صفحات الناس

من يوميات طبيب في الغوطة

 

 

تخرّجت في العام 1995 وافتتحت عيادتي الخاصة في 10 تشرين الأول العام 1995. وفي العام 2001 نلت شهادة التخصص في المسالك البولية.

أعمل بشكل أساسي في عيادتين، إحداهما تعرّضت لغارات عدة وتم إغلاقها وانتقلنا إلى العيادة الثانية المؤقتة التي لم تسلم أيضاً من القصف. بعدها أعدنا بناء العيادة التي تُقَدِّم مختلف الخدمات الطبية بدءاً من الطوارئ إلى قسم العيادات الخارجية والجراحات والمختبر والأشعة والعلاج الفيزيائي. لذا فهي تعتبر عيادة أساسية في الغوطة الشرقية.

هنا يمكنك أن ترى جميع أنواع الإصابات؛ واليوم لدى وصول المرضى قالوا لي إن الكبر قد بدا على ملامحي في الآونة الأخيرة، فأجبتهم أن السبب في ذلك يعود لكثرة الإصابات التي رأيتها. لقد اعتدت على رؤية مرضى فقدوا أرجلهم أو قُطعت رؤوسهم أو أياديهم.

وأتوقّع أن يصبح في المستقبل الأطباء العاملون في مناطق كالغوطة أكثر الأطباء شهرة في العالم نظراً للإنجازات الرائعة التي قاموا بها. فبسبب عدد الأطباء المحدود في الغوطة الشرقية وخاصة في المناطق المحاصرة يضطر الأطباء الباقون هنا إلى ممارسة اختصاصات عدة. فأنا مثلاً طبيب مسالك بولية وطبيب نسائي وقمت بأكثر من 200 عملية ولادة قيصرية وجراحات عامة عديدة، كما أني أصبحت أيضاً طبيب أطفال. عليّ القيام بكل شيء لتلبية حاجات الناس.

وإن سُئلت عن أصعب اللحظات التي أواجهها لأجبت أنها لحظة وصول المرضى إلى العيادة والشعور الغريب الذي ينتابني بأن أحد المرضى قد يكون من أفراد عائلتي. والأصعب بعد هو حين أرى مريضاً تحّدثت إليه منذ خمس أو عشر دقائق وقد دخل من دون رأس أو وجه. هذه هي الأوقات الأكثر وجعاً بالنسبة إليّ.

وأعتقد أن الوضع اليوم أفضل، لكن الفترة الممتدة بين العامين 2013 و2015 هي الأسوأ حتماً. فخلال الأشهر الأربعة الأخيرة أصبحت الموارد أكثر توافراً بفضل تخفيف حدّة الحصار ووصول المساعدات منذ حوالى 10 أيام وتخصيص 53 كلغ من المواد الغذائية لكل عائلة موزّعة كالتالي: 15 كيلوغراما طحينا و10 كيلوغرامات من الأرز و4 كيلوغرامات من البرغل و5 كيلوغرامات من السكر و6 كيلوغرامات من الحمص وكيلوغرام من المعكرونة. كما وصلت أيضاً بعض الإمدادات الطبية، أُدخلت جميعها عن طريق الصليب الأحمر السوري.

قبل وصول القافلة بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من السكر 1000 ليرة سورية (5.3 دولارات أميركية) ووصل سعر الكيلوغرام الواحد من الخبز بين 1000 و1200 ليرة سورية (5.3 دولارات أميركية – 6.35 دولارات أميركية).

أما اليوم فأصبح سعر الخبز بين 300 و350 ليرة سورية (1.68 دولار أميركي).

وأصبح الطعام متوفراً والفواكه أيضاً! نعم الفواكه! ففي العام الماضي أذكر أني اشتريت لأولادي اربع برتقالات بـ 3000 ليرة سورية (15.9 دولاراً أميركياً).

واليوم صحيح أن الإمدادات الطبية لا تزال محدودة لكن الوضع أفضل بكثير من قبل. يمكننا القول إنّنا نملك حوالى 50 إلى 60 في المئة من الإمدادات الطبية التي نحتاج إليها. منذ سنتين تراوح سعر الدواء بين 2000 و2500 ليرة سورية (10.6 دولارات أميركية – 13.25 دولاراً اميركياً) أما اليوم فأصبح 900 ليرة سورية (1.77 دولار أميركي).

هذه الحرب مؤلمة جداً، فبين قصف الطائرات والإصابات والموتى والجرحى أصبح الوضع سيئاً للغاية. تعبنا من شعور الخوف من الموت. أراد الناس الحرية واستمرار الثورة، لكنّهم اليوم وصلوا إلى مرحلة لم يعودوا يحتملون فيها العنف. فكلّ يوم يودّع الناس أقاربهم، وكل يوم يستشري الخوف في نفوسهم أكثر. أنا من الناس المعدودين الذين يركبون سياراتهم ويذهبون للعمل في عيادات مؤقتة تقع في مناطق أخرى. وكل مرة أخرج فيها أصلّي لأني لست متأكداً ما إذا كنت سأعود إلى أولادي.

طبيب يعمل في ريف دمشق

بدعم من منظمة «أطباء بلا حدود»

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى