهم النظام لضرورات المرحلة التي تمرّ بها المنطقة.

ما يحدث في سورية يؤكد فشل الحل الأمني، وبات البحث عن حلول سياسية أنفع للقيادة السورية والمعارضة معاً، لهذا لابد من البحث عن مخارج مرضية للخصوم. ورغم كل ما حدث ويحدث ما يزال لهذه المخارج مساحة في المعادلة السورية، انطلاقاً من حل يبدأ بوقف إطلاق النار على المتظاهرين، والسماح بالتظاهر السلمي، والإفراج عن المعتقلين الذين وصل عددهم إلى الآلاف، وكفّ يد الأمن، ومحاسبة المتسببين بنزف الدماء، وإعلان الحوار الوطني، والسماح بالتعددية الحزبية، وتنظيم انتخابات حرة وديمقراطية بعد ستة أشهر، وذلك لإنهاء الأزمة في سورية، لأن قوة الاحتجاجات أقل بكثير من أن تتمكن من إسقاط نظام قائم منذ نحو نصف قرن.

على القيادة السورية أن تعي أنّ الحل السياسي هو الذي يجب أن يكون، وأن البلاد ذاهبة إلى المجهول، رغم أن شعلة الثورة في سورية بدأت تخبو، حسب ما ينقل مشاركون في الاحتجاجات السورية، وأن موجة الاحتجاجات لم ترقَ إلى مستوى الثورة الشعبية، نظراً لضعف الضغط العالمي الممارس على رؤوس النظام مثل ما حدث في مصر وغيرها، ولعدم وجود إجماع على طريقة التغيير، حيث إن الشعارات التي ظهرت بعد شعارات “الشعب يريد إصلاح النظام”، وتدعو إلى إسقاط النظام، جعلت بعض المشاركين يتراجعون لأنهم كانوا يرغبون بالإصلاح وليس بالإسقاط.

بعد الزخم الذي أطاح بنظامي تونس ومصر تعثرت ثورات الشعوب في ليبيا واليمن وسورية، وليس هناك من مجال للشك أنه بعد مصر وتونس كان هناك شعور بأن هذا الزخم الشعبي سيطيح بكل شيء على طريقة تسونامي، إلا أن الأنظمة العربية التي نجت من موجة المد الأولى لا تنوي الاستسلام، رغم أن الاحتجاجات ستتواصل، لأن من يصنع نصف ثورة هو كمن يحفر قبره بيده، فإذا توقف عن التظاهر أعطى الفرصة للنظام لزيادة القمع.

لم تعد تنطلي على أحد مقولة النظام السوري بأن مؤامرة خارجية وراء ما يحدث، لذلك فإن أي نظام لم يسع إلى إصلاح ذاته، مع عصف التغييرات التي شهدها العالم كله حين كان الإصلاح طبيعياً وسهلاً، لا يمكن أن يصلح ذاته بعد أن أصبح التغيير صعباً، وأصبحت له مصالح وامتيازات، وبعد أن نمت وتقوّت في صفوفه قوى ضغط ومراكز نفوذ قوية التأثير.

الغد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى