صفحات العالم

مواصفات الدولة الفاشلة… كيف ننقذ سوريا من التحول الى صومال ثانية/ د. عبد الحميد صيام

ليس هناك تعريف متفق عليه تماما للدولة الفاشلة، لكن هناك شبه اتفاق بين علماء السياسة والاجتماع على أن الدولة الفاشلة هي تلك التي لا تمارس سيادة كاملة على الأرض والشعب، ويظهر هذا الفشل في مجموعة من المؤشرات أهمها: فقدان السيطرة على جزء من الأراضي الخاضعة للدولة، وفقدان التفرد في حق استخدام القوة، وانهيار جزئي أو شامل في تقديم الخدمات الأساسية، وتعطل كامل أو جزئي لعمل مؤسسات الدولة والفشل في إلزام أجزاء من الشعب بتنفيذ قرارات الحكومة المركزية وانتشار الفساد بشكل لا يعود خاضعا لللسيطرة، وانتشار الهجرة الجماعية أو التشرد داخليا وانتشار الجرائم المنظمة وغير المنظمة واختراق القانون بشكل جماعي. ومع أن سوريا تنحدر سريعا نحو تلك المواصفات إلا أن هناك فرصة ولو قصيرة لحمايتها من الانزلاق النهائي، وهذا يتطلب جهودا محلية وإقليمية ودولية متناغمة ومتوازنة وجادة قبل فوات الأوان. ولعل مؤتمر جنيف 2 يمثل بصيص أمل خافتا وجسرا أخيرا يمكن للأطراف عبوره نحو حماية سوريا الوطن والشعب والتاريخ والحضارة والمستقبل من تلك الاحتمالية القاتلة في حالة فشل المؤتمر.

مؤشر الدولة الفاشلة

تنشر مؤسسة ‘صندوق السلام’ ومقرها واشنطن العاصمة منذ عام 2005 مؤشرا سنويا تحت مسمى الدول الفاشلة، ويشمل 178 دولة مرتبة بطريقة عكسية بحيث تحتل الدولة الأكثر فشلا في العالم المرتبة الأولى وهي الصومال، تليها الكونغو فالسودان ثم جنوب السودان وصولا إلى الرقم 178، الذي تحتله فنلندا تليها عكسيا السويد فالنرويج. ويستخدم المؤشر 12 بندا تشمل معطيات سياسية واقتصادية واجتماعية وخدماتية وأمنية وقانونية وترفيهية وحقوق إنسان وغير ذلك. وتعطي علامة من 1 إلى 10 لكل فئة، ويمثل الرقم عشرة الفشل التام .

فبينما يصل مجموع علامات الصومال إلى 113.9 من 120 ينخفض مجموع علامات الدولة الأفضل في العالم فنلندا إلى 18 علامة فقط. وقد جاء ترتيب دولة قطرالأفضل من دول المجموعة العربية على المؤشر لتحتل الرقم 143 تليها الإمارات في المرتبة 142 فعُمان في المرتبة 136 فالبحرين 133 فالكويت 127، فالسعودية 102، فالأردن 87، فتونس 83، فليبيا 54.

أما مصر فقد انزلقت إلى المرتبة 34 لتدخل منطقة الخطر المرسوم باللون البرتقالي، وتقع سوريا في نفس منطقة الخطر، لكن أقرب إلى الدولة الفاشلة حيث تحتل المرتبة 21 بينما دخلت أول 16 دولة منطقة الفشل شبه الشامل أشير إليه باللون الأحمر ومن بينها العراق في المرتبة 11 واليمن في المرتبة 10 والسودان في المرتبة 3، وكما أسلفنا ظلت الصومال تتربع على قمة الدول الفاشلة لست سنوات على التوالي.

سوريا والانزلاق إلى منطقة الخطر

مراجعة لوضع سوريا في العقد الأخير يشير بوضوح إلى أنها شهدت انتكاسة كبيرة عام 2005 فوصلت المرتبة 29 على سلم الدول الفاشلة، مما يذكرنا بطريقة انسحابها من لبنان بعد التهديد باستخدام القوة وبعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وإغلاق مصدر كبير للدخل أثناء الوجود السوري في لبنان وانعكاس ذلك على الوضع الداخلي وتفاقم الأزمة بين سوريا والعراق من جهة، وبين سوريا والولايات المتحدة من جهة أخرى، بعد اتهامها بتسهيل مرور المقاتلين من أراضيها إلى العراق. لكن سوريا بدأت تسترد شيئا من عافيتها ببطء فوصلت المرتبة 40 عام 2007 وصعدت إلى المرتبة 48 عام 2010 وحافظت على نفس المرتبة لعام 2011 ثم بدأ الانزلاق السريع عام 2012، حيث وصلت إلى المرتبة 23 وتابعت الانزلاق خلال عام 2013 ولكن بدرجة أبطأ كثيرا، حيث استقرت في المرتبة 21 كما أسلفنا وهي منطقة الخطر. ونستطيع تفسير وضع سوريا المتقدم عام 2010 بسبب تحسن علاقاتها الدولية ورفع بعض العقوبات عنها والانفتاح الشامل على تركيا وإلغاء التأشيرات بين البلدين وتوقيع أكثر من 36 اتفاقية تجارية واقتصادية واستثمارية وغير ذلك.

وفي عام 2012 كان العام الأسوأ للنظام، حيث فقد السيطرة على أجزاء مهمة جدا من مظاهر السيادة وزادت وتيرة اللجوء والتشرد وفاضت البلاد بالمجموعات المسلحة التي تتحدى سيادة الدولة، واقترب الاقتصاد من الانهيار بعد فرض العقوبات الأمريكية الأوروبية والعربية، لولا الدعم الإيراني خاصة. لكن حركة الانهيار التي شهدتها الدولة عام 2012 تباطأت كثيرا مع أن المؤشر ما زال متجها إلى الأسفل.

لقد استطاعت الدولة المركزية بمساعدات خارجية أن تسترد شيئا من سيادتها، إلا أن شروط السيادة الكاملة ووقف الانحدار وإعادة الخدمات ووقف الهجرة والتشرد كلها ما زالت بعيدة المنال لغاية هذه اللحظة.

وفي تفاصيل المؤشر حول سوريا جاء انهيار الأمن في قمة الهرم، حيث أعطي علامة 9.8 من مجموع 10 يليه شرعية الدولة 9.6 فاستمرار تدفق اللاجئين والمشردين وانتهاك حقوق الإنسان وسيادة القانون 9.5، بينما حل انتشار الجماعات المسلحة وعمليات الانتقام إلى 9.3 والصراع القائم على أساس طائفي 9.2، بينما أعطيت فئة التدخل الخارجي 8.1 وانخفضت علامة انهيار الخدمات إلى 7 والضغط السكاني إلى 5.6.

مؤتمر جنيف ومحاولة إنقاذ سوريا

اعتمادا على هذه الأرقام نستطيع أن نصل إلى نتيجة خطيرة تؤكد أن سوريا تقف الآن على حافة الانهيار كدولة مستقلة تمارس سيادتها على الأرض والشعب. وإذا ما استمرت مؤشرات الانهيار في تصاعد فليس هناك إلا أحد احتمالين: الانقسام إلى عدة دويلات أو استمرار الحرب الأهلية ومن ثم الوصول إلى مرحلة الدولة الفاشلة التي لا تسيطر إلا على بعض الجيوب هنا أو هناك، بينما تستمر المعارك إلتي ستسجل عددا من الهزائم والانتصارات بين المجموعات المتناحرة بهدف التصفية الجسدية الشاملة لبعضها بعضا.

نعتقد أن باب الخلاص ما زال مفتوحا لكنه ضيق جدا. وهذه ليست مسؤولية الطرفين المتنازعين اللذين يتحاوران تحت مظلة الأمم المتحدة، بل مسؤولية دولية وإقليمية. ويتصدر المشهد أساسا طرفان دوليان وطرفان إقليميان، الولايات المتحدة وروسيا من جهة وإيران والسعودية من جهة أخرى. بقية الدول قد تساهم أو تساند في الحل مثل تركيا لكن الاتفاق الحقيقي والواقعي يجب أن يتم بين المجموعتين ومخـــطئ، في رأينا، من يعتقد أن اتفاقا حول سوريا قابل للتنفيذ والالتــــزام به إذا لم تضمن هذه الدول تنفيذه. لقد خرجت الأزمة السورية من كونها صراعا بين حاكم ظالم وشعب مقهور لتصبح حروبا بالوكالة يختلط فيها الحابل بالنابل، لا تعرف العدو من الصديق ولا المجرم من البريء ولا من قلبه على سوريا أو من عينه على صفقات التمويل والاتجار والثروة السريعة.

وللتذكير فقط، عندما اتفقت الولايات المتحدة وروسيا إضافة إلى الاتحاد الأوروبي لانهاء الصراع في البوسنة والهرسك، عقدوا مؤتمر دايتون (أوهايو) ولم يغادر وزير الخارجية الأمريكي وارن كريستوفر بين 1 و21 نوفمبر/تشرين الثاني 1995 إلا بعد أن وقعت الأطراف الثلاثة الاتفاق. قال كريستوفر مخاطبا ميلوسوفيتش لن تخرج من هذه القاعة إلا بعد التوقيع. وهكذا كان وانتهت حرب البوسنة الدموية. الشيء الجلي للقاصي والداني أننا لا نرى كثيرا من الجدية والانخراط في العملية السياسية المستمرة في جنيف من قبل الدولتين الراعيتين للمؤتمر، وكأن السيد الأخضر الإبراهيمي سيحقق المعجزات.. ربما هذا هو المقصود. ولكن إذا ما استمر هذا التلكؤ وانهارت المفاوضات وعاد كل إلى خندقه سيأتي يوم ليس ببعيد يتذكر الفرقاء هذه الفرصة التي أضاعوها ويندمون كثيرا ‘ولات ساعة مندم’.

‘ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى