صفحات العالم

ميقاتي يستفيد من انتفاضة سوريا وحشرة “الحزب”!


 سركيس نعوم

يعرف اركان فريق14 آذار أن حكومة الاختصاصيين التي دعوا الرئيس نجيب ميقاتي الى تأليفها بعد تكليفه لن ترى النور، علماً انهم كانوا يعرفون في حينه ان ميقاتي “الجديد – القديم” لا يستسيغ ترؤس حكومة تضم فقط حلفاؤه الجدد وذلك تلافياً لأن يصبحوا اصحاب القرار النهائي في كل القضايا التي تطرح على مجلس الوزراء. وقد عبّر عن ذلك مداورة وذلك عندما استعاد “وسطيته” وعندما أوحى بأن خياره المفضل هو تأليف حكومة تضم غالبية لـ8 آذار، لكنها تضم ايضاً وسطيين يمتلكون ثلثاً معطلاً، تنقل مثله اكثر من مرة بين1 و8. وكان على هؤلاء، اي اركان14 آذار ان يعرفوا انطلاقاً من كل ما تقدم ان اقتراحهم غير قابل للتنفيذ لأن الذي “اختار” ميقاتي لرئاسة الحكومة، وهو سوريا، كان لا يزال قوياً ومستقراً ولأن الذي دعمه في الداخل وتحديداً “حزب الله” لم يكن يشعر بقلق اليوم جراء احداث سوريا. علماً ان ذلك لا يعني أن قوته موضع شك، او أنه بدأ النزول عن القمة. طبعاً كان للوضع المفصّل اعلاه دور في تركيبة الحكومة الميقاتية التي ضمّت وسطيين ظاهراً أو فعلاً، ولكن عاجزين عن ترجمة وسطيتهم عملياً بمواقف سياسية وحكومية مناهضة للأكثرية وزعيمها “حزب الله”. لهذا السبب صبّ فريق 14 آذار جام غضبه عليها، معتبراً اياها حكومة “الحزب” وسوريا وحكومة ضرب مسيرة السيادة والاستقلال والحرية، والتوازنات الداخلية من خلال اجراءات يُفترض أن تتخذها ومن شأنها تغليب فريق وشعبه على الشعوب اللبنانية الأخرى.

لماذا لم تنفّذ حكومة ميقاتي ما قيل انه التزامات اخذها رئيسها على نفسه امام سوريا و”حزب الله”، علماً أنه يرفض ان يصرح بذلك؟ متابعو الاوضاع والتطورات في لبنان وسوريا يقولون ان ميقاتي الراغب في العودة الى السرايا الحكومية كان يدرك مدى رفض من يمثّل في لبنان، وتحديداً غالبية ابناء الطائفة السنية، لكثير من القرارات التي كان يؤكد اطراف 8 آذار ان حكومته ستتخذها في مجالس وزرائها. بعضها يتعلق بـ”المحكمة الخاصة بلبنان” مثل امتناع لبنان عن دفع حصته من تمويلها، ومثل سحب القضاة اللبنانيين منها ومثل فك ارتباط لبنان بها. والأخير هو الأكثر اهمية ولا سيما بعد صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبعد توقع صدور قرارات اخرى لاحقة تتضمن اسماء وجهات لا تستطيع السلطات اللبنانية المعنية الإدعاء امام المحكمة بأنها لا تعرف اماكنهم كي تعتقلهم وترسلهم اليها. والبعض الآخر من القرارات يتعلق “بالنفضة” الادارية والقضائية والأمنية والعسكرية الشاملة التي كان يعدّ لها “الحزب” بغية فرض سيطرته الكاملة بواسطتها على البلاد. ويقول المتابعون انفسهم ان ميقاتي استهول هذا الامر فور تأليفه الحكومة، وبعد رد الفعل السلبي والعنيف عليه من شعبه ومن اصدقاء له وحلفاء عرب واقليميين، ودوليين، وبعد تأكده انه قد يدفع ثمناً كبيراً بسبب ذلك. فماطل اثناء “التأليف”، وقدم التزامات متناقضة او وعود لكل المعنيين بلبنان من داخل وخارج. ثم أتت احداث سوريا 15 آذار، وخصوصاً بعد تصاعدها وعدم توقع انتهائها قريباً لتريحه على نحو كبير. فالنظام السوري غير قادر على الضغط الحاسم لانشغاله بأموره. و8 آذار، وتحديداً زعيمه “حزب الله”، قلق من اوضاع سوريا ومن انعكاساتها على لبنان، ومن أثرها السلبي عليه في حال عجز الاسد عن حسمها. والامران يفرضان على دمشق و”الحزب” الحذر والحيطة من ميقاتي، وفي الوقت نفسه تلافي اتخاذ مواقف منه قد تسيء اليهما أو تؤذيهما في المحصلة اكثر مما تؤذيه هو. فدفع الحكومة الى الاستقالة يعني بدء مرحلة قد تكون طويلة لحكومة تصريف اعمال. اذ قد يتعذر تشكيل حكومة غالبية ثانية في ظل الاحتقان المذهبي والمداخلات الدولية والاقليمية والمواقف الكامنة للوسطيين وكلها غير متعاطفة معهما (اي الحزب ودمشق). والأفضل في حال كهذه هو بقاء حكومة ميقاتي، على ترددها وخوف رئيسها وانتظاره، وإن كان ثمن ذلك عدم اتخاذ قرارات في صورة عامة حتى الملح منها كالكهرباء مثلا.

هل هذا التحليل صحيح؟

انه صحيح في المطلق يجيب المتابعون انفسهم. لكنهم يتساءلون اذا كان “حزب الله” المنزعج والقلق على رغم قوته يتحمل وضعاً تتصاعد فيه انتفاضة سوريا، وتتنامى فيه التيارات الاصولية السنية في لبنان بحيث يصبح خطرها عليه، من خلال زعزعة الامن واستدراجه الى الفتنة، محتملاً. وعلى رغم عدم امتلاكهم جواباً عن ذلك فانهم يعتقدون ان الحزب قد يُقدِم في لحظة يقرّرها هو على قلب الطاولة في الداخل مستنداً الى كل مرتكزاته العسكرية والامنية الحزبية والرسمية والسياسية، وذلك بغية حماية ظهر سوريا الاسد وحماية نفسه. وتساوي نسبة نجاح هذه الخطوة في حال حصولها نسبة عدم نجاحها.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى