كتب ألكترونية

موقع الثقافة/ هومي  بابا

 

 

يتحدد موقع الثقافة، مع هومي بابا في برزخ الهجنة والتجاذب والانشطار، انطلاقاً من المنظور ما بعد الكولونيالي، أو الأقلوي، أو المهاجر، الذي تعاد منه كتابة تاريخ الحداثة. ويركز هومي بابا عمله على تعيين موقع الثقافة اليوم في الخطوط المتشكلة على حواف التماس بين الحضارات، هناك حيث تنشط الهجنة والبينية وتبزغ هويات جديدة.

وفي استكشاف هذا الموقع الثقافي الهجين، يرسخ بابا موقعاً نظرياً يفلت من قبضة الثنائيات الحدية المتقابلة، بحيث يتقرر معه أن المستعمِر والمستعمَر لا يمكن النظر إليهما بوصفهما كيانين منفصلين يحدد كل منهما ذاته على نحو مستقل، فهو يرى من هذا الموقع الجديد أن هناك تواجهاً وتبادلاً متواصلين يشكلان الهوية الثقافية في فضاء هجين يتيح للاختلاف الثقافي أن ينمو ويعمل على إنتاج معارف جديدة. ومن هذا الموقع، أيضاً، يقر هومي بابا مؤكداً، على النحو السابق نفسه، أن النظرية ما بعد الكولونيالية لا يمكنها العزوف عن بنى المعرفة الغربية، وإن أعملت معول النقد في جلاء عماياتها والكشف عن ضروب انغلاقها.

يقول المترجم في مقدمته: “أن تقرأ هومي بابا يعني أن تمضي حيث تأخذك توني موريسون، ونادين غوردايمر، ومحمود درويش، وديريك والكوت، وعادل جوسّوالا، ونهضm هارلم..، ويعني أن تتواصل وتقطع، في آن واحد، مع فرانز فانون، وميشيل فوكو، وجاك لاكان، وجاك دريدا، وإدوارد سعيد، وجوليا كريستيفا، وفريديرك جيمسون، وريتشارد رورتي…إلخ. وذلك كي تلتقط الوشم الذي تركه كل هؤلاء على هومي بابا، دون أن يحول الوشم بينه وبين نقد أرباب هذه الفروع، أو دفعهم في مسالك ومجاهل ما كانوا ليحلموا بها، فاتحاً حقولاً جديدة للبحث والدراسة، شأنه في ذلك شأن نظيريه الآخرين، فيما يدعى بالثالوث المقدس للنظرية ما بعد الكولونيالية: إدوارد سعيد، وجاياتري سبيفاك، وهومي بابا”.

وإذ يتساءل صاحب “موقع الثقافة” عمّا تعنيه الحداثة بالنسبة إلى من هم جزء منها، لكنهم لأسباب تتعلق بالعرق، أو بالجنس، أو بالموقع الاقتصادي الاجتماعي، تم إقصاؤهم عن معايير عقلانيتها، فراحوا يعيشون بخلاف الحداثة من حيث هم مشمولون بها، فإنه، من ذلك الموقع البيني الهجين، يفتح أفقاً جديداً للنطق النقدي، حيث يعيد الاختلاف الثقافي الإفصاح عن محصلة المعرفة، من منظور موقع الأقلية، الذي يقاوم إضفاء الطابع الكيلاني، دون أن يكون محلياً وخصوصياً، وهو الموقع الذي يمكن، انطلاقاً منه، إنتاج أشد أشكال الثقافة استنطاقاً ومساءلة للحداثة وما بعد الحداثة، وكشفاً عما يتوارى فيهما من توضعات بنى القوة وآليات        الهيمنة.

هكذا تنزع كتابة هومي بابا تلك الألفة عن المصطلحات المتداولة كالتعددية الثقافية، والتنوع الثقافي، وتعدد الهويات..، بحيث لا نستطيع أن نستخدم، من بعد، تلك الكلمات على هذا النحو من البداهة، ذلك أن مصطلحات الهجنة والتجاذب والانشطار، والاختلاف الثقافي (لا التعددية الثقافية)، باتت تشق الهوية، وتجعلها ضرباً معقداً من التقاطع والتفاوض بين فضاءات مكانية، وزمنيات تاريخية، ومواقع للذات متعددة.

وفي الوقت الذي غدت فيه الأفكار الليبرالية عن التعدد والمواعظ ما بعد البنيوية عن الاختلاف أشبه بمصطلحات نهائية في الحكم على مسائل الصراع الثقافي، وفي الوقت الذي تعمد فيه براغماتية جديدة وأصولية سلفية إلى تصنيم ما هو خاص ومحلي، وإلى شلّ إمكانية التفكير بما هو عام، على نحو متزامن مع ارتفاع معدلات تسليع الآخرية من أجل الاستهلاك، ومع صيرورة التداول العالمي للصور والقوالب الثقافية النمطية صناعة كبرى، في هذا الوقت راح هومي بابا يطرح أسئلته العميقة عن مدى كفاية القوالب الخاصة بالتسامح والمدنية، وعن مدى قدرتها على سرد تواريخ عدم التسامح واللامدنية، مما تعرّض ويتعرّض له آخرو المتروبول الغربي من مستعمرين وزنوج ونساء وعمال..، وراح يشدّ القوالب الليبرالية والأصولية والردايكالية إلى الحدّ الذي يجعلها تشفّ عما تخفيه من مركزياتها الأثنية وبلاغاتها الإرادوية.

وبهذا المعنى، فإن عمل هومي بابا ليس مجرد استكشاف لأوضاع البلدان الكولونيالية وما بعد الكولونيالية، بل هو جلاء لديناميات السلطة والإخضاع والمقاومة.

وهو يرى أن أنظمة المعنى والخطاب والحكم تعمل عبر العلاقات الاجتماعية المتجاذبة التي يخلقها فعل الانشطار الاجتماعي والخطابي، وعلى هذا الأساس، فإن إقامة المستعمَر والمضطهَد والأقلوي في التناقض، تتيح له أن يستخدم هذه السيرورة في بناء فاعلية اجتماعية، تتم من خلال التدخل في لغة السلطة، وكشف انشطارها، وإعادة إنتاج تلك اللغة في حالة متبدّلة قليلاً، على نحو يتيح للمضطَهدين أن يعرفوا الاستراتيجيات التي يُضطهدون من خلالها، وأن يستخدموا تلك المعرفة في بناء مقاومة. لأن الاختلافات الطفيفة والانزياحات البسيطة كما يرى هومي بابا غالباً ما تكون العناصر الأشد أهمية في سيرورة الهدم والتغيير.

وأخيراً، فإن هذه الترجمة الرفيعة التي قدّمها الباحث والمترجم ثائر ديب لعمل هومي بابا الضخم والإشكالي والمعقد، بما تمتاز به من دقة وانضباط واستقصاء تنهض به لغته المشرقة، وعبارته البرزخية الكثيفة، المشحونة مفهومياً، إلى الحد الذي يمكنها من مضارعة التأليف، ومن مساوقة مراميه الخاصة وشحناته المركزة في لغة تجلوها وتتنزّل على مقاسها، أقول: كل ذلك لم يمنعه من دفع مقولات بابا إلى حوافها القصوى، ومن التوجيه إلى ضرورة تلقيها بروح نقدية تواجهها بالأسئلة الصعبة، بدلاً من الركون إلى تلقي العمل، على وجاهته وعمقه وذيوع صيته، بنوع من الاستجابة المباشرة والقبول الممتثل، ومن ذلك ما نصّ عليه في مقدمته المشيّدة بقوة واقتدار، حيث يسجل ما يمكن أن يلاحظ على عمل هومي بابا من تصدير للخطاب واللغة على حساب كل ما هو مادي، ومن إعلاء شأن النص والتحليل النفسي السيميائي، الذي تحل آلياته محل الوقائع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتعزل الثقافة عن دورها الاجتماعي والسياسي، وتغرقها في هذا الضرب من مفهوم النصية.

ومما يلاحظ أيضاً أن مفاهيم مثل الهجنة والحدية والتجاذب، تفضي إلى الإعلاء من شأن الأقلوي والمهاجر على حساب الشعوب والأكثريات المظلومة، وتؤدي إلى إنتاج مفهوم للمقاومة والهدم والسياسة، غايته أن يحل محل مفهوم الثورة والتغيير، ذلك أن فكرة هومي بابا عن امتلاك القوة والمقاومة، التي يؤسسها على سياسات النطق والخطاب، تفضي إلى وضع المستعمِر والمستعمَر، والمضطهِد والمضطهَد… إلخ في حالة من الاعتماد المتبادل والتواصل المستمر، من شأنها أن تزيل الاختلاف الاجتماعي المادي بينهما، وتحل محله اختلافاً خطابياً وسيميائياً داخل طرفٍ واحد مكوَّن منهما معاً.

 

 

لتحميل هذا الكتاب من أحد الرابطين التاليين

 

الرابط الأول

 

موقع الثقافة/ هومي  بابا

 

الرابط الثاني

 

موقع الثقافة/ هومي  بابا

 

صفحات سورية ليست مسؤولة عن هذا الملف، وليست الجهة التي قامت برفعه، اننا فقط نوفر معلومات لمتصفحي موقعنا حول أفضل الكتب الموجودة على الأنترنت

كتب عربية، روايات عربية، تنزيل كتب، تحميل كتب، تحميل كتب عربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى