صفحات العالم

من يحكم سوريا؟

 


سمير الحجاوي

يبدو أننا أمام سؤال محوري في المشهد السوري ألا وهو من يحكم سوريا حاليا؟ وهل الرئيس السوري بشار الأسد يسيطر على مقاليد الأمور؟ أم أن المؤسسة الأمنية القوية والمتنفذة هي التي تدير الأمور وتنفذ إستراتيجيتها في التصدي الدموي للمظاهرات الشعبية؟

المشهد على الأرض يشير بوضوح إلى أن أجهزة الأمن أو “العقلية الأمنية” هي التي تسيطر على النظام السوري قرر مواجهة المواطنين المطالبين بالحرية والكرامة بعنف، مع استبعاد أي إمكانية للحوار، وهو ما أدى إلى استقالة عدد من النواب والمسؤولين الذين اتهموا أجهزة الأمن بارتكاب عمليات قتل بدم بارد من خلال القناصة والعناصر الأمنية بزي مدني و”مليشيات الشبيحة” المنظمة والمسلحة جيدا.

النظام في سوريا تهيمن عليه العقلية العسكرية و”عقدة حماة”، فنظام البعث بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد تمكن من سحق مدينة حماة عام 1982 وقتل حوالي 40 ألف شخص من سكانها دون أن يتعرض لأي نوع من المسائلة، واستطاع ان يوطد أركان حكمه منذ ذلك الحي، وهو الحل الذي يستهوي الأجهزة الأمنية السورية، وإلا فكيف يمكن تفسير محاصرة مدينة درعا وفصلها عن محيطها وعزلها عن العالم وقطع الاتصالات والكهرباء، وكذلك ما يجري من عسكرة في 14 مدينة وبلدة منها مدن جبلة ودوما واللاذقية وبانياس.

لا نستطيع أن نتحدث هنا عن احتمالات، بل يمكننا الجزم أن نظام البعث في سوريا بدا خوض معركة “حياة أو موت” ضد المحتجين، وفي مثل هذه المعارك عادة ما يستخدم النظام كل ما لديه من أسلحة وقوة وعنف، وهو العنف الذي استخدم فعلا وأوقع 120 قتيلا في يوم واحد، كما أوقع 15 قتيلا في مدينة صغيرة مثل جبلة وعشرات القتلى في مدن اخرى. وهو دفع نافي بيلاي مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لمطالبة النظام السوري بكبح جماح قواتها الأمنية والتحقيق في عمليات القتل وتقديم الجناة للعدالة” مما قد يمهد الطريق لنقل ملف ما يجري في سوريا إلى مجلس الأمن، وبداية تدويل ما

يجري هناك، وتشكيل لجنة تحقيق دولية حول عمليات القتل.

الخيار الوحيد المهين على نظام حزب البعث هو خيار العنف في مواجهة المظاهرات السلمية، وهو خيار استبعد منذ البداية تقديم “تنازلات إصلاحية” للشعب، مما أغلق الأبواب أمام الخيارات الأقل دموية.

فأعمال مثل حصار مدينة درعا واقتحامها والسيطرة عليها بالدبابات واستباحتها بالعسكر ، تعني أن النظام السوري يريد اخضاع المدينة مثلما فعل في حماة في مطلع الثمانينيات، ودفعها للتسليم أو الاستسلام، لكسر شوكة المحتجين في المدينة التي أعلنت الثورة، مع ما يحمله ذلك من رمزية كبيرة لانتصار النظام، لكن مشكلة نظام بشار الأسد انه يواجه ثورة في معظم المدن السورية لا درعا وحدها، كما أن الظروف تغيرت تماما، فحافظ الأسد استفاد من الظروف الدولية وسحق مدينة حماة في حقبة “الحرب الباردة”، وهذه الحقبة انتهت منذ عقدين، كما أن ذلك الزمان كان يفتقر

للفضائيات ووسائل الاتصال والانترنت والفيسبوك واليوتيوب. ومن هنا فان نظام بشار الأسد الذي اختار “الحسم” مع الشعب دخل في معركة لا بد وان تنتهي بانتصار احد الطرفين، إما النظام وأجهزته الأمنية وإما الشعب، وبما أن الشعوب لا تهزم، فان نظام البعث في سوريا سيهزم ويخسر ويرحل وسيحاسب مسؤوليه، وسيصبح حزبا محظورا على غرار حزبي زين العابدين بن علي وحسني مبارك في تونس ومصر.

كاتب فلسطيني

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى