صفحات الناسماهر الجنيدي

من هو الأرمني؟

ماهر الجنيدي

هل الأرمن أقليّة في حلب؟ يفاجئك السؤال حين تكتشف أنه لم يخطر في بالك يوماً أنّ للأرمني معنى سوى النسمة. في الجامعة، بمجرّد أن تسمع كلمة “أرمني” يطلّ عليك بعينيه العسليّتين، مبتسماً على درج الكليّة، حييّاً، مانحاً روحك جرعةً من الودّ والغاردينيا، ليستأذنك في استعارة نصّ المحاضرة التي حضرتَها للتوّ. في الحياة، الأرمني هو الثقة: عند باب ورشته، يتسلم سيارتك، أو ثلاّجتك، أو ساعة يدك، لكي يسلمك إياها بعد يومين أفضل مما كانت عليه في الأصل. هو الشفاء: تخرج من عيادته مطمئناً إلى أن الله الشافي وجد سبيلاً إليك. هو الأمان: تنكشف المرأة أمام عدسته لالتقاط صورة غنوج، تعلم أنها لن تصل إلى غير يديها. هو الضيافة. تمضي إلى حانته ليلاً، فلا تخرج إلا سعيداً بولائمه. بيت أسرار، تتسوق البيرة والعرق والنبيذ والسلامي من حانوته ليل الخميس، ليحييك بعبارة “السلام عليكم” وأنت ذاهب إلى صلاة جمعتك.

في الجامعة، بمجرّد أن تسمع كلمة “أرمنيّة”، تتذكّر شعرها الأسود الفاحم، وحمرة شفاهها، وقميصها، وذلك الزرّ الذي نسي أن يغلق على أحلامك، أو ربما تقصّد أن قافزةً أمامك لتسألك عن موعد بروفات فرقة المسرح.

وفي الحياة، الأرمنيّة، هي تلك العريشة التي تميل على الغصون بأغانيها على سطوح فندق أثريّ في “الجديدة”، وهي تنده للأسمر اللون.

في النهار، تسحبهم أعمالهم، وورشاتهم وعياداتهم، وصناعة البسطرما. وفي المساء، يملأون ثغور حلب وزواياها الخفيّة، وتتقلّص عند درجات “أبو آغوب” حدود المدينة، على مساحة طاولاته الخشب، وسندويشة السجق الحارّ، والمخلل المغموس بالزيت، وكأس العرق.

خذ الدنان بيمينك من “جابرازيان”، لكن لا تطعم الدمشقي من “سيروب”. سيلدعه الثوم، والحامض، والفلفل.

حين يمضّك الحنين إلى حلب، دع أوهانس الخجول يستوقفك، أو ربّما سيلفا التي تحبّ الرقص والسياحة في حارات المسلمين، أو جنفياف التي ذهبت إلى أفريقيا، فأقام لها أهلها مأتماً.

جميعها أسماء تمرّ من عظام الرقبة إلى شغاف القلب. أليسوا أول من احتفل بالفالانتاين في حلب؟

لكن، من هو الأرمني؟ يكاد يستحيل أن تعثر على أيٍّ من أبناء مدينة حلب وريفها لم يسبق له أن تعامل مع الأرمنيّ. وتفاجأ حين يقال إنهم قليل. الأرمن في حلب تجمّع ورديّ خفيف الظل من الكنائس والنوادي والكشّافة، خلطة خاصّة من العادات والطقوس، باقات من الشباب والصبايا بملابس زاهية، وعبق حسيّ ممزوج بالنبيذ، ونكهة مختلفة، مثل جرْس لكنتهم حين يمضغون العربيّة.

الأرمن في حلب ضرورة. حيوات جدّاتنا وأمهاتنا وأخواتنا وبناتنا كانت ستختلف لو لم يكن هناك خيّاط أرمني، أو بائع “نوفوتيه” أرمني، أو مصفّف شعر أرمني.

هوفيك، سركيس، هاروت… هي أسماء تعلّمناها من أمهاتنا قبل آبائنا. وحين كان يصعب على جدّاتنا لفظ أسمائهم، كنّ يكتفين بكلمة “الأرملي”.

يقال إنّ سمعة الأرمني العطرة، دفعت جزءاً من سريان حلب “الأورفليين” إلى اعتبار أنفسهم أرمناً أو شبه أرمن، بحكم الجيرة التاريخية في أورفة والرها وغيرها، قبل أن يهاجروا معهم قسراً إلى أوطانهم الجديدة. لكن للأورفليين لغتهم: خلطة فعّالة من الأرمنية والتركية والسريانية والعربية.

الأرمني لا يغش في صنعته. هذه حقيقة.

– لكن لماذا؟

– لعلّها منظومة أخلاقية خصّه بها الله استقرّت في قلبه!

– هل لأنه يخشى في الحق لومة لائم؟

– أو لتوجّسٍ يقبع في ذاكرته. هو يمشي “الحيط الحيط”.

الأرمني في حلب غيرُه في اللاذقية أو دمشق أو ربما بيروت. في اللاذقية، قد لا تكتشف أنه أرمني لأن اسمه ولقبه لا يشيان بالضرورة بأرمنيته، والدمشقي لن يؤنّث المذكّر ولا يذكّر المؤنث.

الأرمني في حلب هو الأرمنيّ.

إيران ماميكونيان، شاعر سوري أرمني حلبيّ. كان في الثمانينات من عمره وعمر القرن العشرين معاً. كان يقطن في “بستان الزهرة”، قرب حارتنا. لعلّه الأرمني الوحيد في هذه البقعة من الضجيج وأصوات الأذان.

بقبعته الأريستوقراطية، كان يمر كل يوم من أمام شرفتنا، متجهاً إلى مقهاه ثملاً فرحاً كما يليق بسليل ملوك أرمينيا الأوائل، متغلباً على أعتى هواجس الأقليات الدينية والعرقية في حيّنا.

رحمك الله يا إيران، يا أول من سمعت أنه كان يتنبّأ بسقوط الاتحاد السوفياتي، مبشراً باستقلال أرمينيا..

ذكره شخص خلال الثورة فقال: إيران… كنت أنت المفرد الوحيد. وما شابه اسمك محض مثنّى!

“سحب أوهان حصانه الأسود، ووضع رجله في الركاب الأيسر. وقبل أن يضع الثانية في الركاب الأيمن وصل الحصان إلى قمة جبل صاصون. هناك وجد حصان دافيد، ابن أخيه، شارداً في الجبال من دون خيّال. ورأى جيش الفرس يملأ السهل كأنه أمواج البحر” (مقطع من أسطورة “دافيد الصاصوني”)

عند باب محلّ الأرمنيّ يتجلّى معدن الأرمني. وعند باب بيته، تتجلّى هواجسه.

جولة في مشهد الحلبيين الأرمن: التغريبة المعاكسة

ماهر الجنيدي

تداولت بعض المواقع الإخبارية وصفحات الـ”فايسبوك” الأسبوع الماضي خبراً مفاده أن “الحكومة الأرمينية تبنّت برنامجاً لتشييد حي سكني أطلقت عليه اسم “حلب الجديدة”، لتوطين أكثر ما يمكن من أبناء الجالية السورية ذوي الأصول الأرمينية، الذين فروا من الحرب في بلادهم”. قد لا يعكس هذا الخبر فداحة أرقام المهاجرين الأرمن الذين تركوا حلب خلال الأشهر القليلة الماضية، والمقدّر عددهم بنحو 13 ألف أرمني (فقط)، إذا ما قورنت بمئات الألوف من اللاجئين والنازحين الحلبيين.

ينطوي هذا الخبر في الواقع على إنذارين خطيرين: الأول أنّ واحداً من كلّ خمسة أرمن على الأقل، شقّوا طريقهم إلى خارج حلب خلال أقلّ من عام. وإذا قبلنا بالإحصاءات غير الرسمية، بأن نصف هؤلاء لا يعقدون آمالاً للعودة إليها، وإذا صادقنا على أخبار استمرار الهجرة بين صفوف الباقين، وصلنا إلى الإنذار الثاني، وهو أن ملامح مدينة حلب لن تعود إلى ما كانت عليه.

تشير معظم المصادر إلى أن عدد الأرمن السوريين، المقيمين في سوريا، كان يبلغ عند بدء الثورة نحو 80 ألف شخص من الطوائف الثلاث: الرسوليون (الأرثوذكس) والكاثوليك والإنجيليون، معظمهم من أحفاد أولئك الذين قدموا مطلع القرن الماضي. يقيم معظمهم (60 ألفاً) في مدينة حلب، فيما يتوزع الباقون بين منطقة الجزيرة وكسب (قضاء اللاذقية) ومدينة دمشق وغيرها. الغالبية الكاسحة من المهاجرين الأرمن البالغ عددهم نحو 13 ألف شخص هم حلبيّون، توجّه منهم نحو 7 آلاف شخص إلى أرمينيا، و5 آلاف شخص إلى لبنان، والباقي إلى أوروبا وأميركا. هذا في حين أكّد كثير من النازحين الأرمن من حلب إلى لبنان أنّ “وجودنا محطة موقتة وعائدون!” (بانوراما الشرق الأوسط، نهاد طوباليان، 2 شباط 2013).

وإذا كان مطران دمشق للأرمن الأرثوذكس أرماش نالبنديان قد علّق على هجرة الأرمن سوريا متوجّهين إلى أرمينيا بقوله: “عندما تنزاح الغيمة من فوق سوريا سنعود إلى بيوتنا”، فإن الصحافة تنقل عن أولئك الذين صاروا في يريفان أن معظمهم عبّروا عن رغبتهم في البقاء نهائياً في “أرض الأجداد”. لكنّ تقديرات أرمنيّة داخلية تؤكد أنّ “نصف المهاجرين إلى أرمينيا يؤمنون بعودتهم إلى سوريا، ونصفهم الثاني لا”.

جدير بالذكر، أنّ “بانوراما الشرق الأوسط” أشارت في التقرير ذاته إلى أنّ عدد النازحين السوريين من أصل أرمني وفق الكنائس والجمعيات الأرمنية لا يتعدّى مئات العائلات، توزعت بين برج حمود، الدورة، النبعة، انطلياس والفنار. قسم كبير منهم، يقيم عند أقارب وأصدقاء، وقسم استأجر بيوتا تتقاسمها أكثر من عائلة.

الأرمن وسوريا

يصعب الحديث عن رأي عام أرمني حيال الثورة، تالياً حيال مستقبل سوريا. إذ عاش الأرمن في ظل نظام الاستبداد، جاليةً “نجيبة”، تعاني بصمت ما يعانيه باقي السوريين، تتألم بصمت مثل آلامهم، بل وأحياناً تفرح بصمت مع فرحهم. ويمكن القول إذا ما شئنا الدقة، إن وضعهم الاجتماعي الميسور عموماً، الذي يضعهم في منطقة ما بين الطبقتين المدينيتين الوسطى والثرية، جعلهم بعيدين نسبياً عن عبء حياة اقتصادية عانى منها سوريون آخرون من الشرائح الأخرى، وإن لم يعفهم من هموم الفساد، مثل غيرهم من أبناء الطبقة الاجتماعية الوسطى. أما سياسياً، فقد غاب عن التداول العام، منذ مجيء الأسد الأب إلى السلطة في العام 1971، ذلك الحديث الخافت أساساً عن الهاشناق والطاشناق، وإن كان يلحظ في بعض الأحيان هوى يساريٌّ لدى هذا الأرمني، وهوى قوميّ لدى الآخر. باتت الكنيسة الأرمنية الرابط الأبرز لهم، فضلاً عن روابطهم الاجتماعية، ومنظماتهم الشبابية، ومنابرهم الثقافية، وبالطبع مدارسهم التي نجت إلى حد ما من حملات التعريب القسري والتأميم الجائر.

الأرمن والثورة

يقول هاكوب، الناشط في أحد المنتديات: “إن الزج بالورقة الأرمنية في الصراع السوري محاولة فاشلة لأي جهة تريد استخدامها من النظام أو المعارضة. إن المواطنين السوريين المتحدرين من أصول أرمنية يرفضون أن يكونوا طرفاً في هذا النزاع الخاسر الذي يؤدي إلى تدمير الحجر والبشر، وأعلنوا منذ بدء الأحداث في سوريا موقفهم بوضوح، وهو وقوفهم مع وحدة الشعب السوري وأراضيه، وضد التدخل الخارجي وإملاءاته، وضرورة اتباع كل الطرق السلمية للحصول على الحقوق المشروعة والمقرة بالدستور، التي تتمثل في الحرية والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان وحقوق الأقليات الموجودة في سوريا. إنّ كل ادعاء بمشاركة الارمن في النزاع السوري هو كذب ووهم يراد من خلاله الإيذاء والضرر لهذه الجالية التي احتضنها الشعب السوري الأصيل، في زمن كانت سوريا تحت الاحتلال ولم يكن فيه لا حزب بعث و لا جيش حر”. والحال، فقد حافظ الأرمن دوماً على حالة شفافة من العيش المشترك، خفيفة الظل، لا تناحريّة، تمثّل نموذجاً نمطيّاً لسياسة “النأي بالنفس”، على عجرها وبجرها، في بلد يفتقر جميع أبنائه إلى معنى المواطنة. لكن يبدو أنّ الثورة وضعتهم، كما مختلف المكوّنات السورية، أمام تساؤلات مصيرية.

وإذا علمنا أنّ “مسيحيّة” الأرمن السوريين لا تنطوي على ارتباط يذكر بينهم وبين المسيحيين العرب السوريين، أمكننا أن نفهم الصورة التي رسمها الفنان الأرمني السوري هراج ماكوشيان، حين قال في مقابلة مع موقع “قنطرة”: “يعيش الأرمن بمعزل تماماً عما يحدث في سوريا. كمن يضع رأسه في الرمال ولا يريد أن ينظر إلى الواقع. لا يتحركون أبداً خارج مجتمعاتهم. معظم الأرمن ليس لهم أصدقاء عرب. وهذا يعني المزيد من رهاب الاضطهاد! وما يحدث خارج حيّهم يشرحه لهم الرئيس ووسائل الإعلام الرسمية التي تقول لهم: ثمّة إرهابيون سيذبحون الأرمن والمسيحيين وغيرهم من الأقليات إذا ما وصلوا إلى السلطة”!.

رُصدت في الواقع مشاركات فردية من شابات وشبان أرمن في الحراك الثوري، ما منح نوعاً من الطمأنينة حيال مواقف الأرمن السوريين الذين سيلتزمون سياسة “النأي بالنفس” ذاتها. كما رُصدت مشاركة أوسع نطاقاً في أعمال الإغاثة التي بدأت مع نزوح الأهالي من مناطق قصفها النظام في “صلاح الدين” و”سيف الدولة” وغيرهما. وفي هذا، فقد تميّزت مشاركات الأرمن الإغاثية والإنسانية بمقدار عال من التنظيم والفاعلية والحيوية، عكَسَ جاهزية المنظمات الأهلية الأرمنية الرديفة للكنيسة، وخبرتها، وخصوصاً دير وارطان/ الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين، الذي استضاف الحملات لرعاية النازحين ونظّمها. بيد أنّ عاملاً جديداً طرأ، جعل الحسابات تنقلب: الشبّيحة الأرمن. يوضح أحد النشطاء الأرمن: “أستطيع القول بالنسبة للتشبيح إن هؤلاء، أولاً وأخيراً، جنّدوا أنفسهم طمعاً بالرواتب الشهرية، وبالاستحواذ على السلاح والسلطة. لا يتجاوز عدد الشبّيحة الأرمن في حلب 100 شخص، أغلبهم موجودون خارج المناطق السكنية التي يسكنها الأرمن”. يضيف: “يتعيّن الإشارة إلى أنّ مطران طائفة الأرمن الرسوليين صرح في السنة الماضية بأن شبيحة الأرمن لا يمثلون الشعب الأرمني لا من قريب ولا من بعيد، فهم جنّدوا أنفسهم طواعيةً”.

يعبّر خاجاك مكرديجيان، وهو صحافي أرمني سوري يعيش في الولايات المتحدة الأميركية، عن جانب آخر من هواجس الأرمن حيال الثورة السوريّة: “يوجد مثل عربي يقول فاقد الشيء لا يعطيه، وتركيا قبل أن تعطي دروساً في الديموقراطية عليها أن تجلس مع تاريخها، وتحاسب تاريخها الأسود الحافل بالمجازر. التدخلات التركية اليوم تهدف لتخريب التعايش المشترك الأخوي بين مكوّنات هذا الشعب, وما هي إلا متابعة للسياسة التركية القديمة الجديدة نفسها”.

مع ذلك، بدا الأمر أشبه بمفاجأة حين بدأ الحديث عن “موقف الأرمن” من الثورة السوريّة. حديث لم يبدأ على الأغلب إلا بعيد دخول “الجيش الحر” إلى حلب. تقول ناشطة أرمنيّة حلبيّة:

– “بدأنا نحن أرمن حلب نهاجر خوفاً من رد فعل الجيوش الحرة على الطائفة… بسبب استفزاز شبيحة الأرمن لهم”.

– هل سجّلت أي حوادث؟

– “لا. لم تسجل حتى الآن أي حادثة إزعاج لنا من الثوار. لكننا نعلم أنّها إن سجّلت فلا حامي لنا. لا شبّيحتنا ولا النظام. النظام لا يهتمّ بشأننا أساساً. لذلك فضّل أغلبنا أن يترك كل شي وراءه وينجو بجلده”.

قبل ذلك، في “جامعة الثورة”، أو في “صلاح الدين”، أو حتى في “بستان القصر”، لم تكن حكايا التظاهرات تخلو من اسم صبية أرمنية هنا، وشاب أرمني هناك.

الأرمن وحلب

 حظيت حلب منذ القدم بمكانة مهمّة لدى الحجاج الأرمن الذين كانوا يزورونها في طريقهم إلى القدس بعد عام 301 للميلاد، عندما أصبحت المسيحية دين الدولة الرسمي لأرمينيا وسكانها.

 تشير إحصاءات إلى أن عدد الأرمن كان في 1944 نحواً من 60 ألف نسمة أيضاً، فيما كان عدد سكان حلب 325 ألف نسمة. أي أنّهم شكّلوا حينها أكثرية المجتمع المسيحي في حلب حتى العام 1947، عندما بدأت أولى هجرات الأرمن المعاكسة إلى أرمينيا، التي استمرت عشرين عاماً على دفعات حتى 1967.

 يشير الباحث السوري الحلبي علاء السيد إلى أنّ الأرمن انوجدوا منذ القديم في حلب، ويرجعون الى مئات السنين. لم يعرف بالتحديد تاريخ وصولهم إلى حلب. أقدم ذكر لوجودهم هو لسبعمئة سنة خلت، على حاشية مخطوطة أرمنية ذكر فيها أنه تم نسخها في 1329 للميلاد بحلب، في كنيسة السيدة بحارة الصليبة (الجديدة)، وهي كنيسة أرمنية قائمة حتى الآن.

 يشير أيضاً إلى أنّه كان للأرمن مدرسة رئيسية تسمّى مدرسة نرسيسيان في حي الصليبة (الجديدة)، عدد تلامذتها في الفترة ما قبل عام 1915 نحو من سبعمئة طالب، وهو العام الذي وصل فيه إلى حلب النازحون الأرمن، قادمين من مناطق مختلفة من كيليكيا شمال حلب تمهيداً لنقلهم على يد رجال السلطنة العثمانية إلى دير الزور والجزيرة السورية، فيما استطاع بعضهم البقاء في حلب مختبئين عن عيون السلطات العثمانية.

يشتهر الأرمن بحنينهم المزمن إلى مناطق أرمينيا، ومعالمهما الجغرافية، وأعلامها، وأبطالها القوميين، وبحبّهم الشديد لحلب وتراثها وبيئتها. هل هو القدر يدفعهم إلى قصة حنين أخرى؟

يرفض كثير من الحلبيين مجرد التفكير بأن يستيقظوا يوماً ليجدوا حلب خالية من الأرمن، أو بأن أشقّاء الروح لن يعودوا ليضيئوا قناديلها. عودةً إلى الخبر أعلاه، هم لا يأملون قطعاً بأن تحتاج أرمينيا إلى بناء حيّ آخر، قد يتخذ اسم “كسب الجديدة”، أو “دمشق الجديدة”.

 كاتب سوري

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى