صفحات سوريةهيثم خوري

موقف لا كما يريده أغلب السوريين


هيثم خوري

رتب صديق لي اتصالاً بيني و بين شخص أمريكي ذي أصول سورية، وكان هذا الترتيب بناءً على طلب الشخص الأمريكي-السوري، إذ إن هذا الأخير يريد أن يفتح قنوات تواصل مع المنبر الديمقراطي السوري، ووقع الخيار علي من باقي شخصيات المنبر لأنني أعيش في الشمال الأمريكي، و أعرف عاداته و تقاليده. هكذا جرت محادثة بيني و بين هذا الشخص استمرت أكثر من ساعتين، تكلم فيها هو 90% من الوقت، و كنت في معظمها مستمعاً جيداً بلا مقاطعة.

ابتدأ محدثي بوصف مسيرة العلاقة بين الإدارة الأمريكية و المعارضة السورية منذ بدء الثورة السورية. فتكلم أولاً عن اللقاء الذي جمع عدد من الناشطين السوريين – و من بينهم رضوان زيادة و مرح بقاعي و محمد العبدالله- مع وزيرة الخارجية الأمريكية في أوائل شهر آب من السنة الماضية، و الذي دام دقائق، و أحست كلنتون في نهايته -بحسب محدثي- أنه حديث طرشان، و  خرجت بانطباعاً بأن هؤلاء ليسوا إلى سذج سياسياً كل همهم التخلص من النظام السوري بأي ثمن عن طريق توريط الولايات المتحدة فيه دون حسبانٍ للعواقب حتى لو كانت تفتيت البلد.

هكذا نفضت الإدارة الأمريكية يديها من المعارضين السوريين المقيمين على أرضها، و توجهت إلى فتح قناة اتصال مع مع الأكاديمي الليبرالي المعارض الدكتور برهان غليون، و لكن استجابة هذا الأكاديمي الساكن في مدينة النور للرسائل الأمريكية لم تكن بالمشجعة، و كان هذا مفاجئاً للإدارة الأمريكية.

ثم ازدادت مفاجأة الأمريكيين عندما قبل الدكتور برهان بترأس مجلسٍ يشكل الإسلامانيون فيه أكثر من 60% من الأعضاء.

مع ذلك أعطت الإدارة الأمريكية -أيضاً بحسب محدثي- الفرصة للمجلس الوطني السوري، و لكن فشل المجلس بتنظيم ذاته و انعدام الشفافية في عمله و صراعاته الداخلية و عدم فهمه لطبيعة العلاقات الدولية جعله يفقد رصديه الدولي و خصوصاً لدى الإدارة الأمريكية، و إنتهى الأمر بوصف مسؤول أمريكي لأعضائه بأنهم “يتقاتلون اكثر مما يعملون ولا ينجزون اي شيء”.

عندها سألت محاوري عن رؤية الإدارة الأمريكية لآلية حل القضية السورية، فأجاب أن هناك تيارين يتنازعان على كيفية التعامل مع الملف السوري. التيار الأول هو تيار مستشارو وزارة الخارجية الآتون من مراكز الدراسات اليمينية النزعة كمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، و هؤلاء يدفعون من أجل عمل عسكري في سوريا، بهدف نزع كل وجود روسي و إيراني في سوريا. أما التيار الثاني، فهو تيار الرئيس و مستشاريه ووزيرة الخارجية نفسها، وهؤلاء يرغبون بحل سياسي للقضية السورية، و ذلك بسبب خشيتهم من تفكك سوريا، واضعين نصب أعينهم ما حدث في العراق بعد الغزو الأمريكي له.

ثم أردف أنه من مناصري التيار الثاني، و يعتقد أنه لو وضعت الإدارة الأمريكية كل ثقلها في الملف السوري لدفعت نظام الأسد للرحيل بدون عمل عسكري. و هنا سألت محدثي متعجباً “إذاً ماذا تنتظر الإدارة الأمريكية ؟!” أجاب محدثي إن الإدارة الأمريكية تخشى الفوضى، و هي تنتظر المعارضة السورية لتقوم بالواجب الذي يقع على عاتقها. هنا قاطعته، وسألته مستغرباً “و ما هو هذا الواجب؟!”، فأجاب:

أولاً، وضع تصور للمرحلة الانتقالية أوسع مما قدم في مؤتمر القاهرة، بما فيها تصوراً عن الهيئات التنفيذية و التشريعية و القضائية الضرورية في كل مرحلة من مراحل الانتقال نحو الدولة الديمقراطية المنشودة، و أيضاً وضع تصورات من أجل إحلال الأمن و المصالحة الوطنية و إعادة البناء بعد رحيل النظام.

و ثانياً، تشكيل حاضنة سياسية مقبولة شعبياً و لديها الكفاءة لتأخذ على عاتقها هذا المشروع. لهذا فإن هذه الحاضنة يجب أن تمثل جيداً مكونات الشعب السوري، و التي تشكل المعارضة المنظمة ( بما فيها المجلس الوطني  و هيئة التنسيق) فقط  30% منها. ال 70% الباقية هي بقية فئات الشعب السوري من ضباط الجيش الحر و ضباط الجيش النظامي الغير متورطين بجرائم النظام و شباب و سوريين معارضين مستقلين، و برأي بعض الشخصيات الأمريكية فإن هؤلاء الأخيرون هم الأقدر على قيادة المرحلة الانتقالية لأن فيهم طاقات جيدة لم تفسد كما فسدت المعارضة المنظمة من جراء لهاثها وراء السلطة و المال.

عندها عقبت قائلاً: “و هل يعقل أن تترك الولايات الأمريكية الوضع في سوريا يتدهور على هذا النحو –مع أكثر من مئة قتيل و دمار كبير كل يوم- و هي تنتظر معارضة عقيمة؟!” فرد محدثي قائلاً: “الإدارة الأمريكية مستعدة للمساعدة على ترحيل الأسد، و لكنها لا تريد أن ترث فوضى شبيهة بتلك التي شهدتها في العراق بعد رحيل صدام، و هي واثقة أنه لدى السوريون الإمكانية لتجنب هذه الفوضى لو امتلكوا تمثيلاً سياسياً جاداً يضع كل طاقاته و طاقات الشعب في خدمة هذا الهدف، و هي تريد من السوريين أنفسهم أن يجدوا هذا التمثيل”. فقلت لمحدثي: “هل يمكنني أصف هذا التنصل الأمريكي باللاموقف؟!” فقال لي: “يمكنك إذا شئت! و لكنني أنا شخصياً أصفه بأنه موقف لا كما يريده أغلب السوريين.”

و هنا تساءلت في نفسي: ” إذاً، ماذا يريد هذا الشخص من المنبر الديمقراطي السوري؟!”

 كاتب وباحث سوري

كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى