صفحات العالم

من هم الساعون لاختطاف انتفاضة شعب سوريا؟!


عريب الرنتاوي

 ثمة من يسعى لاختطاف انتفاضة الحرية والكرامة في سوريا…صرفها عن أهدافها وتجييرها خدمة لأجندات مشبوهة، لا تخفى مراميها واستهدافاتها وقواها المحركة على أحد: القوى الظلامية، من «سلفية جهادية وغير جهادية»، مندرجة في سياقات «الثورة المضادة» في العالم العربي من جهة..ودوائر «الليكود» و»اليمين المتطرف» و»المحافظين الجدد»، التي وجدت من جهة ثانية، في انتفاضة شعب سوريا الإصلاحية، مناسبة لمواصلة ما بدأه «بريمر» في العراق، واستئناف ما انقطع بعد فشل مغامرة الحرب العراق وسقوط بغداد….وكلتا الجهتين تجدنا في صفوف السوريين، ما سبق لهما أن وجدتاه في صفوف العراقيين: أبو مصعب الزرقاوي وأحمد الجلبي ومن دار في فلكيهما.

وأحسب، أن الانتفاضة السورية ستظل في خطر ماحق، ما لم تنجح قوى المعارضة الوطنية والتقدمية السورية، في شق طريقها الخاص والمستقل عن هاتين الأجندتين…ما لم تحتفظ هذه المعارضة لنفسها بمسافة واضحة عن هذه القوى واحلامها السوداء…وهذا لن يتأتي بقول: «ما لنا ولهم»، بل بالتصدي الشجاع والحازم، لهذه القوى وفضح مرامي مخططاتها المشبوهة وإحباط محاولاتها المحمومة، لتدمير سوريا وتمزيقها، وإحالتها إلى «مُزَقٍ» و»نُتَف» من الكيانات الطائفية والمذهبية المصطرعة، التي لا وظيفة لها سوى إنتاج ما يكفي من مبررات لقيام إسرائيل ككيان ديني عنصري، وتسويق شعارها أو «شرط وجودها» القديم الجديد: «دولة جميع أبنائها اليهود».

السلفيون، رسل الثورة المضادة، المدججون بإيديولوجيا الكراهية لـ»الآخر»، أي «آخر»، حتى الآخر في «المذهب» وليس في الطائفة أو الدين أو الجنس واللون فحسب… المتخمون بأكداس «البترودولار» والدعم «اللوجستي» الأمني، المعلوماتي، الاتصالاتي (وغيره) المتدفق بغزارة من عواصم الثورة المضادة…هؤلاء امتشقوا السلاح في أطراف البلاد وعلى تخومها، واتخذوا من «حواف المدن» وأحيائها «المُهمّشة» و»المُفقرة» قواعد انطلاق لهم…هؤلاء هدفهم «الإمارات السورية غير المتحدة»… إنهم يسعون لنزع «الشرعية» عن النظام، لفرض «شريعتهم»…إنهم والإصلاح نقيضان لا يلتقيان حتى تقوم الساعة وينتصب الميزان….هؤلاء يجدون من بين المعارضة السورية، من يتساوق مع مساعيهم بحجة «وحدة الهدف»، و»إسقاط النظام أولاً»…هؤلاء يجدون من يتستر على ممارساتهم، حيناً من خلال التقليل من وزنهم وشأنهم ودورهم، وأحياناً باللجوء إلى إنكار وجودهم، واتهام كل من يشير لهم، بالتواطؤ مع النظام…هؤلاء خطر على سوريا، نظاماً ومعارضة، شعباً ودولةً ومجتمعا، حاضراً ومستقبلاً، فالحذر الحذر.

المحافظون الجدد، ليكود كل العواصم والمدن الغربية، الذين اتخذوا من «السان جيرمان» الباريسية محطة لهم… جيل هيرتسوغ، برنارد هنري ليفي، أندريه غلوكسمان، برنارد كوشنير، جان بيركين، أكسيل بونياتوفسكي، لوران فابيوس، وآخرون كثر، ممن التأم شملهم في «مؤتمر تضامني» للمعارضة السورية في باريس، حيث فتح البازار، من مطالب بتشديد الحصار وتجفيف المنابع، إلى داع لإعادة إنتاج حرب جورج بوش وتوني بلير على العراق، إلى مناد بإنهاء المعركة مع القذافي للتفرغ لمقارعة الأسد، إلى غير ما هناك من مواقف حاولت التوفيق بين مساعي الانتفاضة السورية والأهداف النبيلة «للحركة الصهيونية التي ليس فيها ما يدعو للخجل، بل للفخر والاعتزاز»…هؤلاء أيضا يجدون من يتحالف معهم، ومن يتآلف مع طروحاتهم…من بينهم ستتشكل «لجنة اجتثاث البعث في سوريا»…من بينهم سيظهر «لصوص المصارف» كما ظهر أحمد الجلبي على ظهر الدبابة الأمريكية، معارضاً ليبرالياً قوياً، قبل أن «يُيمم وجهه شطر قم ومشهد»، ويتدثر بعباءة الملالي الفضفاضة التي تتسع حتى لعملاء أمريكا.

والشاهد في تجربة «السان جيرمان»، أن للإخوان المسلمين – كما الملالي – عباءة فضفاضة واسعة أيضاً، تتسع بدورها لبرنارد هنري ليفي وجيل هيرتسوغ، وكل من هم يعدون «جلبي سوريا»، أو يعيدون إنتاج سيرة «جلبي العراق»، هذه العباءة اتسعت لعبدالحليم خدام ذات يوم، وهي تتسع لرسله وصبيانه هذه الأيام…هذه العباءة تدثّر بها ملهم الدروبي ممثل الجماعة السورية، إلى المؤتمر الذي قال فيه معارضون أشراف (هيثم المالح) ما لم يقله مالك في الخمر، ودفع شبان معارضين أنقياء للانتفاض من داخل قاعة «السان جيرمان» ليصيحوا بأعلى أصواتهم «لم نر معارضين سوريين، لم نر إلا صهاينة»، قبل أن يُلقى بهم خارج القاعة، إلى قارعة الطريق.

هذه «المعارضة»، المتساوقة مع هذه الدوائر «البائدة»…خطر على سوريا، الوطن والتاريخ، الشعب والذاكرة، الموقع والدور والمكانة…هي ليست معارضة، هي مشروع مؤامرة، هدفها إخراج سوريا من التاريخ والجغرافيا، وتقطيع طرقها المفتوحة على المستقبل.

بين هذه وتلك، لا مكان «للمساومة» والمواقف الرمادية…بين هذه وتلك، لا «مطرح» لـ»الرقص على الحبال» و»اللعب بكل الأوراق»…بين هذه وتلك، ثمة معارضة سورية وطنية ديمقراطية تقدمية ومستقلة، تأبى أن تكون ذراعاً للثورة المضادة وعواصمها إياها، أو للمحافظين الجدد و»شرقهم الأوسط الجديد»…أخيراً، على هذه وتلك، سوف تنتصر سوريا، بإرادة وسواعد شبّانها وشاباتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى