صفحات الرأي

موت الكتاب الإسلامويّ/ حازم صاغية

 

ترافقت الدعوات السياسيّة والإيديولوجيّة الحديثة مع ظهور كتاب أو مجموعة كتب تشرحها وتنشرها وتحاول استقطاب الناس على أساسها. وعلى رغم الفوارق الكثيرة بين الأديان وهذه الدعوات “الحديثة”، بقي وجود “الكتاب” أمراً مشتركاً.

ولم تشذّ الحركات السياسيّة الإسلاميّة منذ انطلاقتها في 1928، مع تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، عن هذا. صحيح أنّ المؤسّس حسن البنّا لم يؤلّف كتباً، إلاّ أنّ الكثير من إرشاداته ورسائله جُمعت في كتب وزّعها أتباعه. وما لبثت الحركة الإخوانيّة في مصر أن عرفت كتّاباً مؤثّرين كعبد القادر عودة في الخمسينات، ومن بعده سيّد قطب وشقيقه محمّد قطب في الستينات. ولئن ترك عودة كتباً في القانون من وجهة نظر إسلاميّة، فإنّ كتب سيّد قطب، لا سيّما منها “معالم في الطريق”، ألهمت أجيالاً من الإسلاميّين المتطرّفين والتكفيريّين.

وخارج مصر، ظهر كتّاب ودعاة إخوانيّون كمصطفى السباعي ومعروف الدواليبي في سوريّا، وفتحي يكن في لبنان وسواهم. وقد وُجد على الدوام مشايخ – كتّاب مقرّبون على نحو أو آخر من الإخوان المسلمين، خصوصاً منهم الشيخان المصريّان محمّد الغزالي ويوسف القرضاوي.

وخارج العالم العربيّ، يندرج في الخانة هذه الهنديّ (ثمّ الباكستانيّ) أبو الأعلى المودودي، مؤسّس “الجماعة الإسلاميّة” في الهند، والداعية الهندي أبو الحسن الندويّ. وقد بات معروفاً تأثير كتابات هذين الاثنين على سيّد قطب الذي أخذ عنهما آراءهما المتطرّفة في الحاكميّة والجاهليّة.

ويصحّ الأمر نفسه في الإسلام الحركيّ الشيعيّ، حيث ترك آية الله الخميني والعراقيّ محمّد باقر الصدر والمرجع اللبنانيّ محمّد حسين فضل الله وسواهم عديد الكتب التي تنقل تأويلهم للدين وتشرح نظرتهم في السياسة ومواقفهم من الأطراف والآراء السائدة أو المنافسة لما يدعون إليه.

وحين يقدم دعاة إسلاميّون، سنّة أو شيعة، على إصدار كتب، علماً بوجود الكتاب الدينيّ كمصدر أصليّ، فهذا ما يعني ضمناً أنّ ثمّة ما ينبغي قوله ممّا لم يُقل قبلاً، وأنّ ثمّة مسائل مستجدّة مطروحة ينبغي اتّخاذ الموقف منها. فالحركات السياسيّة والحزبيّة الإسلاميّة، التي ظهرت على امتداد القرن العشرين، حاولت، مثلها مثل سائر الأحزاب “الحديثة”، أن تقدّم نفسها حاملةً لأفكار تزعم أنّها جديدة، كما حاولت أن تُقنع آخرين بها، وتتنافس مع قوى وتيّارات أخرى حولها.

وهذا ما يختفي اليوم، أو يكاد، مع الحركات الإسلامويّة النضاليّة التي لم يعد الكتاب يشكّل أيّ هاجس من هواجسها. وربّما باستثناء “إدارة التوحّش” لأبي بكر ناجي، وهو الملتبس الأصل والضيّق الانتشار، لم يُعرف عن الحركات الجهاديّة والتكفيريّة أيّ كتاب تداولته الأيدي والمكتبات أو وسائط التواصل الاجتماعيّ.

فهذه الأخيرة غير معنيّة بأن تنافس حركات أخرى على قلوب الناس وعقولها، كما أنّها عديمة الاكتراث بالاقناع أو بإعداد الكوادر تربويّاً وثقافيّاً بما يلائم نشر الدعوة وتوسيع رقعة القائلين بها. والحال أنّ العنف أضحى، على يدها، الأداة الفضلى لنقل الدعوة هذه، بما فيه من بثّ للخوف على نطاق واسع، كما باتت الفتاوى السريعة، التلفزيونيّة وغير التلفزيونيّة، تضطلع بما كان يضطلع به الكتاب، علماً باتّساع دائرة التشكيك بمدى متانتها الفقهيّة.

وهو تطوّر يشي بأنّ تفسّخ المجتمعات العربيّة الملازم لصعود الحركات الإسلامويّة العنفيّة، إنّما فسّخ أيضاً الأحزاب والحركات ذاتها فيما ضيّق إلى أبعد حدود التضييق هامش العمل العقائديّ والنظريّ لديها. وهو ما يوحي بنهاية غير سعيدة، قد تأتي عاجلاً وقد تأتي آجلاً، لحركات ولدت من رحم التفسّخ الاجتماعيّ، وعملت على توسيعه، إلاّ أنّها في هذا التفسّخ نفسه سوف تموت.

فموت الكتاب الإسلامويّ دليل لا يخطئ إلى مصير الإسلامويّين الذي قد يكون محتوماً، من دون أن يفضي ذلك بالضرورة إلى ضوء في آخر النفق.

موقع 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى