صفحات العالم

من هم أصدقاء النظام في دمشق؟!


عريب الرنتاوي

تحدثنا بالأمس عن خصوم النظام السوري وأجنداتهم الثلاث المصطرعة في سوريا وعليها…اليوم سنتحدث عن “أصدقاء النظام السوري”…من هم، وما هي دوافعهم، وكيف يمكن لهم أن يتصرفوا عندما تحين لحظة الحقيقة والاستحقاق، فالصورة لا تكتمل، من دون “تشريح” مكونات هذا المعسكر، والتعرف على مواقع أطرافه ومواقفهم.

ونبدأ بأصدقاء النظام على الساحة الدولية، هم بالأساس روسيا والصين، وريثتا أكبر امبراطورتين شيوعيتين، اللتان تلتقي دوافعهما وتفترق، فالأولى دولة “نصف ديمقراطية” والثانية ما زالت تعيش في الحقبة “التوتاليتارية” و”نظام الحزب الواحد”…سوريا بالنسبة لهما سوق وخط دفاع أخير…سوق للسلاح والسلع الرديئة والمواد الخام…وخط دفاع أخير أمام “الموجة الديمقراطية الخامسة” التي يتعين أن تكون صينية بامتياز…لهاتين الدولتين سجل قياسي في التخلي عن الأصدقاء، وهما تبحثان عن “الثمن” الذي يمكن تقاضيه نظير تفريطهما برأس النظام في دمشق، تماماً مثلما فعلتا في ليبيا والعراق من قبل…لكل منهما مشكلة تخشى أن تنفجر في وجهها ذات يوم، بعد أن تكون قد سجلت على نفسها “سابقة” دعم إسقاط نظام على مذبح الديمقراطية وحقوق الإنسان: الشيشان في الحالة الروسية والتيبت البوذية وإلإيجور المسلمة في الحالة الصينية.

ونمر بأصدقاء سوريا على الساحة الإقليمية، إيران على وجه الحصر…هذه الدولة وإن كانت تتصرف بوحي من دروس نظرية “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، وتتعامل مع سوريا كنقطة ارتكاز وانطلاق – Hub – لنفوذها في المشرق العربي وعلى جبهة الصراع العربي الإسرائيلي ومياه البحر المتوسط الدافئة…إلا أنها انتقلت من مرحلة الدعم اللامشروط للنظام إلى مرحلة مطالبته بإجراء الإصلاح ووقف العنف و”المجازر” وفقاً لأحمدي نجاد…ووفقاً لأحسن معلوماتنا، فإنها تتحضر للتعامل مع مرحلة ما بعد الأسد…وفي قنوات الحوار الخلفية مع أطراف إقليمية ودولية، تتحدث إيران عن حاجتها لنظام غير معادٍ لها في سوريا، ولم تعد تشترط وجود نظام صديق يحل محل النظام الحليف…والمعلومات أيضاً تتحدث عن قنوات اتصال مفتوحة عبر وسطاء، بين أطراف من المعارضة السورية وطهران، ودائماً بوحي النظرية الأهم في العلوم السياسية: “مصالح ثابتة لا صداقات ثابتة”.

عربياً.. ما عاد للنظام من حلفاء سوى الرئيس اليمني “المحروق” علي عبدالله صالح، ونصف العراق ونصف لبنان….حتى السودان الذي ارتبط بعلاقات طيبة مع دمشق، تاريخياً أدار لها ظهر المجنّ مؤخراً…والجزائر التي طالما “انتفضت” ضد تدخل الجامعة في الشؤون الداخلية العربية، خشية أن يأتيها الدور، عادت للانتظام مجدداً تحت رايات “الإجماع العربي”…لم يبق أحدٌ مع النظام، طائعاً أم خائفاً…مخلصاً أو معبراً عن انتهازية خالصة.

ونعرج على “حلف الأقليات” الذي يخشى لأسباب مُحقة أو مبالغ فيها، انهيار النظام ومجيء تيارات إسلامية متشددة للحكم في دمشق…أبرز تجسيد لهذا الحلف، مسيحيو سوريا ولبنان، الذين أظهرت غالبيتهم العظمى، قلقاً متعاظماً من مواجهة مصير مماثل لمصائر مسيحي العراق… لا سيما وأن القوى التي نكّلت بإخوانهم العراقيين، لها ما يماثلها ومن يمثلها على الساحة “الجهادية” السورية…البطريرك الراعي والعماد ميشيل عون، ربما كانا أبرز ناطقين، دينيا وسياسيا، باسم هذا التيار.

من دون أن ننسى “الشيعية السياسية” الممتدة من حكومة المالكي إلى ضاحية بيروت الجنوبية…هذا المحور سيفقد بسقوط النظام تواصله الجغرافي وأحد شرايين حياته، وأهم مصدر من مصادر قوته ونفوذه، لذا نراه “مستميتاً” في الدفاع النظام غير آبه بعوقب وتداعيات موقفه هذا على تحالفاته المحلية والدولية (المالكي نموذجاً).

وننتهي إلى مروحة واسعة من المجموعات والفصائل و”الشخصيات” على الساحة المحلية…هؤلاء بعضهم مرتبط عضوياً بالنظام السوري، وقف إلى جانبه زمن التدخل العسكري في لبنان، وفي الحرب على حماة، وإبّان الانشقاق على منظمة التحرير وزمن حفر الباطن، وما سبق ذلك وما تلاه…هؤلاء لم يسجلوا في تاريخهم مأخذاً واحداً على النظام، وهم الذين ما انفكّوا يوزعون الاتهامات بالخيانة والعمالة على الجميع حكومات وأفرادا وفصائل وأحزابا، شرقاً وغرباً…هؤلاء ليسوا سوى فصيلة استخبارية متقدمة للنظام، متدثرة بلبوس إيديولوجي متهافت.

أما بعضهم الآخر، فما زال يرسف في أغلال نظريات ومفاهيم بالية، ليس أقلها سوءاً، نظرية “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” في طبعتها الحديثة: “لا صوت يعلو فوق صوت الممانعة”…هؤلاء وإن كانوا “الفئة الأقل تأثيراً” في معسكر أصدقاء النظام، إلا أنهم الأعلى صوتاً والأكثر ضجيجاً.

ينضاف إلى كل هؤلاء، تيار محافظ، يخشى الإصلاح في كل مكان، ويفضل بقاء القديم على قدمه من منطلقات فئوية ضيقة…هم يخشون إخوان الأردن لأسباب ديموغرافية أساساً…لذا تراهم يفضلون الأمر الواقع في سوريا على التغيير المعزز لنفوذ “إخوانها”، واستتباعاً، إخوان الأردن…هم يخشون التقارب مع حماس بعد أن أشبعونا مطالبات بضرورة التحالف مع “تيار المقاومة” على حساب “تيار التوطين والتسوية”…والسبب دائماً “خرم إبرة” الديموغرافيا الذي لا يرون السماء إلا من خلاله.

بوجود مثل هؤلاء الأصدقاء، ما حاجة سوريا للأعداء…بوجود مثل هؤلاء الأصدقاء، تبدو المعركة الدائرة في سوريا وحولها، محسومة النتائج سلفاً…ليبقى السؤال متى وكيف وبأي ثمن ستضع الثورة السورية أوزارها؟!.

الدستور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى