صفحات المستقبل

من يوميات سوري وحيد/ نور دكرلي

 

كما فقدت قدرتي على الكلام أمام الآخرين، هذا ما ألاحظه كلما اجتمعت بأحدهم. على سبيل المثال، منذ أيام، التقيت بصديق طالما تمنيت لقاءه. كان يتحدث بسهولة ومتعة حسدته عليها. بينما أنا، كنت أحاول جاهداً مشاركته حديثه الممتع لكن من دون جدوى. وعندما كنت أحاول أن أتحدّث قليلاً، كان كلامي يخرج ركيكاً من دون أي ترابط. حتى أنّي عجزت عن قول جملة واحدة مفيدة. هذا لا يعني أنني لست سعيداً. لا، أبداً، على الأقل أنا وحيد. في أوّل الشارع الذي أعيش فيه عُلّقتْ يافطة كتب عليها: “يرجى من السوريين عدم التجول من الساعة الثامنة مساء حتى السادسة صباحا”.

أقف أمامها كل يوم في المساء وأسأل أحد المارة من العمال: كم الساعة الآن؟

ـ العاشرة ليلاً

ـ تعال لنحرقها، ونحرق ذلنا…. ونهرب..

لكنه سرعان ما يهرب وحده.

في التاكسي وبينما المغنّي علي الديك يصدح من المذياع، اسأل السائق: “كم من الكرم تملكون حتى بادلتمونا هذا بفيروز”؟

لكنه لا يفهم ما قصدته، ويكتفي بابتسامة ويشير إلي بإبهامه وكأنه يقصد بأن عليّ أن أشعر بالامتنان له لأنّه وضع أغنية من صادراتنا المحلية.

في غرفتي قمت بإزالة فرشة السرير وأبقيت على الخشب فقط، ليصبح كخشبة مسرح. وجمعت عدداً من زجاجات المياه الفارغة، وقمت بصفّهم كجمهور. الزجاجة الكبيرة التي تتسع لستة ليترات، أجلستها في آخر الصف، انتقاماً من الماضي، في حين لم تهدأ الزجاجات الصغيرة طيلة فترة العرض، الذي كنت أقوم به، واستمرت بالقفز بجانب الزجاجات المتوسطة الحجم. لذا بدأت أفكر بالقيام بعرض مخصص للأطفال.

قطعتْ عرضي المسرحي دقات على باب الغرفة. فأسرعت لأزيل كل تلك الفوضى، وفتحت الباب. كانت صاحبة الغرفة تقف أمامي وتنظر إليّ مذهولة. فنظرت إلى نفسي لأفهم سبب ذهولها. كنت أقف أمامها بملابسي الداخلية حاملاً عدداً من زجاجات المياه الفارغة. المسكينة حاولت أن تكسر ذهولها وحرج الموقف بأن قالت: “صاير معك شي؟ شو هيدا؟ لازمك شي”؟ فأجبتها: “لأ، لأ .. إنو … هيك عم …. أنا سوري، أنا سوري…”.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى