صفحات سوريةمصطفى كركوتي

موعد كيماويّ سوري يقترب من نهايته… ما الخطوة التالية؟/ مصطفى كركوتي

تحت وطأة أوجاعهم المأسوية، ثمة سؤال لا بد من أن يطرحه السوريون والرأي العام العالمي أمام القوى المؤثرة في بلادهم: موعد التخلص من السلاح الكيماوي يقترب من نهايته، فماذا أنتم فاعلون؟ السؤال موجه أولاً إلى روسيا وإيران، الطرفين اللذين لولا تدخلهما المباشر لكانت فرص سقوط نظام دمشق قبيل نهاية 2011 كبيرة جداً. فهاتان الدولتان تلعبان دور الحاضنة الفعالة لديمومة النظام السوري، أكان بالسلاح والعتاد و «فيتو» مجلس الأمن بالنسبة إلى الأولى، أم بالمال والطاقة وميليشيا «حزب الله» بالنسبة إلى الثانية.

لكن السؤال الأهم هو الذي يوجّه إلى دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الإقليم الكبرى في الجوار المباشر، تحديداً تركيا والسعودية. فبحسب الديبلوماسية الهولندية، سيغريد كاغ، منسقة الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، عملية تخلُّص سورية من سلاحها الكيماوي البالغ 13 ألف طن، وتدمير 26 موقعاً لتصنيعه، بلغت نهاياتها، على أن تكتمل تماماً وفــــق الاتفــــاق الدولي في نهاية حزيران (يونيو) المقبــل. فـــبعد تلكؤ النظام المتكرر في تنفيذ بنود الاتفاق بحجج سوء الأحوال الجوية والأسباب الأمنية والذرائع التقنية، بقي أمام سلطات دمشق لاستكمال إنجاز النصف المتبقي، أقل من ثلاثة أشهر.

في التفاهمات السياسية الدولية تجري العادة على وضع أسس التحرك نحو الخطوة التالية أثناء صوغ الاتفاق على الخطوة الأولى أو بعده مباشرة. ونفترض أن مثل هذا الاتفاق قائم، ويشكل بنداً مفتوحاً في جدول أعمال لقاءات الوزير جون كيري «المثابر» (وفق وصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس) مع نظيريه الإيراني محمد جواد ظريف والروسي سيرغي لافروف. فأزمة الحرب الطاحنة في سورية دخلت عامها الرابع من دون أن يجد السوريون بارقة أمل في الخروج منها، قبل دمار شامل لبنى الدولة ونسيج مجتمعها الذي قد يؤدي إلى تقسيم سورية أقاليم تخضع لإدارة دول الجوار بإشراف دولي. هذا الاحتمال لم يعد مجرد فكرة خيالية، بل بات ممكن التنفيذ في ظل عدم تغيُر المواقف وموازين القوى الراهنة، ويجري النقاش حول الفكرة وتبادل الآراء في شأنها بين الجوار وبين أعضاء مجلس الأمن زائداً ألمانيا من جهة، وبين الدول الست الأخيرة من جهة أخرى. ومن الطبيعي عندما يلتقي كيري بظريف، أن لا ينحـــصر حديثهما في الموضوع الأساس المعلن، وهو ما إذا كانت لدى إيران خطة لتخصيب اليورانيوم بهدف تطوير أسلحة دمار شامل، بل أن يتسع لقضايا المنطقة الأخرى التي لن يكون الشأن السوري إلا أحد بنودها.

فعندما يُطرح الموضوع السوري لا بد أن يشمل الشأن اللبناني، ليس فحسب بسبب الالتصاق الجغرافي والبشري بين البلدين (والآن الثقل الديموغرافي الذي يمثله العدد المتزايد من اللاجئين)، بل أيضاً نتيجة المساهمة الميدانية والمباشرة لميليشيات «حزب الله» في الحرب السورية، إلى جانب نظام متوحّش باعتراف كل العالم ماعدا موسكو وطهران. وقد عبّر الرئيس اللبناني ميشال سليمان عن تبعات هذه المسألة الخطيرة ليس على لبنان فحسب، بل على بلدان المنطقة كافة، في كلمته المركَّزة أمام قمة الكويت.

هذه الميليشيات، ستذكر كتب التاريخ الأسود للحرب السورية، أنها أعانت نظاماً ضد شعبه بتوجيه واضح من إيران، وكان لها الدور الأهم في ترجيح كفة المواجهة العسكرية لمصلحة عسكر الرئيس بشار الأسد.

إيران كدولة إقليمية كبرى، تكاد تكون الأقوى في الإقليم، لها مصالح وطنية تصوغ سياستها عموماً، سيما الحوار الذي بدأته مع الولايات المتحدة العام الماضي في شأن تخصيب اليورانيوم، على رغم أن واشنطن (ولندن) كانت في تلك الآونة تُعِدُ لضربة ضد مراكز حيوية للجيش السوري. ففي 21 آب (أغسطس) الماضي، قصفت القوات الرسمية سكان منطقة الغوطة المعروفة بجمال جنائنها الخضراء الطبيعية بغاز «سارين»، ما أدى إلى سقوط 1400 قتيل و400 طفل وفقاً لتصريح أدلى به الوزير كيري نفسه.

لكن تدخل لافروف السريع وإخراجه بطاقته السحرية من قبعته بـ «قرار» دمشق التخلص من الكيماوي، حال دون الضربة. وكان لهذا التطور الخاطف أثره السريع والمريح على الرئيس أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، حيث كان الأول يواجه كونغرس متردداً في شأن التدخل، ويواجه الثاني مجلسَ عمومٍ صوّتَتْ غالبيتُه ضد التدخل. وشكّل ذلك التحول منعطفاً محورياً في توجهات الإدارة الأميركية بالنسبة للموقف من الأسد ونظامه، وإن إنعكس ذلك إيجابياً على نسيج الحوار الوليد بين واشنطن وطهران. ويبدو أن الحوار أصبح الآن شاملاً لكل قضايا المنطقة التقليدية والشاملة أيضاً لوضعي العراق وأفغانستان ودور إيران في المنطقة، لاسيما بعد استكمال الانسحاب العسكري الأميركي من هذين البلدين. وظهر ذلك جلياً في شكل عام بعدما كشف الشهر الماضي، وجود لجان ثنائية إيرانية- أميركية سرية تلتقي في سلطنة عُمان على مدى ثلاثة أشهر لمناقشة قضايا «الاهتمام المشترك». وأثار ذلك الكشف، ريبة معقّدة لدى دول الخليج العربية.

الديموقراطيات الغربية أصغت طيّعَةً آنذاك لواشنطن وتراجع بعضها عن دعم المعارضة الوطنية في سورية في حين كفَّ البعض الآخر يده عن مدها بالعون المادي اللازم. ولكن، مع اقتراب انتهاء العد التنازلي لموعد كيماوي الأسد، هل تتخذ هذه الديموقراطيات موقفاً يعــــكس قِيمَ مجتمعاتها العادلة والقائمة على احتـــضان حقوق الإنسان في العيش الكريم، أم يتخاذل سياسيوها مرة أخرى، كما يفعلون الآن إزاء المسألة الأوكرانية، بحجة أن لا مصالح مباشرة لها في سورية النازفة؟

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى