جولان حاجيصفحات الثقافة

«مهرجان لوديف».. وجدوا الشاعر الألباني علي بودريميا ميتاً بالقرب من جدول


جولان حاجي

شعراء وشوشوا قصائدهم في الآذان وآخرون قذفوها من مدفع

ستجد في مطار مرسيليا سائقاً ينتظرك، رافعاً شعار المهرجان الأصفر اللون. تلقيت هذه الرسالة يوم سفري إلى مهرجان أصوات المتوسط في لوديف بجنوب فرنسا. استوقفني قميص السائق الأصفر قبل اللوحة التي كان يحملها. اسمه كريستوف، والداه من تونس ولا يتحدث العربية. كان الشاعر التركي القبرصي جنان سلجوق قد وصل قبلي. أثناء انتظارنا وصول الشاعر الفرنسي اليوناني ستيفان بابانتونيو، تناول جنان كوب بيرة في الصباح وخرجت أنا لأدخن في ريح البحر الخفيفة والندية. تعرفت إلى ستيفان من خلال صورته المطبوعة في أنطولوجيا المهرجان، وهو يحمل ساطوراً بين كتب ممددة على لوح خشبي وفمه محشو بأوراق ممزقة. قبل أن يغفو جنان على المقعد الخلفي لسيارة البيجو، لم يخفِ ضجره من الطريق الطويل بين مرسيليا ولوديف، وتذكر كيف سقاه أبوه البيرة وهو طفل. تذكر سكرته المبكرة تلك، وكيف ظلت عائلته تتداولها كطرفة أعاد روايتها على مسامعنا.

صباح سفري في منتصف تموز، اشتريت حقيبة كبيرة لأحزم فيها ما تبقى من أمتعتي. مر التاكسي إلى جوار السفارة الليبية في عمان حيث تجمع شبان في مظاهرة صغيرة. في زحام السير، وأبواق السيارات تتعالى أصداؤها في القيظ، انطلقت قنبلة مسيلة للدموع وتقوست لتحط تحت السيارة التي ركبتها. لم نتمكن من إغلاق النوافذ قبل تسرب الدخان إلى الداخل، فبكينا، أنا والسائق، سعلنا وذرفت عيوننا المحمرة دموعاً لم ينفع الماء البارد في إزالة حرقتها. كان وداعاً مسرحياً للأردن قبل حلول شهر رمضان، وختاماً لثمانية شهور أمضيتها هناك. لن أعود هذه المرة، ولن أعيش قلق التوقيف في المطارات وساعاته المديدة، تحت رحمة الأمن الغامضة في مطار الملكة علياء، رحمة لم تشمل كثيرين غيري.

بعد الوصول إلى مكتب المهرجان، أقلني كريستوف إلى أوتيل يهسولوندر حيث تقع الغرفة التي كنت نزيلها أسبوعاً. ألصق عابر ظهره إلى جدار الزقاق لتصعد السيارة، وتبادلا هو وكريستوف ابتسامة وتلويحة سريعتين. سالي، صاحبة النزل، سيدة إنكليزية تعيش في لوديف، هي وزوجها الرسام ديفيد ماكيوان، المستمع الدائم إلى الراديو. نمت ليلة وصولي تحت خريطة دقيقة لجزر الفوكلاند، نمت نوم من يحسب خرير الجدول مطراً خفيفاً. ظننت أن المطر يهطل ناعماً طوال الليل وأنا أتقلب وأصحو مراراً. سألت سالي في الصباح: «أتعرفين ما قاله كاتب أرجنتيني عن جزر الفوكلاند؟» هزت رأسها بالنفي ولمع زجاج نظارتها الكبيرة. أجبت على سؤالي: «حسناً. تلك الحرب صراع بين أصلعين على مشط». أجابتني: «تلك الجزر بريطانية وستبقى كذلك». كانت رسوم زوجها شاهدة كذلك على هذا الزهو الساخر. لوحات واقعية تحسبها مرسومة في القرن التاسع عشر لجنود إنكليز وصيادين على أحصنتهم ترافقهم كلاب سلوقية.

لا قفل للغرفة ولا قفل للباب الخارجي الأخضر. الأمان صريح، ولكن الراحة الحميمة التي قد يمنحها سماع المفتاح وهو يدور في القفل كانت مفقودة. استسلمت، إذ ما الذي سأخسره في النهاية؟ ما الذي سيضيع وينتهك إذا سرقت الأمتعة أو انفتح الباب فجأة؟ لا شيء. بوسعي دائماً البدء من جديد، من دون أي شيء، مثلما كنت أفعل على الدوام وحتى هذه اللحظة. لم أفرغ حقيبتي ولم أضع شيئاً في الخزانة التي لم أفتحها. كانت الفوضى تخجلني فأوارب الباب، وأختار من بين قمصاني غير المكوية أقلها تجعداً. كانت ضوضاء رافعات البناء توقظ جميع النزلاء في الثامنة صباحاً. وسالي تستلهمها، فتصوب ذراعها كبندقية نحو الورشة التي أفسدت الصباحات بضوضاء لم تتوقف إلا في عطلة نهاية الأسبوع.

طاولات النزل تحت الدالية خالية ومغبرة. إلى جوارها بركة صغيرة تسبح فيها أسماك حمراء وسمكة بيضاء. كنت أسمعها تفتح أفواهها على سطح الماء، وأنا لا أصادف احداً تقريباً. لمرة واحدة فقط صادفت مدعوين وزواراً. كان كلبا سالي يتشممانني، كنت أنادي الكلبة البيضاء إيلا باسم سالي أحياناً. أثناء العودة من قراءات القيلولة التي يستلقي الحاضرون فيها بنظارات شمسية تحت مظلات بيضاء ويسمعون الشعر، كنت أسير في زقاق جميل مشمس خالٍ، وفي إحدى المرات كان هناك طفل يصرخ ورائي على الإنترفون، من دون أن يقرع أحد بابهم. كان يحدث الهواء والشمس أو السحلية التي اختفت بين الأحجار عندما أحست بي. أخبرتني سالي إن هناك عريسين شابين سيأتيان في الفجر بعد العرس إلى الغرفة الملاصقة لغرفتي، وقد أعدّت لهما باقة ورد كبيرة. في ذاك الفجر أيقظتني صرخات الشابين اللذين لم أرهما. كانا يهمهمان ويتأوهان وانتهى الأمر بضحكات قلقة من الفتاة. ما عدت إلى النوم، مددت رأسي خارج النافذة ودخنت. استلقيت على أرجوحة الشرفة الخارجية وما أفلحت في أي استرخاء.

لم أكمل أية حفلة موسيقية من حفلات المساء في المهرجان. تسللت مبتعداً عن قرع طبول فرقة التركي برهان أوجال، وأخلت لي الجزائريتان سامية وصافية مقعداً بينهما لأسمع تنويعات على أغنيات جورج براسنس، ثم شكرتهما وغادرت، والجمهور يردد مع الفرقة الأغاني القديمة التي حفظها. وفي حفلة ميسيا لأغاني الفادو التي لم أتذكر منها إلا أماليا رودريغيز ولوعتها، طغى صوت الأورغ الكهربائي على صوت المغنية البرتغالية الطليقة اللسان في الفرنسية. كان هناك مقهى جزائري متاخماً لمسرح الهواء الطلق أمام الكاتدرائية، وبدا لنا إن ثمة عرساً في الجوار. حين خرجت قبل أن تنتهي الحفلة، وجدت المقهى خالياً وثمة امرأة بدينة في فستان طويل مقصب ترقص حافية وحدها.

قرأت الشاعرة الفلسطينية فاتنة الغرة في كنيسة قديمة. اختلط علي صياح الطيور، وما ظننته نباح كلاب وصياح ديكة رومية كان زعيق نوارس بعيدة تعبر أحياناً الفتحة العالية في أعلى الفناء الصغير. قرأ بعض الحاضرين ما كتبوه من نصوص أوحتها إليهم قصائد فاتنة، قرأوا على الدرج ووراء الشجر العالي، بينما حشرات بنية دقيقة تهمي من الغصون والتعريشات وتسير كالشامات على الأذرع وبياض القمصان.

ليلة الافتتاح احتشد جمهور غفير في ساحة لوديف الرئيسية. جلس الشعراء إلى طاولات محجوزة لهم. كان قبالتنا رجل مسن لفت نظري وبر أبيض على أنفه. تذكرته بعد قليل، كان جاك روبو أستاذ الرياضيات والشاعر، ضيف الشرف لدورة المهرجان هذه السنة ومفتتح الأمسية الأولى. كان عضواً مؤسساً في أوليبو (يمكن ترجمة الاختصار إلى «ورشة الأدب الممكن»)، وقد ضمت ريمون كينو وجورج بيريك وإيتالوكالفينو وآخرين، ولا تزال أنشطتها مستمرة إلى اليوم، حيث تنعقد في المكتبة الوطنية بباريس لقاءات المنتسبين، في الخميس الأول من كل شهر.كنت أبذل جهداً لأفهم القليل القليل مما تدور حوله الأحاديث، وأحاول أن أتذكر ما يمكنني تذكره من مفردات فرنسية فأربط بينها عشوائياً، وأنتهي إلى خلاصات لا صلة لها بما يقال حولي. لاحقاً، كنت أبحث عن قراءات قد أصادف فيها مدعوين يتحدثون الإنكليزية، وإن لم يحالفني الحظ، كما حدث في معظم الأحيان، كنت أؤلف في رأسي نصوصاً أخرى لا ألبث أن أنساها.

اختفاء شاعر

بعد نزول جاك روبو، تناوب على اعتلاء المنصة الشعراء والموسيقيون. قرئت القصائد ودارت نقاشات أخفقت في فهمها، ويقدم الجميع الشاعر مارك دولوز أحد منظمي المهرجان. استمعنا إلى شعر أمازيغي قرأه عثمان تزغارت، وقصائد من مالطا للشاعر كارل شيمبري الذي أقام أعواماً في قطاع غزة، وبدا رنين اللغة المالطية عربياً.

تنقل بين الكراسي والطاولات شبان وشابات في ملابس سوداء فاتحين مظلات سوداً وحاملين أنابيب سوداء طويلة ليوشوشوا قصيدة قصيرة في أذن المستمع وينصرفوا صامتين. إحدى الجالسات امتنعت عن السماع لأنها خشيت من مرض قد تنقله أنفاس الموشوشين إلى أذنها. بعد انتهاء القراءات استمرت الموسيقى، وبدأ مدفع في زاوية المنصة يرشق في الهواء قصاصات كثيرة. كانت تديره فتاة ليرش في الريح أسطراً من الشعر تناثرت وتشممها كلب أسود وتعارك على لملمتها بعض الأطفال في البداية، ثم حملتها الريح باتجاه النهر والأزقة وشعور الجالسات وفروع شجر الدلب الضخم. كانت القصائد تهطل على الناس، وعاد الحاضرون أطفالاً لثوانٍ فحسب. القصاصة الأخيرة التي تهادت أمامي كانت تحمل سطراً واحداً قرأت في نهايته اسم هنري ميشو.

جاء رحيل الشاعر الألباني علي بودريميا مفاجئاً ومؤسياً. سمعت نبأ اختفائه ونحن في رتل المنتظرين أمام المطعم في باحة المدرسة الداخلية، وأمامي رشيد بوجدرة. بعد قراءة اليوم الأول، اختفى في 18 تموز ولم يعرف أحد مكانه. هو المولود في كوسوفو، كنت أتطلع إلى لقائه ومحادثته. لكنه لم يكن يعرف أية لغة أجنبية، وكان يحادث الجميع بالألبانية، ويبدو عنيداً ونافد الصبر وملامحه جميلة. شاعر كبير في ألبانيا. يوم اختفائه لم يستوعب أنه متأخر عن القراءة وينبغي عليه اللحاق ببقية المشاركين. كانوا يشيرون له إلى معاصمهم وهو مصمم على الذهاب إلى الفندق ليتفقد شيئاً لم يفهمه أحد. ترجموا له العبارات المطلوبة عبر غوغل إلى الألبانية ولم يقتنع. ثم انصرف واختفى ولم يعد قط. لم يحضر العرض الراقص في أمسيته التالية ولم يوقع كتابه المترجم إلى الفرنسية. رن هاتفه مراراً ولم يرد، وكنا نخشى أن تنفد بطاريته من كثرة الاتصالات. رد في إحدى المرات على ابنه الذي جاء إلى لوديف، ولم يتمكنوا من تحديد مكانه عبر شبكات الهواتف. علقوا صوره إلى الجدران والأعمدة والواجهات، تحدث الناس عنه في المقاهي والفنادق والمطاعم. شاعت قصة اختفائه وتضاربت التفاسير. مرت أربعة أيام قبل أن تحلق الحوامات فوق البلدة بحثاً عنه وتتفقده الكلاب البوليسية. كانت سترته مرمية على أحد الدروب في الجبل، بعيداً عن المعبد البوذي الذي يزوره الدالاي لاما، وأخيراً وجدوه ميتاً بالقرب من جدول في غابة تبعد عن لوديف أربعة كيلومترات. شعر الجميع بالتقصير. لمَ لمْ يستنفر الأهالي والشرطة والزوار والشعراء جميعاً بحثاً عنه؟ لماذا صعد وكيف تاه؟ كنا جميعاً نطرد فكرة موته المشؤومة بسذاجة الأمل، أمل أنه لا يزال حياً. كانت قراءة الشاعر اليوناني نيكولاس إيفادينوس قد انتهت حين دخل رجل خمسيني إلى باحة الفندق الصغير، وعلى عنقه ضماد كأنه قد أجرى عملية جراحية منذ وقت قريب. كان يونانياً يترجم من الألبانية إلى الفرنسية، بكى حين قال: «مات علي». وانصرف على عجل. قيل إن لدى علي بودريميا مشكلة في الذاكرة القريبة، نسي طريق العودة وربما نسي سبب تواجده في بلدة لا يعرفها وأنهكه حرُّ ذلك اليوم، وقيل إنه قد قضى عطشاً إثر التجفاف. كان في احتضاره البطيء بينما القراءات والأمسيات مستمرة في أرجاء لوديف. غاب عن الوعي تحت أشجار الدلب ولم يفق أبداً. في تأبينه الذي جاء في يوم اختتام المهرجان حضر ابنه الذي استمع معنا إلى كلمات القنصل ومدير الشرطة المحلية، يمسح دموعه ولا يصدق ما جرى. بقي دفتر على المنصة ليكتب المشيعون كلمات أخيرة عن رحيل الشاعر الذي لم يصادفه إلا القليلون. كانت منظمات المهرجان، ليتيسياوأماندين ومارين يبكين وقد احمرت أنوفهن، بذلن الكثير في تيسير كل الفعاليات وتسييرها وتغيير بطاقات السفر. كان التنظيم لافتاً ولم أسمع عن هفوات أو تذمر المشاركين من سكنهم مثلما جرى في دورات سابقة.

كيف الحرب في سوريا

مساء الأحد 22 تموز، انتهى المهرجان. بدأت الشوارع والأزقة والساحات تخلو من زوار لوديف وناسها. عادت البلدة إلى هدوئها العميم، بفرنسييها وجزائرييها «الحركيين» المهاجرين منذ استقلال الجزائر. في الصباح كان العابرون يحيوّن الغريب، ويقرأون أحياناً اللوحات الاسمية المعلقة إلى صدور المدعوّين، ويبدو الجالسون في المقاهي كشخوص المنتظرين في لوحات هوبر يتفرجون على فيلم لا يرونه ويشمون روائح الكرواسان والشمام تهبّ في الأزقة. تمشيت وفرانسوا زبال، مدير مجلة «قنطرة» الذي أدار عدة ندوات في المهرجان. مواصلين الأحاديث نتمشى إلى شلال صغير وساحة يرتفع فيها تمثال العذراء الحارسة. كان مقفراً الشارعُ الذي نصبت فيه دور النشر الصغيرة خيامها. تحت تلك المظلات كان الشعراء يوقعون كتبهم على الرصيف، والشاخصات الصفر ذوات الأسهم السود تدلّ إلى الملتقيات والمطعم حيث كان يتلاقى الجميع على الغداء ومعهم قسائمهم ويتحادثون بلغاتٍ شتى، شعراء وممثلين وموسيقيين من حوض المتوسط ورومانيا. تحت الشرائط المعلقة أمام مكتب الإدارة التقيت أطفالاً من راديو محلي، وكان سؤالهم الأول: «كيف الحرب في سوريا؟» كان جلياً أن وسائل الإعلام هنا تتناسى دائماً الأسباب الأولى لنهوض الناس وانتفاضهم في سوريا، فأفرغت الأحداث من محتواها الأخلاقي والإنساني، لتختزلها أخيراً في فوضى النزاعات المسلحة بين «متمردين» وقوات النظام.

واصلنا المشي، مررنا بمحل الشاب المغربي الذي زودنا ببطاقات الهاتف. انحدرنا صوب الجسر الأحمر، والشمس لم تغرب تماماً بعد. أمام جامع الرحمن تفرجنا على حمار جميل يرعى على ضفة النهر. على الضفة الأخرى، حيث مطاعم عشائنا العديدة، التفت النادلات اليافعات حول جوليان ماركلاند، المنتسب إلى أوليبو، يغنين له بالإسبانية، ثم قرأ لهن قصيدة جاك فاليه لجورج بيريك وكل كلماتها مؤلفة من حروف ذاك الاسم فحسب. جوليان شاعر برفورمانس، قرأ مثل الجميع مع ممثلين وموسيقيين، حضر حكايات جميلة حمدان في المتحف وعروض الدمى وجال مع الممثلين في الشوارع وهم يدورون بحقائب سود من رصيف إلى رصيف. كان هناك شعراء شبان كثيرون، وتقريباً نصف المدعوين الخمسين كانوا فرنسيين، وبين الشعراء العرب تغيبت إيتيل عدنان. توالت القراءات في باحات الفنادق والكاتدرائية والمنازل القديمة والساحات. جاءت سيدة من منحلتها بقارورتي عسل صغيرتين إلى الشاعرة المصرية جيهان عمر، بعد أن استمعت إليها في أمسية الشموع قرب النهر. غنى عازف العودالفلسطيني عبد المنعم عدوان مع كورال فرنسيات لا يتحدثن العربية ولكنهن رددن أغنيات سيد درويش وناظم الغزالي.

عبر الجسر الأحمر نفسه كنت أعود كلما تلقيت خبراً عن سوريا. جاءتني رسالة من صديقة تعمل في السكاي نيوز نهار تفجير مبنى الأمن القومي في دمشق. «هل سمعت بما جرى؟» فهرعت إلى غرفتي، ومعي قصائد مقاتلي طالبان التي أعارني إياها الشاعر المالطي وأوقفني مراهق ناولته سيجارة وأشعلتها له. كنت أعود لأتصفح مواقع الإنترنت لأنني لم أصادف أي تلفاز. وأحياناً كنت أرافق في العودة الشاعر الليبي عبد الدائم القواص، الجراح المقيم في إنكلترا، وإحدى عاداته في كل مدينة يزورها للمرة الأولى هي العودة باكراً إلى سكنه. تأخرنا في إحدى المرات، ارتاب بشبان ضاحكين يشربون البيرة في العتمة على جسر المشاة الروماني، فآثر أن نعود عبر الجسر الآخر الآمن والواضح. حدثني عن ليبيا مقارناً إياها بسوريا، وأسهب في الشرح والمقارنات.

كانت حقائبنا تنتظرنا في الغرف، ونحن نرتب قصاصات عناوين من تعرفنا إليهم وأرقام الهواتف التي تبادلناها، ونتأهب للمغادرة. أخاف الحمار عجوزاً لم يجرؤ على نزول الدرج، وأطعمته طفلة حفنة عشب. الحمار الفتي المربوط لم يدعه الحبل يقترب أكثر ليأكل العشب وراء المنصة التي ارتقاها العازفون والمغنون والشعراء.

(لوديف)

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى