صفحات العالم

مواقف غربية تشجع الأسد على رفض التسوية حرب استنزاف طويلة وتهديد لدول الجوار

روزانا بومنصف

اعلنت بريطانيا منتصف هذا الاسبوع تخليها عن خطط لتسليح المعارضة السورية بالتزامن مع عدم اخفائها الاعتقاد بان الرئيس السوري بشار الأسد قد يبقى في منصبه لسنوات، وان مؤتمر السلام لانهاء الصراع اي مؤتمر جنيف 2 قد لا يعقد قبل السنة المقبلة، اذا انعقد اصلاً. وليس غريباً بالنسبة الى المراقبين المتابعين الموقف البريطاني او الموقف الفرنسي المماثل بعدما اعلنت فرنسا بدورها انها غير متحمسة لتسليح المعارضة خشية وقوع الاسلحة الثقيلة والنوعية في يد المتطرفين في ظل عرقلة الكونغرس الاميركي لخطط الرئيس الاميركي باراك اوباما مد المعارضة السورية بالسلاح. كما ليست غريبة بالنسبة الى المراقبين انفسهم المواقف الاوروبية التي تنعى مؤتمر جنيف 2، وترجح استمرار الحرب في سوريا لسنوات، وكذلك الاسد بعد موقف اعلنه رئيس هيئة الاركان العامة في الجيش الاميركي الجنرال مارتن ديمبسي منذ نيسان الماضي بأن هناك مخاوف من استمرار العنف في سوريا لعقود وهو اختلف مع وزير الخارجية الاميركي جون كيري المحبذ توجيه ضربة عسكرية لقوات النظام السوري. اذ ان الولايات المتحدة تبقى هي الدينامو المحرك للدول الاوروبية التي لا يتوقع ان تخرج عن السقف الذي تحدده واشنطن في هذا الاطار، فيما يظهر الاوروبيون تراجعهم عن مبادرات او فشلهم في تسويق اخرى في هذا السياق، علما ان ادارة الرئيس باراك اوباما ليست فاعلة على خط دعم المعارضة حتى بعد اعلان الرئيس الاميركي قبل شهر تماما في 19 حزيران الماضي ان ” الاسد جلب الفوضى واراقة الدماء الى سوريا ولا يمكن ان يسترد الشرعية”، او بعد تيقن الغرب من استخدام النظام السوري غاز السارين ضد شعبه.

ادرك زعماء لبنانيون قبل غيرهم ان سوريا دخلت حرباً طويلة جداً لن تنتهي في سنة او سنتين على ما كان اشاع الغربيون، ولعل ذلك يعود الى خبرتهم بالاستنقاع الدولي للوضع اللبناني طيلة 15 عاماً قبل انهاء الحرب اللبنانية، والى معرفتهم الوثيقة بالنظام السوري وتشبثه بالسلطة تاريخياً لاعتبارات مختلفة. الا ان المراقبين المتابعين يعيدون هذا المنحى المتحفظ الى توظيف الغرب الطارىء المتمثل بالتطورات الخطيرة التي تفاعلت في مصر منذ نهاية الشهر الماضي والقلق الكبير الذي اثارته ولا تزال تثيره نظراً الى ما تمثله مصر من موقع استراتيجي في المنطقة بحيث فرض الوضع المصري تراجعا للموضوع السوري في سلم الاولويات، اذ له اثره البالغ، خصوصاً ان للتداعيات المصرية انعكاساتها ايضاً على المنطقة بما فيها الوضع السوري وما لم تستقر الحال في مصر فمن الصعب بالنسبة الى هؤلاء الانصراف الى التركيز على الوضع السوري الذي يراوح مكانه من جهة، فيما يشكل الحل في مصر مفتاحاً اساسياً يمكن ان يساعد في اتجاه سوريا من جهة اخرى. لكن الاهم ان هؤلاء يعيدون هذا المنحى في الموقف الغربي الى فشل التوافق في مؤتمر الدول الثماني الصناعية الكبرى الذي انعقد الشهر الماضي وتمحور البحث فيه من بين ما تمحور حول سوريا ومصير الاسد وسط خلافات ظلت قائمة بين الدول الغربية وسوريا واطاح احتمال انعقاد مؤتمر جنيف 2، مما رجح احتمال ترك الاسد يكمل ولايته حتى السنة المقبلة وعدم مفاوضة روسيا على رحيله قبل اوانه باعتبار ان ذلك قد يفتح الباب لاحقاً على حلول اكثر سهولة. كما يعيدها البعض الى واقع التهديدات العملانية التي يقوم بها النظام بالتنسيق والتعاون مع ايران وامتداداتها في لبنان او في العراق لجهة الفرز السكاني وتلويحه بالدولة العلوية البديلة في حال تسليح المعارضة وفق الحرب التي خاضها “حزب الله” في القصير، وراهناً في حمص، بما يسمح للنظام بضمان خط المنطقة التي سيخضعها لنفوذه حتى لبنان او من خلال تشجيعه الاكراد بالتوجه نحو الحكم الذاتي على الحدود قرب تركيا على ما راج في الايام القليلة الماضية.

وتقول مصادر ديبلوماسية على صلة بمؤتمر جنيف 1 ان الغرب بمواقفه الجديدة حول سوريا انما يقر انه اخطأ في تقدير الأمور، مما انعكس سلباً على الدول الغربية بظهورها مظهر المخطىء في تقدير الوضع من جهة، والعاجز عن معالجته او تنفيذ دعواتها لتنحي الاسد من جهة اخرى. لكن الاسوأ بالنسبة الى هؤلاء ما توحيه الدول الغربية في مواقفها الراهنة وتنبؤاتها باحتمال استمرار الحرب في سوريا لسنوات عدة، والذي مفاده ان الرهان على تفاهمات محتملة في قمة اميركية روسية مرتقبة في ايلول المقبل تبحث الوضع في سوريا وربما تصل الى نتيجة ما هو في غير محله، وكذلك الرهان ايضاً على ان مؤتمر جنيف 2 لا يزال ممكناً في هذا الاطار، فضلاً عن ان التذرع بأن سوريا باتت مرتعاً للأصوليات المتطرفة وفق ما يخدم وجهة نظر النظام فيمنع تسليح المعارضة بالاستناد الى هذه الذرائع فانما يفتح الباب على احتمالات شتى.

هذا الكلام الغربي يؤدي على الاقل في المعنى المباشر الى الآتي: اولا تعزيز النظام اوراقه وموقعه من خلال الاستفادة من عدم تسليح الغرب المعارضة في مقابل تلقيه الدعم المتواصل من حلفائه مما يشجعه على الاستمرار في رفض شروط التسوية وجعلها اكثر فاكثر بعيدة المنال، بحيث قد لا تحصل مع انتهاء ولاية الاسد السنة المقبلة على الارجح باعتبار انه سيسعى الى البقاء في منصبه عبر التذرع بصعوبة اجراء الانتخابات او بانتخابات شكلية على غرار تلك التي يجريها عادة، هذا في حال لم تفتح الازمة السورية المنطقة على تغييرات جيوسياسية تعيد النظر في تركيبتها الحالية. ثانياً ان سوريا مقبلة على مرحلة طويلة من الاستنزاف الدموي والمراوحة العسكرية في ظل ثقة لدى الغربيين، بأنه ايا يكن الدعم الذي يمكن ان يتلقاه الاسد من حلفائه، فانه لن يحكم سوريا او يسيطر عليها مجدداً وهو ان فعل فانه سيرتكب مجازر في حق معارضيه تماماً كما يخشى ان يفعل معارضوه اذا استطاعوا الانتصار عليه. ثالثاً ان دول الجوار السوري ستبقى ضمن دائرة الخطر الشديد بفعل تداعيات الحرب الاهلية السورية ، كما خلص الى اعتبارها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اخيراً في معرض تحذيره من حرب أهلية في مصر مماثلة للحرب في سوريا، كما قال، وايضا بفعل الصراع الاقليمي والدولي في سوريا. وهذه التداعيات لم تعد تقتصر على حركة النزوح الكبيرة للاجئين السوريين التي تلقي باعباء ثقيلة على دول الجوار، بل تهدد بخطر التغيير الديموغرافي في هذه الدول ايضاً.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى