صفحات سوريةطيب تيزيني

“ميثاق شرف” بين السوريين/ د. طيب تيزيني

 

 

تستمر المعارك والمواجهات العسكرية الدامية والوحشية في سوريا ربما على نحو غير مسبوق، وبكيفية قائمة على تعددية مفتوحة من الأسباب والذرائع، وفي هذا الوضع الملفت حقاً والمليء بالأذى والشناعة بحق أيقونة تاريخ الشرق، سوريا، يبرز تساؤل مغموس في الدماء والعار، هو التالي: هل يصح ذلك بحق بلد قدم للعالم الكشف الأول ربما في حقل التنوير والثقافة والتثقف، متمثلاً في المدخل إلى ذلك وغيره؛ ونعني «الأبجدية» بوظائفها الكبرى، ومنها تحويل التاريخ والوجود إلى وثائق يعاد إليها في مثل أيامنا هذه، التي يعبث بها العابثون ويلوثها أعداء الكرامة والحرية والعلم.

لقد صدر عن «مجلس الحكماء» في سوريا -دمشق مركزاً، منذ ما يقترب من أربع سنوات، ما أطلقنا عليه «ميثاق شرف بين السوريين»، ومؤسس على ثلاثية اللاّءات الثلاثة التالية: لا لتقسيم سوريا، ولا للطائفية بكل تكوناتها، ولا للثأرية، وإنما نعم للعدالة حقاً وفعلاً وصدقاً. وقد وجدت هذه الثلاثية قبولاً عاماً صريحاً وتأكيداً مطلقاً.

وفي الحقيقة، ينطلق ذلك الإجماع على مثل هذه الثوابت الوطنية من صفحات مجيدة ومبجلة في التاريخ السوري، آخرها وأكثرها حضوراً حياً في ذاكرة السوريين، كما في حاضرهم الراهن، يتمثل في موقف الشعب السوري من المشاريع الاستعمارية الأوروبية، التي حاول صناعها فرضها على هذا الشعب، خصوصاً منها ما حاول فرضه وتأبيده ما ظهر في آخر العهد الاستعماري الفرنسي باسم «سايكس- بيكو»، ومعروف أن ذلك المشروع أريد فيه أن تقسم سوريا إلى دويلات طائفية بعدد الطوائف في البلاد.

وكان بعض الباحثين والسياسيين السوريين وغيرهم قد انطلقوا من وجود ثماني عشرة طائفة في سوريا لها حضور عام في البلاد مع اختلاف في النسب التي تمثلها تلك الطوائف والمذاهب والإثنيات والقوميات من عدد السكان، وبالعموم، يوجد من تلك الطوائف ما يدخل في الأسماء التالية وغيرها: السنة والعلوية والشيعة والمسيحية بتعدديتها والإسماعيلية والزيدية والدرزية والجركسية والكردية.. إلخ. نعم، لقد أرادت فرنسا الاستعمارية تقسيم سوريا إلى تلك المجموعات، كي تتخلص من واحد من الشعوب المناضلة في سبيل الاستقلال والحرية والعدالة والمجتمع المدني وتغيره.

لقد حدث يومها ما كان عليه أن يحدث من قبل رؤوس المجموعات المذكورة فقد رفضوا ذلك العرض الاستعماري المفكك لوحدة الوطن. ولم يكن يفكر إلا القليلون بأن عهد التقسيمات الاستعمارية الإمبريالية قد انتهى إلى حين، وبأن عهد الطوائف ومثيلاتها لم ينتهِ مع هذا؛ لأن ذلك الاستعمار مع الإمبريالية ما زالا على وجه الأرض، والطريف الاستفزازي إلى حد لا يطاق أنه في مرحلتنا هذه التي نعيشها، ظهرت دعوة طائفية غريبة، بقدر ما هي مأساوية، لتعلن باسم «الشيعة في إيران»، أن إيران باسم شيعيتها، تطالب بسوريا، لأن مجموعة من المقدسات الشيعية موجودة في سوريا، وهم يخافون من تدنيس هذه المقدسات من قبل الآخرين، ولكنهم نسوا أن هذه الأخيرة ظل وما يزال يحميها الشعب السوري، بكل طوائفه منذ أكثر من قرون مديدة.

أما الأمر الأخير فهو ما حدث مؤخراً في الزبداني بسوريا، حين طالب الجنود الإيرانيون المقاتلون هناك، بخروج السكان المدنيين السوريين الآخرين عبر جلائهم من مدينة الزبداني، وتحويلهم إلى منطقة أخرى، وربما يعتبرها هؤلاء الإيرانيون لهم، وطبعاً ما هكذا تؤتى الأمور، أيها الإيرانيون المدافعون عن المظلومين، كما كنتم ذات يوم تقولون!

الاتحاد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى