أحمد مولود الطيارصفحات سورية

من يوميات مدينة محررة

 

أحـمـد مـولـود الطـيـار

سكود وملاجئ

“انزلوا الى الملاجئ، “الجزيرة” قالت إنّ صواريخ سكود تتوجه الى الشمال الشرقي من سوريا.”

 ننزل الى الملاجئ.

عشر دقائق، ربع ساعة، نص ساعة، لم تشرّف حضرتها. يسأل رجل كبير: كم تستغرق رحلة صاروخ سكود من دمشق الى الرقة؟ يكثر هنا خبراء التحليل العسكري، واحد يقول نصف ساعة، وآخر يقول  25 دقيقة، ينط أحدهم: فقط 15 دقيقة. يغادر الملجأ رجل في منتصف عمره قائلا: إللي إلو عمر ما تصيبه الشِّدّة” . بعد أقل من ساعة ينفضّ الجميع بعد أن ملّوا من الانتظار. فالملجأ بارد وهو عبارة عن قبو حقير لا يصلح مستودعا حتى لعلف الحيوانات.

“انزلوا الى الملاجئ”.

 تلملم النسوة أطفالهنّ الصغار ويهرولن مسرعات، تتذمر إحداهن: “يلعن أخت هل العمر، طالعين نازلين”.

الأطفال الصغار يحتلون ركناً من القبو الكبير ويبدأون لعبهم وضجيجهم، فالسكود لم يدخل بعد في مفردات لعبهم. بعد أقل من ساعة، يهرولون عائدين الى بيوتهم القريبة، فالأورينت قالت: سقوط صاروخ سكود على قرية معدان والقتلى والجرحى بالعشرات.

قلق

اتصل به صديقه في الواحدة والنصف ليلا يخبره أن مؤذن جامع الفواز يدعو الناس للنزول الى الملاجئ. كان يلملم بطانيته ويحكمها على جسده استعدادا للنوم، تردد كثيرا، هل يوقظ أهله وكانوا قد غرقوا في النوم أم يدعهم يكملون ليلتهم بهناء؟ قرر أن يخلد لذلك السلطان المسمى “نوم”، لكنّ هاتفاً آخر من صديق آخر يؤكد ما جاء في هاتف الصديق السابق، تردّد ، تململ،  ثم القرار: عدم المغادرة والخلود الى النوم.

عندما استيقظ في التاسعة صباحا، تذكر كما الحلم هواتف الليل الذي مضى، نظر حوله، الى يديه، الى جسده، ثم في سرّه قال: ويمضي يوم آخر بسلام.

نقاشات.. نقاشات

لن يضربنا النظام كما ضرب مدن حلب وحمص وغيرها. يقول أحدهم.

ولماذا؟ هل “على رأسنا ريشة؟” يسأل آخر مستنكراً.

– بالعقل بالمنطق، أولا النظام منهك ويلفظ أنفاسه الأخيرة، ثم، الرقة لم تعد ضمن أولوياته، معركته الآن كيف يحافظ على دمشق.

– …ولكنه قصف صوامع الحبوب، وقصف المركز الثقافي وقصف مطعمي القمة والبيك ووو

– نعم هو يضرب اي تجمع بشري يراه طياروه، كذلك “يتسلى” ببعض القصف المدفعي العشوائي، انما هذا النظام غير قادر على اتخاذ قرار بتدمير شامل للمدينة وهو أضعف من ذلك.

يسأل أحدهم من بعيد: “عجب سنقبض هذا الشهر رواتبنا أم لا؟

يظل سؤاله معلقا في الهواء بانتظار الاجابة آخر الشهر.

إغاثة

كل يوم، كل يوم يغادرون أسرّتهم منذ ساعات الصباح الأولى،  يدوّرون محركات سياراتهم ينتظرونها كي “تحمى”، يذهبون الى أماكن متفق عليها، يحمّلونها بالخبز ويبدأون رحلتهم اليومية، توزيع الخبز على من يحتاجه من دون مقابل .

إنهم شباب وصبايا الرقة العاملين بالاغاثة.

إعلام

عندما قصف النظام مديرية تربية الرقة وحدثت تلك المجزرة المروعة، كانت تصوّر بكاميرتها ودموعها تنهمر على طول خديها، ثم شوهدت مع جموع الغاضبين تهتف الله أكبر الله أكبر ويا بشار جايينك.

متظاهرة وصحافية وإنسانة، اجتمعن في روح مرهفة واحدة. كاميرات زملائها كانت أيضا هناك وعاينت المجزرة بقلوب واجفة ومن كل الزاويا. التعب باد على وجوههم وعيونهم  تتشهّى النوم. لا وقت للراحة. ركضوا في اتجاهات مختلفة، نعم ركضوا، فأرجلهم وحدها وسيلة نقلهم، وصلوا المكان، انكبوا على كمبيوتراتهم، ضغطوا ما صوره لكي يحمّلوه على”يو تيوب”. الصورة جاهزة والخبر العاجل يحتل الفضائيات.

إنهم صبايا وشباب الرقة، العاملين في الإعلام.

موقع لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى