صفحات الناس

“موت في البحر”: “الغارديان” تُشرك العالم في مأساة السوريين/ بتول خليل

 

 

معاذ، مجد، رشا، كنان، وخالد، خمسة أصدقاء فرّوا في آب/أغسطس الماضي من سوريا التي مزقتها الحرب، للشروع في رحلة محفوفة بالمخاطر للوصول إلى أوروبا. حالهم حال الآلاف من السوريين ممن استقلوا قوارب الموت سعياً نحو البلد الحلم: السويد. قصة هؤلاء قدّمتها صحيفة “الغارديان” في فيلم توثيقي قصير سجلّ فيه بعض فصول رحلتهم، ونشرته ضمن تقرير يروي حكايا المهاجرين، كنتاج لعمل الصحيفة البريطانية مع فريق من الصحافيين من خمس صحف أوروبية، بهدف تعقّب ما وصفته بـ”ملحمة القرن الـ21″.

“موت في البحر”، عنوان وضعته “الغارديان” للفيلم الذي صوّرت مشاهده بكاميرا الهاتف المحمول الخاص بالشاب مجد، أحد أبطال القصة، والذي عمل قسم الوثائقيات في الصحيفة على تحويله إلى فيلم توثيقي قصير من 8 دقائق، يقدّم “مغامرة” الشباب الخمسة بأسلوب سردي. فيروي كل من معاذ، ومجد ورشا تفاصيل الرحلة من سوريا إلى السويد، مرفقة بالمشاهد التي التقطتها مجد، والتي منحت الفيلم قدرة على مضاعفة التأثير في المشاهدين، خصوصاً ممن ينوون أو يخططون لاعتماد طريق الهجرة غير الشرعية للهرب من جحيم الحرب المستعرة في سوريا.

سرد أهوال رحلة الموت، يبدأ من رشا التي تروي كيف باع أهلها منزلهم، لكي تستطيع أن تسافر مع أخيها معاذ، الذي يحكي بدوره عن بحثه عن “مهربين”، ممن قاموا بطمأنته إلى أن الرحلة آمنة والمركب مجهّز بمعدات السلامة. ورغم أنّ صديق مجد حذره من مثل هذه الرحلات، غير أنهم لم يعملوا بالنصيحة وتوجهوا في 16 آب/أغسطس الماضي من سوريا إلى لبنان، حيث استقلوا طائرة متوجهة إلى الجزائر، لتبدأ من هناك أولى فصول رحلتهم، التي اكتشفوا من خلالها احتيال المجموعة التي تولّت تهريبهم، والتي قامت ببيعهم، عند الحدود الليبية، إلى مجموعة أخرى من ثوار الزنتان التابعين للجيش الحر الليبي، بحسب رشا. وبعد إقامتهم لأيام في مكان يفتقر لأدنى متطلبات النظافة والسلامة، نقلهم المهربون الجدد إلى القارب، حيث وجدوا أنفسهم برفقة حوالي 540 شخصاً، على عكس ما وعدهم المهربون، الذين قالوا بأن القارب لا يتسع سوى لـ250 شخصاً وبأنه مزوّد بسترات نجاة. لكن، كما في رحلات الموت المماثلة، كانت النتيجة غرق القارب، ووفاة 200 شخص، بينهم صديقان لمجد ومعاذ ورشا.

الفيلم الذي أتى عنوانه مماثلاً لمئات التغطيات والتقارير التي تروي قصص مهاجرين غير شرعيين، وما واجهوه من مخاطر، لم يقدم جديداً سوى في كونه ينقل الصورة الحية من دون تدخّل القيمين على الفيلم، كما ينقل الرسائل عن ألسنة أصحابها مباشرة. الأمر الذي يجعل الفيلم يتخطّى كونه مادة إعلامية، ليوضع في إطار “توعوي”، ربما آثرت “الغارديان” اعتماده، في تعاطيها التحريري مع هذه القضية الحساسة، باعتبار أنها لم ترفق الفيلم بأي تعليق، بل اكتفت بوضعه في سياق تقرير يستعرض، في أحد أجزائه، أهوال رحلة الهرب من الموت في سوريا إلى احتمال الموت في البحر، في وقت تقدّر فيه الاحصاءات وفاة 3000 مهاجر هذا العام وحده، ممن حاولوا الفرار إلى أوروبا بهذه الطريقة.

وإذ تحيد “الغارديان” عن وضع الفيلم في سياق ترويجي، إثر نشره حصرياً في موقعها الالكتروني، يشعر المشاهد أنها، إلى جانب مهمتها المهنية في كشف تفاصيل هذه المأساة كنموذج لغيرها الكثير من المآسي المشابهة وإطلاع العالم عليها في شكلها المؤنسن، فربما تضطلع بدور المحذّرة من رحلات يائسة، نتج عنها تاريخياً حوالى 20 ألف حالة وفاة لمهاجرين من حول العالم لقوا حتفهم غرقاً بين العام 1988 وآب/أغسطس 2014، وفقاً لدراسة إحصائية أعدّها الصحافي الإيطالي، غابريللي ديل غراندي، مع بعض الصحافيين. علماً أنّ ديل غراندي قام أيضاً بتوثيق واقع رحلات اللجوء غير الشرعية، التي يرافقها الخطر كل لحظة، عبر الفيلم التسجيلي “أنا مع العروسة”، الذي صنعه بالتعاون مع المخرجَين، الفلسطيني خالد سليمان الناصري، والإيطالي أنتونيو آوغوليارو، والذي عرض مؤخراً في “مهرجان البندقية” حيث لاقى تفاعل النقاد والصحافيين، وأثار إشكالية فنية وقانونية أيضاً.

وكما في “موت في البحر”، فإنّ مَشاهد “أنا مع العروسة” كانت حقيقية، نقلت قصص خمسة لاجئين فلسطينيين وسوريين جازفوا بحياتهم في قوارب المهربين ليصلوا إلى السويد، المنفى الحلم، بمساعدة من ديل غراندي، صاحب مدونة “حصن أوروبا” التي توثّق حالات المهاجرين غير الشرعيين، والذي يواجه حالياً عقوبة السجن بعد عرض فيلمه المذكور الذي يصور عرساً مزيّفاً نظمه ديل غراندي بمساعدة أصدقاء له كخدعة لتهريب لاجئين سوريين وفلسطينيين.

وتعدّ السويد الوجهة الأوروبية المفضلة للاجئين السوريين، نظراً إلى المساعدات التي تقدمها للاجئين بشكل عام، إذ شجّع القرار الذي أصدرته السلطات السويدية بمنح السوريين الذين يصلون إلى أراضيها الإقامة الدائمة، أعداداً أكبر من الهاربين من ويلات الحرب على محاولة الوصول إلى الأراضي السويدية. لكن واقع الحال الذي وثّقه فيلم “موت في البحر” وأفلام أخرى، أن الأمر ليس بالسهولة المتخيلة. فالتعقيدات التي يواجهها اللاجئون السوريون في مسألة الهجرة واللجوء، دفعت حركة “من أجل سوريا” إلى إطلاق عريضة إلكترونية يتم تداولها في مواقع التواصل، وتدعو فيها وزراء خارجية الدول الأوروبية، الذين سيجتمعون في 28 تشرين الاول/أكتوبر الحالي في ألمانيا لمناقشة أزمة اللاجئين في العالم، إلى إعادة توطين المزيد من اللاجئين السوريين، مع استخدام صورتين متقابلتين، واحدة بعنوان “أوروبا 1941” والثانية “سوريا 2014”. ما يضعنا أمام نقاش مفتوح حول قضية إشكالية، لا ثابت فيها سوى أن حياة السوريين تبقى على المحك، سواء في سوريا أم في هربهم في قوارب الموت سعياً للجوء إلى أوروبا.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى