صفحات سورية

مولانا مايكل فليتشر اميرا سلفيا ودوروثي بارفاز وراء جبال قاف

 


أحمد عمر

تظنّ قارئة الفنجان ـ والخوف بعينيها – أنّ القنوات الفضائية ‘المتآمرة والمندسة والسلفية والتخريبية والإرهابية’ استطاعت أن تروّض قليلا، الإعلاميين السوريين ‘المقاومين والممانعين’ الشرسين، وأن تقوم بمعجزة تربيع الدائرة، فبعد شهرين من الديالوغ على الهواء مباشرة كفوا عن الدلع وإدارة الظهر والتخوين.

وبدلا من أن يتمكنوا من إخراج مذيعي الجزيرة من ‘هذه المربعات’ قاموا بتدوير مربعاتهم، فالإعلامي المكلّم شريف شحادة يغازل نجوى قاسم، ربّة الوجه الصبوح، في صبيحة يوم الأربعاء الواقع في السابع من شهر جمادى الآخرة، على الهواء مباشرة، مستبشرا بجمعة اسمها الفني ‘خلصت’، وخالد عبود يخاطب المذيع في قناة العربية، مع كل همسة حب إعلامية بخطاب المودة والندى قائلا: يا صديقي. مذيع العربية صاغ سؤاله بطريقة معلم في المدرسة الابتدائية كلمة كلمة، متحسبا لتهمة التآمر والدسّ والتربيعات، وهو يشفع السؤال بجملة تبريئية معتذرة: هذا السؤال ليس من عندنا، وإنما هو من تقارير منظمات حقوق الإنسان لدن الأمم المتحدة، لكن لأن الطبع غلاب، فقد اتهمه عبود بأن ذاكرته مثقوبة، مما اضطر طاهر إلى الدفاع عن نفسه: عفوا ذاكرتي ليست مثقوبة يا سيد عبود، ولو تعاطى معه بنفس الطريقة لقال له: ضميرك هو المثقوب، مرفقا بجملة يا صديقي لزوم.. المودة والندى. جدير بالذكر انّ شحادة ظل ينكر المظاهرات التضامنية وطالب بمظاهرات ذات طلبات محددة مثل أغنية: هات المجوز يا عبود!

اختفى المتصلون الموالون المتطوعون من الاقنية الفضائية تقريبا وكفوا عن الشتائم السافرة والسوقية، وكنّوا في وكناتهم، ولم اسمع سوى اتصالات عدة من متصلتين في بريطانيا هما سها ورحاب، تظهران واحدة تلو الأخرى، مثل ريا وسكينة، مرة في البي بي سي ومرة في الحوار وأحيانا مرتين في الحصة الواحدة، كأنما يئس الموالون من إقناع الفضائيات بمذهب قناة الدنيا وأسلوبها الإعلامي الفذّ (رشّوهم، اضربوا بيد من حديد..) وقرّوا عينا بقناة النعيم الدائم، قناة الدنيا، التي لا تهتم سوى بالشهداء العسكر، وكأنّ شهداء الشعب هم من.. إسرائيل؟ إنها لا تعرض حتى أسماءهم، وكأنها مسمومة؟ طبعا، تعرفنا إلى أسماء جديدة ظهرت على الشاشة مثل فايز عز الدين، ومن المعارضة صفوح البرازي وهرفين اوسي..

بدأ الإعلاميون الشبيحة حربهم بتهمة فبركة الصور؛ يجب أن تصوّر كل الصور بكاميرات من ماركة ‘التبولة’، ومعها إذن رسمي، وطوابع، وتوقيع المدير العام للتلفزيون… ثم أردفوها بتهمة تلفيق التقارير، ثم بالتآمر والتهويل، ثم وقفوا عند الصور المعروضة: هذه الصورة من الأسبوع الماضي وهذه الصورة قديمة من البارحة. ألف باء الإعلام تقول انه في حال عدم ورود صور جديدة – مفبركة طبعا- يتم إظهار الصور القديمة، يعني على سبيل المثال ليس لملكة تدمر سوى صورة واحدة، إذاً ستعرض هذه الصورة لحين التقاط السيدة زنوبيا صورة جديدة لها! حتى ادونيس، المثقف الوحيد في سورية وسائر المشرق، ادونيس بتاع حصرم نوبل، الثابت عند العلمانية، والمتحول عند الشعب، المفرد بصيغة جمع المذكر الفحل غير السالم، يريد من التظاهرات – مثل أي إعلامي رسمي سوري شبيّح – عدم الخروج من الجوامع، وإنما من المعابد والملاعب والكباريهات. ادونيس لا يعلم أنّ الخدمة في الجوامع مجانية! ولعله يعلم أن المباريات ألغيت وتحولت الملاعب إلى معتقلات، والمقابر الى ملاعب!

إلا اني اعترف لقارئة الفنجان بأني قد وقعت في هيام الإعلامي احمد الحاج علي، الذي يترك شقا صغيرا يتسرب منه النور، وأخشى أن يظهر خبر على فضائية الجزيرة يقول: رويتزر عن شهود عيان: اعتقال الناشط غير الحقوقي احمد الحاج علي!

مهما يكن فإنه ينطبق على الإعلام السوري – بحسب قارئة الفنجان والخوف بعينيها – قول ماري منيب:

كذب موجود

تخوين موجود

رغي كتير موجود

حرية مش موجود .. ابادوووووووو

شعارات

لا أخشى على الشعب المصري وثورته، واثق بحكمة حكمائها، وأتذكر حديقة شعارات الثورة وأزاهيرها، فأنثني على خاصرتي من خشية أن تصدعا، وأفكر في علة أفسر بها ظرف الشعب المصري فلا أجد تفسيرا سوى الفرعنة الطويلة، التي ابتلي بها المصريون باكرا، تصوّر ـ بكاميرا تلفزيونية وليس بجوال عزيزي القارئ المندسّ – أن يسود رجل ابن تسعة مثلك، ثم يقول للناس: أنا ربكم الأعلى. ثمت أسباب أخرى، غير الدين: سيادة الغزاة مدة طويلة مما أدى بالشعب المنكوب إلى الانتقام والمقاومة بالطرفة.

لا أقع في ثورة اليمن سوى على شعار رئيس قال للرئيس: ارحل، بجانبه شعارات اقل اهتماما بالشؤون السياسية والاجتماعية. والرئيس اليمني لا يحب الرحيل أو هو أصم لا يسمع أو لا يقرأ فكيف السبيل الى إقناعه بالرحيل عن العرش. فشعاره هو: لنا العرش دون العالمين أو القبر.

لكني أجد شعارات الشارع اليمني أقل إبداعا فنيا، وان كنت معجبا بمشاركة المرأة اليمنية في الثورة، والحشود التي تملأ الشوارع في اليمن، طولا وعرضا، كما لا أجد تفسيرا لنحافة اليمني؛ هل كانوا نحفاء قبل الثورة أم أنهم هزلوا من لوعة الفراق المحتمل مع المعشوق علي عبد الله صالح بعد إحدى وثلاثين سنة من الأشغال الشاقة!

أما شعارات الانتفاضة السورية فيلخصها شعاران؛ الأول هو الذي أطلقه الشاب المندسّ فراس سيروان: الشعب السوري ‘ما بينذل’، والثاني هو الذي أطلقه أيضا أو من كان معه في الحريقة وهو: حرامية حرامية. الشعاران يختصران أمرين هما: الكرامة والفساد. الحرية والخبز . التاريخ والطارئ عليه، وعلى الرغم من الدماء يبدع السوريون في النكاية بالسخرية، والفكاهة فإحدى لافتات ‘نوى’ كانت تسخر من افتراء قناة الدنيا قائلة؛ خبر عاجل: كائنات فضائية تظهر في سورية. الكائنات سلفية طبعا؟

ثمت ملاحظة سريعة في درعا هي أنّ المندسين هم من جميع الأعمار، ومن الجنسين، والأمر ليس كذلك في القامشلي أو في حمص أو في كوكب المريخ المشار إليه آنفا في الخبر العاجل.

مايكل فليتشر ودوروثي بارفاز

تعجز قارئة الفنجان ـ والخوف بعينيها – في شرح إدلاء السيدة بثينة شعبان بحديث لجريدة أمريكية، لمَ َليس لجريدة عربية؟ أليس القريب أولى بالمعروف؟ لمَ ليس لجريدة وطنية كجريدة البعث تايمز مثلا؟ كما تعجز ضاربة الودع والرمل في تفسير تصريح لؤي حسين أنّ بثنية شعبان صرحت له بأنّ الرئيس السوري منع الشرطة من إطلاق النار على المتظاهرين. صعوبة الاتصال و (العنعنة) تتعقد، أو أن السيدة بثينة شعبان تظنّ – والخوف بعيني أنا ـ ألا نصدق.. سوى لؤي حسين باعتباره معارضا مستقلا، عن النظام وعن.. الشعب؟

تظن قارئة الفنجان أيضا أنّ مايكل فليتشر نجا من تهمة اقامة إمارة سلفية في حمص وضاحيتها بابا عمرو. البابان منسوبان إلى الصحابي الجليل عمرو بن معدي يكرب، وإن أعلنت تفاجؤها برحلة دوروثي بارفاز القسرية إلى طهران مع أنها بقعة غير ساخنة؟ فدوروثي وكل الصحافيين يأمون شطر الأماكن الساخنة. أما ما يقال عن الحوار ـ عفوا المونولوج ـ بين السلطة والمعارضة فيفهم منه أن السلطة عينت ثلاثة معارضين مستقلين علمانيين في ‘منصب’ المعارضة. وقد انتظرت منذ يوم الثلاثاء صدور التعليمات التنفيذية للتظاهر، كما قرأت في ‘القدس العربي’، لكنها لم تصدر، فلعل لؤي حسين يفسر لنا سبب تأخر البريد الحكومي في عصر السرعة والشفافية وهمس الحب السياسي.

قارئة الفنجان ـ واليأس بعينها – بشرتني بتعليمات تنفيذية أكثر سوادا من الفحم الحجري، تبدأ من أسماء المتظاهرين واسماء اقاربهم وزمرهم الدموية ولا تنتهي بثماني صور شخصية حاسر الرأس مع كفيلين بعثيين كشروط أولى لكل متظاهر. لكني متفائل، بأنّ ريشة الشعب ستكتب التاريخ من جديد، من فنجان يمده الشهداء بالحبر من دمهم.

كاتب من كوكب الأرض

القدس العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى