صفحات العالم

مَن يزيح النار عن الشعب السوري؟


دمشق ـ غازي دحمان

لم يعد هناك من شك بأن النظام السوري يمضي في لعبته القاتلة حتى وإن كلف ذلك المجتمع السوري عشرات ألاف الضحايا، لا شيء في الأفق يشير إلى إمكانية تعديل قواعد هذه اللعبة، فالنظام يتعامل مع الأزمة بوصفها نوعاً من التحدي الشخصي لرجالاته السياسيين والأمنيين، وليست أزمة سياسية إقتصادية وإجتماعية، مثل ما يحصل في كل الدول (التي خلقها الله)، وكأن سوريا في ظل حكم هذا النظام هي مملكة الله على الأرض، وحكامها هم نوابه !.

الرواية الرسمية عن العصابات المسلحة، رغم ركاكتها وإفتضاح مكوناتها، باتت العقيدة الراسخة والموجهة للنظام، ورغم أن دير الزور وحماة وحمص وإدلب، ومن قبلها درعا واللاذقية وبانياس وجبلة وريف دمشق والرستن وتلبيسة، ومن بعدهما دمشق وحلب، قالت، ولاتزال تقول، شعار الشعب الأثير، وقدمت في سبيل ذلك خيرة أبنائها على مذبح الخلاص، دون أن يفهم المراقب بأي عين رأى النظام هذه الكتل البشرية، ومن أية زاوية رؤية إستطاع فرز مكونات هذه الكتل، بين عصابات مسلحة يستوجب سحقها على إعتبار أن ذلك من حق الدولة، وبين متظاهرين سلميين، لايعفيهم هذا التوصيف من السحق أيضاً بإعتبارهم خونة خرجوا عن الطاعة، فما فائدة ذلك الفرز والجهد المضيع إذاً !.

مقابل ذلك، يرفض النظام، محاسبة أي من قادته الأمنيين الذين تسببوا بكل هذا القتل، إذ من الطبيعي في إطار أي دولة، ذات بنى مؤسساتية وأطر قانونية، أن يقوم النظام فيها على مراجعة حساباته، في ظل أزمة إمتدت لنصف عام، ولا أفق لحل قريب لها، حيث يتم فحص الخيارات والبدائل، ودراسة الأخطاء، ونقد التقديرات التي على أساسها تم إتخاذ الكثير من القرارات التي تسببت بإستفحال الأزمة وتمددها، ومن الطبيعي أن تكون هنالك مسؤليات ترتبت على مؤسسات وأشخاص معينين… أين كل ذلك من الوضع في سورية، على عكس ذلك تماماً، يجري مكافأة الأشخاص المخطئين وترقيتهم، كما يصارإلى تعزيز صلاحياتهم وحمايتهم من كل مساءلة قانونية.

وبعد ذلك، يذهب النظام إلى إقرار سلسلة من القوانين والمراسيم، يسميها حزمة إصلاحات، ويذهب إعلامه بعيداً في توصيفها على انها الأرقى والأفضل والأفعل وأين منها قوانين الإنتخاب والأحزاب والإعلام في الدول المتطورة، في حين أنها لا تعدوا كونها وصفة لإعادة إنتاج مملكة الصمت والخوف والإستبداد، بطريقة ممجوجة وفظة، والمشكلة أن النظام لا يبغي من وراء قوانينه تلك كسر (عين) الثورة وحسب، وإنما إستثمار الأزمة والظهور بمظهر البطل المخلص؟.

لم يعد هناك من أوهام بأن النظام الحاكم في سوريا بات يضع نفسه في حالة تحد ضد شعبه، ويسلط عليه كافة صنوف النيران كي يرضخه لإرادته، وهذا النظام، الذي يمتلك الكثير من النيران والمقاتلين، يرفض الإعتراف لشعبه بأي حقوق، كما يرفض أن يرسم هذا الشعب مستقبله بالطريقة التي يرتأي أنها تحقق له العيش بكرامة، وهو يفعل كل ذلك من وضعية مريحة ترتكز على أساس كثافة النار وكثرة المقاتلين وموارد إقتصادية قابلة للتجدد والدعم، في حين أن الطرف الأخر أعزل وفقير محدود الموارد والأبناء أيضاً، ولن يستطيع مجاراة النظام في الرقص على حبال الخطر…، هي لعبة النار إذاً فمن يزيحها عن الشعب السوري؟.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى