أحمد مولود الطيارصفحات الناس

من هو الإله القادم؟/ أحـمـد مـولـود الطـيـار

 

ليس ذنب الساروت أنّنا جعلنا منه أسطورة ونتهيأ الآن لإلتهامه وتقيُّئه، فالرجل “ابن بلد” بكل ما تعنيه هذه المفردة الشعبية المتداولة من معنى. (وكالات)

يقال إنّ عرب الجاهلية كانت تصنع آلهتها من تمر؛ متى جاعت التهمتها.

(هذا الحب الهادر حول عبد الباسط ساروت، والإجماع شبه المطلق حول إخلاصه ووفائه وسحر كاريزماه التي جمعت كل قلوب الثوار بمختلف توجهاتهم حوله – وهو الأمر الذي لم يحدث ربما منذ بداية الثورة – لمَ لا نجعله دافعاً لتشكيل نواة ثورية عسكرية ثم سياسية لاحقاً، يكون فيها هو وكوكبة الأبطال من حوله، القيادة التي نبحث عنها منذ أمد؟ بالتخطيط السليم واختيار الأكفأ حوله نعم لعبد الباسط قائداً للثورة. نثق بكل خياراته).

الكلام بين قوسين أعلاه، كُتب قبل الشريط المصوّر والذي كال فيه الساروت مديحه لجبهة النصرة وتنظيم داعش، وهو اللافتة التي رفعتها على “فايسبوك” مُعارضة سوريّة تُقيم في لندن، وقادت تحتها – اللافتة – تظاهرة صاخبة، حصدت فيها 1410 “لايك” و54 “مشاركة” و74 “تعليق”. هذا في الأعراف الفايسبوكية كبير جداً، إذا عرفنا أنّ معظم الاستقصاءات والبحوث لدراسة مسألة ما وتحليلها ومعرفة الميول والاتجاهات ورسم الخطوط البيانية حولها، حيث تتراوح العينة فيها بين 1000 و1200 شخص، لأدركنا خطورة ما يقوم به سوريون على وسائط التواصل الاجتماعي. إذ وبعد دخول الثورة السورية عامها الرابع، لازلنا نجترّ الأخطاء ذاتها حيث تغييب العقل وطغيان المشاعر والحماسة.

ربّما لا يختلف اثنان حول نبل وشجاعة حارس مرمى فريق الكرامة الحمصي، ولا تريد هذه الأسطر سرد “التحولات” التي مرّ بها عبد الباسط الساروت، التي هي ذاتها التحولات التي مرّت بها الثورة السورية. ولقد كُتب الكثير، لكنها تتوجه الى الذين “أُحبطوا” و”حزنوا” و”غضبوا” والذين هالهم ما قاله ساروت في داعش والنصرة، والعينة المختارة والتظاهرة الفيسبوكية التي صدحت في لندن، يُعتقد أنّها ستجرّ عجزها وأذيال خيبتها، وتعود من حيث أتت، باحثة عن إله من تمر جديد.

قد يكون كلام الساورت ومديحه تنظيمي القاعدة “يقارب طلب الانتساب الى فصيلين متطرفين”، كما عبّر الباحث السوري سلام كواكبي في مقال لافت. وربّما سيقول الساروت مستقبلا فيهما – النصرة وداعش – مالم يقله مالك في الخمرة. ليست القضية هنا، فالجوع كافر والساروت ورفاقه جاعوا حتى حدود الموت، وربما سيجوعون أيضاً في حصار جديد قادم، ولا يدري أحد وقتذاك أي تطرف سيصل إليه الرجل، وأي مديح ولمن سيذهب.

هذا ليس تبريراً، إنّما فهم للسياقات التاريخية التي مر بها الساروت، التي مرت بها الثورة السورية خلال أعوام أربعة. ما لم يمر بتلك السياقات هو نحن الجمهور المتفرج، حيث لايزال يحافظ بعضنا على عقله الأسطوري محاطاً بالعفة والنقاء! والأسطورة في لغة العرب هي الأحاديث المنمقة والمرسلة حيث لا نظام ولا ضوابط تجمعها، والعقل الأسطوري هو الذي لا يأبه لا بالزمان ولا بالمكان وشروطهما.

ليس ذنب الساروت أنّنا جعلنا منه أسطورة ونتهيأ الآن لإلتهامه وتقيُّئه، فالرجل “ابن بلد” بكل ما تعنيه هذه المفردة الشعبية المتداولة من معنى، لم يطرح نفسه لا محللاً سياسياً ولا قائداً عسكرياً، نحن من أردنا منه أن يكون قائداً ومحللاً وخبيراً، وعندما بدأ يتلعثم أمام الكاميرات أُحبطنا وحزنّا ….

من هو الإله القادم؟

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى