حسين عبد العزيزصفحات سورية

مواقف أوروبية جديدة/ حسين عبد العزيز

 

 

تؤكد التطورات الحاصلة على صعيد المواقف الأوروبية من الأزمة السورية أن مسألة مصير الأسد قد تم تجاوزها، على الأقل في المرحلة الانتقالية، وبذلك، تكون الدول الأوروبية الفاعلة قد موضعت نفسها في إطار المدرسة الواقعية التي تتعامل مع المسائل السياسية في إطار فن الممكن، لا في إطار ما ينبغي أن يكون.

لا يتعلق هذا التحول بارتفاع معدلات اللجوء إلى أوروبا، ولا بالتطورات التي أحدثها التدخل العسكري الروسي في سورية فحسب، وإنما أيضا هو حصيلة نقاش أوروبي ـ أميركي ـ روسي، مستمر منذ أشهر، مع الانعطافة التي أحدثتها الإدارة الأميركية من الأزمة السورية في منتصف إبريل/ نيسان الماضي، حين أعلن وزير الخارجية، جون كيري، أن الحل في سورية يتطلب، في نهاية المطاف، التفاوض مع الرئيس بشار الأسد.

بدأت العواصم الأوروبية، أخيراً، تميل إلى الطرح الروسي، فالأولوية الآن ليست للترف السياسي، وإنما لوقف الإرهاب والمعاناة الإنسانية التي تخطت الحدود الجغرافية السورية، وتوصل الأوروبيون إلى قناعة أن محاربة تنظيم داعش تتطلب حضوراً عسكرياً على الأرض، بعكس التوجهات الأميركية التي ترفض أي تدخل عسكري بري في سورية.

ولمّا كانت الدول الأوروبية الكبرى غير قادرة على القيام بعمليات عسكرية برية خارج حدودها، من دون غطاء أميركي، فقد وجدت في التدخل العسكري الروسي فرصةً لا تعوّض لإلحاق هزيمة بـ “داعش”، بعدما فشل التحالف الدولي، طوال عام، من تحقيق إنجاز عسكري مهم، وليس أدل على ذلك مما أعلنته المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بداية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أن الحرب المستمرة في سورية يمكن إنهاؤها فقط بمساعدة روسيا.

تنظر هذه العواصم إلى التدخل الروسي في سورية من منظار مختلف عن التدخل الإيراني، روسيا دولة كبيرة على المسرح الدولي، وقوة فاعلة في رسم السياسات الدولية، وتشترك مع الغرب في قضايا كثيرة، على الرغم من تباينات كثيرة بينهما، ومن هنا، الدعوات الغربية إلى ضرورة التعاون بين الدول الغربية وروسيا في سورية، بحيث يكمل كل من الدورين بعضهما.

وبغض النظر عن التباينات البسيطة بين المواقف الأوروبية، حيال التعاطي مع الأزمة السورية، تبدو القارة الأوروبية، بمجملها، متفقة على إنضاج حل سياسي، يتوازى مع محاربة الإرهاب، من دون الدخول في تجاذبات دولية وإقليمية، من شأنها أن تؤزم الصراع أكثر مما هو عليه.

لكن أوروبا التي ترفض استثمار الأزمة السورية لأغراض سياسية كانت حريصة على ضرورة تمييز مواقفها عن موسكو، فهي، وإن بدت راضية بالطرح الروسي في ضرورة إشراك الأسد في عملية محاربة الإرهاب، أظهرت، في المقابل، قربها من الرؤية الأميركية، فيما يتعلق بالصيغة النهائية للتسوية السياسية، ودور الأسد في مستقبل سورية، وهو ما عبرت عنه ألمانيا، على لسان وزيرة الدفاع، أورزولا فون دير لاين، حين استبعدت أن يكون الأسد جزءاً من الحل على المدى الطويل، وما أكدته باريس أنه لا مكان للأسد في سورية المستقبلية.

تقوم المقاربة الأوروبية، لا سيما الفرنسية ـ البريطانية، على الجمع بين الموقفين، الروسي والأميركي: لا مانع من بقاء الأسد ضمن المرحلة الانتقالية، إذا كان بقاؤه ضرورة لمحاربة الإرهاب. لكن، من دون أن يعني ذلك أن الأسد جزء من مستقبل سورية.

ولا يستقيم الحل النهائي لهذه الأزمة المعقدة إلا بتسلم شخصيات جديدة من طرفي الأزمة مقاليد الحكم، والانتقال بالبلاد نحو صيغة الحكم الديمقراطي، ليست انفراداً أوروبياً، حيث تشير المعطيات وتصريحات المسؤولين الغربيين والروس إلى أنها صيغة متفق عليها، على الأقل، في هذه المرحلة، مع تباينات بسيطة، ما لم تطرأ تغيرات جديدة، قد تقلب كل هذه التفاهمات. غير أن مشكلة الخط السياسي الأوروبي الواقعي هذا أنه سيدفع النظام السوري وحلفاءه إلى التشدد أكثر، واعتباره نصراً يجب ترجمته في اتفاق سياسي، يأخذ بالاعتبار تطورات سورية داخلية وخارجية، بعيد الانكفاء الأميركي الواضح عن الأزمة السورية، لينتقل الصراع بذلك من منطق الحقوق إلى منطق القوة والمصلحة.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى