صفحات العالم

من للمستضعفين في سورية… العرب أم الصليبيون؟


خضير بوقايلة

إخواننا العرب لا يريدون تدخلا أجنبيا في شؤونهم الداخلية ولو تعلق الأمر بإنقاذ النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، فالأجانب أو الغرب بصفة خاصة يبقى عدوا أزليا، فإذا تحرك إزاء أي بلد عربي دبلوماسيا أو سياسيا كان ذلك محاولة منه للتدخل غير الشرعي في شؤون دولة مستقلة وإذا بادر إلى عمل عسكري فإنه يصنف تلقائيا ضمن قائمة الحملات الصليبية الحاقدة علينا، وفي كلتا الحالتين فإن الغرب لا يتحرك أبدا حبا فينا بل فقط خدمة لمصالحه الحيوية. هكذا كان الحال في العراق وهو الآن في ليبيا وغدا ربما في بلاد أخرى.

الأنظمة العربية الفاسدة اجتهدت كثيرا من أجل تقبيح فكرة التدخل الغربي عند الرأي العام العربي، وقد نجحت في ذلك واطمأنت إلى أنه صار بإمكانها الآن العبث كما شاءت بشعوبها دون خوف من أن تتوجه هذه الشعوب إلى طلب النجدة والمساعدة من الخارج، فذلك جرم عظيم وخيانة ما بعدها من خيانة.

صدام حسين عاث في شعبه فسادا وطغيانا ولم تفلح كل المحاولات الداخلية في تغيير شيء من ذلك الوضع الصعب لعقود طويلة، وعندما تدخل الغرب للإطاحة به هب العرب يصرخون وينددون بالتدخل الأجنبي والحملة الصليبية الحاقدة ضد عراق العزة والشهامة.

نفس الشيء تقريبا نشاهده ونسمعه الآن إزاء الوضع في ليبيا والعمليات العسكرية التي يشنها حلف الناتو ضد طاغية نجح بامتياز في وضع شعب ليبيا تحت نعله وأبقاه في ظلمات الجاهلية الأولى، ولم ينفع أن بادرت بعض الدول العربية إلى التنديد بالإبادة التي شرع فيها القذافي ضد المدنيين العزل في ليبيا لمجرد أنهم خرجوا في مظاهرات سلمية يطالبون فيها بشيء من الحرية والكرامة، بل تحولت قطر والإمارات مثلا في نظر جزء هام من الرأي العام العربي إلى بلدين عميلين لحلف الناتو وجميع قوى الشر والإمبريالية العالمية لا لشيء إلا لأنهما تحركا جديا ضد سفاح طرابلس وانخرطا في مساعي دعم ومساندة المستضعفين في ليبيا.

شعب سورية الآن يتعرض لأشنع عملية إبادة جماعية من طرف نظام فرض نفسه حاكما أبديا في البلد، ولأن تهمة الخيانة والعمالة صارت جاهزة فإن جميع الأصوات أحجمت عن الاستنجاد بالخارج لوقف بحار الدم التي يريقها الجيش العربي السوري في بلد الممانعة والمقاومة، إنها ليست دماء العدو ولا دماء المحتلين أو العملاء، بل دماء نساء وأطفال وشيوخ وشباب أغلبهم لم يكن يعرف في حياته شيئا آخر غير بلده بل ربما قريته التي ولد واستشهد فيها. حتى دول مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية التي خرجت عن المألوف قبل أشهر عندما قادت قاطرة المواجهة الحازمة ضد نظام عميد الحكام العرب وملك ملوك وسلطان سلاطين إفريقيا صارت تستحيي الآن من الجهر بكلمة الحق ضد مجرمي الحرب في دمشق، لعله الخوف من تهمة التخوين أو ربما الخوف من تكرار مبادرة لم تؤت أكلها في حينها، وفي كلتا الحالتين فإن ذلك سيبقى وصمة عار سيخلدها التاريخ مثلما سيخلد أصحاب المواقف المشرفة. الأنظمة الظالمة مهما طال بها الزمن ستزول والشعوب ستتحرر لا محالة اليوم أو غدا وتبقى الأعمال والمواقف مسجلة بتفصيل ودقة.

من حق الشعوب العربية أن ترفض التدخل الأجنبي وتبغض كل محاولات الاحتلال الصليبي الظالم الذي لا يرى في الرقعة العربية إلا آبار النفط ومكبًّا لسلعها ومحرِّكا لاقتصادها، لكن هل يسمح لنا هذا بالمقابل أن نبقى نتفرج حول موائد الإفطار الشهية على فيديوهات شباب الثورة السورية ونتحسر على ما يجري أو في أقصى الأحوال نذرف الدموع ونرفع أيدينا في صلاة التراويح من أجل أن يمحق الله الظالمين وينصر إخواننا المستضعفين هنا أو هناك؟

القذافي قال يوما إن ما يفعله اليوم هو ما كان يفعله في السابق فقط هذه المرة هناك كاميرات التلفزيون والهواتف الجوالة ترصد وتبث ذلك إلى العالم، نفس الكلام ينطبق على مجازر حماة اليوم وفظائع حافظ ورفعت الأسد قبل تسع وعشرين سنة في نفس المدينة، لكن هناك فعلا فرق بين الحقبتين؟ الجرائم في السابق كانت ترتكب في جنح التعتيم بينما تكشفها الآن الكاميرات التي اخترعتها لنا القوى الصليبية الاستعمارية، لكن هل أضرت تلك الفيديوهات نظام الأسد الابن وهل انتصرت تلك الصور الفظيعة لشعب سورية؟

لحد الآن الشعب السوري يتعرض لعملية إبادة جماعية وسط الصمت الجبان للدول والشعوب العربية، تماما مثلما كان الأمر خلال سنوات حكم البعث النارية الأولى أيام الرئيس الخالد.

الناتو يخوض حرب استنزاف في ليبيا ستنتهي لا محالة بسقوط طاغية طرابلس وكثير من الشعب العربي غير راض على هذا التدخل الصليبي في بلد عربي مسلم، لسنا الآن بصدد الجدل حول هذه المسألة، لكن الشعب السوري يباد بطريقة بشعة من طرف جيشه الباسل والناتو لم يتحرك بعد مثلما أن مجلس الأمن والقوى الصليبية الحاقدة لا تزال تتحدث من وراء حجاب، فماذا يفعل العرب؟ هل نحن راضون بما يجري في سورية وحتى في اليمن؟ هل ما يفعله النظام هو عين الصواب وعلى الذين ثاروا أن يتحملوا وحدهم وزر ما فعلوا، أم أن هناك شيئا يتعين على الرأي العام العربي أن يفعله لوقف المزيد من إراقة الدماء البريئة وأيضا لتجنب أي تدخل محتمل لقوى الاحتلال الصليبي؟

لا نطلب اليوم من الشعوب العربية أن تنتفض ضد حكامها حتى تكتمل مسيرة الربيع العربي الديمقراطي، بل فقط ندعو هذه الشعوب إلى الخروج إلى الشوارع للتنديد بهول ما يتعرض له إخوانهم في حماة ودير الزور وحمص، تلكم هي أولى خطوات الضغط على نظام الممانعة والمقاومة ليعلم أنه لم يعد هناك مجال للضحك على الرأي العام العربي ولينتبه إلى أن للمستضعفين من النساء والولدان أنصارا من إخوانهم وأبناء جلدتهم، وهذا من شأنه أن يجبر الطاغية على التراجع أو على الأقل أن يعلم أن ما يرتكبه من منكرات من أجل الاستمرار في الحكم لم يعد عملا مستساغا في أوساط الشعوب العربية، كما أن الشعب السوري الثائر سيزداد إيمانا وعزيمة من أنه يناضل من أجل قضية عادلة ومشروعة ستقوده حتما إلى نصر عظيم. على شعبي تونس ومصر أن يبادرا إلى تحريك شعلة التضامن الشعبي مع إخوانهم السوريين واليمنيين والليبيين أيضا في انتظار أن تلتحق بالركب باقي الشعوب التي لا تزال ترزح تحت هيمنة الحكام الفاسدين، وإذا لم يتحقق ذلك فلا لوم للسوريين عندما تتقطع بهم السبل أن يمدوا أيديهم إلى الغزاة والمحتلين والحاقدين لنصرتهم.

‘ كاتب وصحافي جزائري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى