صفحات العالم

من ينقذ سوريا؟


محمد ابرهيم

في تقويم انجازات “الربيع العربي” توضع تونس ومصر في خانة، وفي خانة اخرى توضع ليبيا واليمن وسوريا. في تونس ومصر يجري التركيز على الإنسجام الإجتماعي، وعلى استقلال الجيش عن المجموعة الحاكمة، باعتبارهما عنصري تعجيل في وصول الثورة الى خواتيمها “السعيدة”.

قليلا ما تتم الإشارة الى العامل الخارجي بصفته ضمانا للثورة، وشرطا لنجاحها، فالميل هو لتعظيم دور القوى الداخلية. اما العامل الخارجي، فلأنه كان موحدا، لم يحتل حيزا واسعا… إعلاميا.

في اليمن وليبيا ظهر الإنقسام الإجتماعي، القبلي، الى الواجهة، باعتباره السبب الرئيسي في تأخير انتصار الثورة، وفي تصعيد اخطار تفكك الكيان. اما العامل الخارجي فكان ظهوره كبيرا بصفته التعويض عن الإنقسام الداخلي. كان عسكرياً في الحالة الليبية، وسياسياً في الحالة اليمنية. وفي الحالتين لم يعان من انقسامات تذكر.

    سوريا تبدو حالة قائمة بذاتها. فهي تجمع الى الإنقسام الداخلي، الطائفي، انقساما في العامل الخارجي. لذلك تكشفت توقعات الحرب الأهلية المطولة المفضية الى التفكك، في غير محلها بالنسبة لليبيا واليمن، فيما هي تبدو واقعية في الحالة السورية.

لا يمكن طبعا، اتهام روسيا والصين بأنهما تخططان لتفتيت سوريا، فالعوامل التي تحكم موقفي  البلدين مستمدة من اعتبارات تتجاوز سوريا، لا بل انها في جانب منها تسعى الى تجنب اندلاع النزاع السني-الشيعي على مستوى المنطقة كلها.

ومع ذلك فإن التعطيل الروسي-الصيني لتدخل الأمم المتحدة في تعجيل، ورعاية، الإنتقال من نظام قديم الى نظام جديد ، يؤدي دورا في تحوّل الثورة في سوريا حربا اهلية طائفية. فمن المتفق عليه اليوم ان النظام السوري بات يستمد معظم قدرته على البقاء من صمود الإنقسام الدولي، فيما تستمد المعارضة معظم قدرتها على الإستمرار من الإنقسام نفسه.

العامل الأهم في “انزلاق” سوريا الى الحرب الأهلية هو بالتأكيد العامل الداخلي. وهنا رغم التحليلات المتفائلة في بداية الأحداث، من الجانبين، المتعاطف مع النظام، والمتعاطف مع المعارضة، والتي زبدتها ان النظام ليس نظام الطائفة العلوية، وان المعارضة ليست معارضة الطائفة السنية. فإن مسار الأحداث يثبت قدرة اقلية من الطائفتين على فرض قيادتها العملية على الطائفة كلها، وعلى الزج بها في المواجهة الأهلية، وهذا ليس خاصا بسوريا طبعا.

لذلك العامل الوحيد الذي بقدرته، اليوم، حجز الحرب الأهلية في سوريا، هو الخارجي. وبما انه ليس من المتوقع تغيير القرار الإستراتيجي الغربي بالتغيير، فإن الأكثر احتمالا هو انضمام لاحق لروسيا والصين، في ظل هاجس الحرب الاهلية، الى رعاية دولية لتغيير سلمي حقيقي في سوريا.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى