صفحات العالم

من يجرؤ على الصمت عما يجري في سوريا؟

 


محمد ابو رمان

أشعر بالغضب الشديد، بالمرارة والاكتئاب، كيف يمكن أن نهنأ بحياتنا مع أبنائنا وأهلنا، ونمارس أعمالنا باعتياد، ونحن نشاهد يومياً جرائم بشعة ضد الأشقاء السوريين، تتجاوز الأعراف القانونية والأخلاقية والإنسانية، لتضرب أنموذجاً في القبح والبشاعة، يتجاوز الاحتلال الإسرائيلي الذي يسيطر على الأرض، بينما هؤلاء الحكام يتحكمون بالأرض والعرض والإنسان!

لم تزدني زيارتي إلى “بيت الشهيد” السوري في عمان رياض الشايب، إلاّ ألماً! فهذا الشاب ابن الثمانية والعشرين عاماً، كانت جريمته وجريرة أهله أنّه شارك في مسيرة يوم الجمعة، فجاءه زبانية الليل، لكن هذه المّرة بمهمة أخرى غير الاعتقال، إنّها القتل العنيف، مع ساعات الفجر الأولى، فقُتل على سريره برصاصات عدة، وأمام ناظري والديه العجوزين، وأشقائه الذين تم اصطحابهم مع زوج شقيقته إلى “معسكرات الاعتقال”، ولا يعلم إلاّ الله، ومن معهم وأحضرهم، ومن خَبِر هذا الإجرام، ما يذوقونه اليوم من ويلات العذاب والتنكيل مع آلاف المعتقلين الآخرين!

اليوم ندفع ثمناً باهظاً لنيل حقنا في الحرية الآدمية، لكنّنا لا نملك إلاّ أن ندفعه، نحن الشعوب العربية. وإلاّ فلا أمل لنا بأي مستقبل يجعلنا نعود إلى مرتبة “البشر”، ونخرج من هذه “المزارع”، التي تتعامل مع بني “الإنسان” وكأنهم “جرذان” أو “جراثيم”، وقد أتقن كلا الزعيمين (الليبي والسوري) التعبير عن رؤيتهما الدقيقة لشعوبهما.

تحرُّرُنا من الخوف والرعب الذي سكن قلوبنا قروناً طويلة هو المدخل لعصر الحرية، وهي الشرط الرئيس لآدميتنا وإنسانيتنا. بغير ذلك فإنّنا لا نحكم على أنفسنا، بل على مستقبلنا وأبنائنا بحياةٍ أكثر سواداً وأشد سوءاً مما وصلنا إليه!

هذه اللحظة التاريخية الفريدة بمثابة الفرصة الاستثنائية للانعتاق من هذا الواقع، هي لحظة نثور فيها أولاً على ثقافتنا التي سوغت لنا قبول الظلم والطغيان والذلة والإذلال والحياة المُهينة، فقط لأنّنا امتلأنا بالأوهام عن هؤلاء الحكام، وتلك الأنظمة، وما هي إلاّ نسيج خوفنا وثقافتنا، وصنيع علماء ومثقفي السوء الذين جبروا دنياهم بكسر آخرتهم، وأرضوا شهواتهم ببيع ضمائرهم.

ليس مهماً إن كان الدستور أولاً أم الانتخابات في مصر، أو السجال الإسلامي- العلماني، أو قصة الممانعة الزائفة والديمقراطية، ولا شكل نظام الحكم، ولا النظام الانتخابي، فهنالك معركة “الإنسان”، الحرية هي الوجود، ولا يجوز أن نخسر هذه اللحظة التي ننهي فيها استعبادنا وإذلالنا بعد اليوم.

نعم، واقعنا مرير، والشعوب العربية ما تزال تُحكم بما قبل “العقد الاجتماعي”، لكن ما يحدث في سورية اليوم تحديداً هو عارٌ يكلل جباهنا جميعاً، هو مسحة خزي على المتآمرين والصامتين والمطبلين والمزورين، هو فضيحة لمثقفي وسياسيي وحزبيي وكتّاب السوء، وهو خيانة حقيقية للضمائر والعقول.

اتفقوا أو اختلفوا ما شئتم حول سياسة هذا النظام وتوصيفه، لكن ما لا يمكن الاختلاف حوله هو القبول بما يحدث مع أطفال الشام ونسائها وشيوخها وشبابها!

من أراد أن يدافع عن هذه “الجرائم الهمجية”، فليطلب أولاً بالوقاحة نفسها التي يتبجح بها ضد “هؤلاء الأبرياء” أن يذهب إلى المعتقلات والسجون ليتأكد أنّهم يتعاملون فيها مع “بشر”، وليس “جراثيم”، أن يطلب بأن يسمع من أهالي المحافظات والقرى والمدن التي تمت استباحتها حقيقة ما حدث، بعدها فليُسمعنا رأيه العظيم!

في أحاديث السياسيين عبارة “من يجرؤ على الكلام”، أما اليوم فالسؤال هو “من يجرؤ على الصمت”؟!

الغد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى