صفحات الثقافة

مينـاء عرسـال/ أندلس الشيخ

للكتابة عنهـم أصبـح يحتـاج المـرء لأقـلام من عـدن ومخيلــة من تصــوف وورق طـري من عند اللــه.

مـئة وعشـرون ألـف شــهيد، أوّلهــم غيـاث مطـر وحسـام المطيـري وليس آخـرهم عبد القـادر الصـالح ومحمـد السـعيد…

لن أطيـل يـا رفـاقي الشــهداء، فأنـا أعلـم أنـكم “تـزقـزقون” من البـرد والنعـاس. حـالكم حـال أهلي في قـارة ويبـرود الواصلـين عند الفجـر إلى “مينــاء عرســال”. لكن أسـتحلفكـم بربّ المحيطـات والبحـور أن تدعـوني أسـرد لـكـم إحـدى يوميـاتنـا الأسـطورية، أوديسـة واحـدة فقـط من “أوديسـاتنـا” المتوهجـة بالجمـر وبجنـون أوراق الحـور.

البـارحة، في فصـل الشــتاء اللعيـن، في وطـن الحـاج الصـالح وســميح شـقير وعلى مـرأى ومــسمع من وديـان وجبـال سـلسـلة جبـال لبنــان الشـرقية كـانت هنـاك وحوش ضـارية تحب القتـل حبــاً جمــاً. تســمّيهم أمي “حمـاة الديـار”، ويسـمّيهم أطفـال الغوطـة “غُـزاة الديـار”…. جـاثمـين عـلى صـدر القلمـون الشريف يريدون إغتصـاب شـجر السـمُاق، دوالي العنـب وخبـز التنـور…

ضبـاع فـاجـرة تـحقـد على أراجيـح العيد الصغيـر وعلى طعـم اليـانسـون في حلـوى العيـد الكبيـر.

فتحـوا نـار جهنـم على الأزقـة التي كبـرنا فيهـا، حيـث الجـدران مـرايـا تفـوح برائحـة القـش والكلـس الأبيـض. قصفوا ودمـّروا وأحرقوا ودنّسوا وشرّدوا… حتى سـراويل جـدي الميتـة لـم تسـلم من رصـاصهم، ولا حتى المَـدّة في كلمـة “آميـن”، أو في كلمة “مـآذن”. أتـوا علـى الأخضـر واليابـس، على النهـر والحجـر، وعلـى الطفـولـة في بـاحـات المـدارس… ثـم مضـوا من حيث جـاؤوا وفي قبضتهـم كـل شيء مـا عــدا الريـح التي تحمـل في ثنـاياهـا صـدى أغنيـة المغني وهـو يقـول: “يا روح الشـهيد/ يا خصلـة من ضـو القمـر/ يا روح الشـهيد/ يا روح من ريحـان ومـرمـر”.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى