صفحات الناس

نازحو إدلب.. العيش في العراء/ هارون الأسود

 

 

أجبرت العمليات العسكرية التي تشنها قوات النظام في أرياف حماة وإدلب وحلب، آلاف المدنيين على ترك منازلهم وقراهم بحثاً عن مناطق أكثر أمناً لهم. ويفترش النازحون بمتاعهم الخفيف الأراضي الزراعية في محيط المدن والبلدات التي تبعد بضعة كيلومترات عن خطوط الجبهات، على الرغم من القصف الجوي والصاروخي الذي يطال معظم ريف إدلب.

قوات النظام وحلفاؤها ما زالت تستهدف بشكل يومي المناطق المأهولة بالسكان في محيط محاور الاشتباك، غربي سكة الحجاز ومحيط الطريق الدولي دمشق-حلب؛ من  بلدة مورك وقرى ريف حماة الشمالي وصولاً إلى  مدن خان شيخون ومعرة النعمان وخان السبل وسراقب  في ريف إدلب الجنوبي والشرقي.

ويستمر تدفق النازحين عقب تسهيل قوات النظام عبور تنظيم “داعش” من قرى عقيربات نحو ريف حماة الشرقي وريف إدلب الجنوبي، وسيطرة التنظيم على منطقة الرهجان والبادية، بعد اندلاع اشتباكات عنيفة استنزفت فصائل المعارضة. وذلك بالتزامن مع بدء العمليات العسكرية لقوات النظام التي افضت إلى سيطرتها مع تنظيم “داعش” على مساحات واسعة تعادل ثلث محافظة إدلب.

وشهدت أرياف حماة وإدلب وحلب عمليات نزوح جماعية، وأضطر معظم المدنيين إلى ترك ممتلكاتهم، وحملوا معهم خلال نزوحهم ما خف وزنه، أملاً منهم بانتهاء العمليات العسكرية والعودة قريبا إلى منازلهم. إلا أن قوات النظام عفّشت “نهبت” ما تبقى من أثاث وممتلكات المدنيين، بعدما هدمت الآلة العسكرية معظم البلدات جنوبي مطار أبو ضهور. ونفذت قوات النظام إعدامات ميدانية بحق المدنيين الذين لم يغادروا قراهم جنوبي حلب، بينما بدأ تنظيم “داعش” طقوسه شرقي حماة وحرق بعض ممتلكات المدنيين وهدم قبور أسلافهم بحجة عدم توافقها من الشريعة الإسلامية.

وبلغت حصيلة النازحين جراء العمليات العسكرية ما يقارب 400 ألف نسمة، أي نحو 70 ألف عائلة، يتوزعون على ما يقارب 500 نقطة ومخيم معظمها عشوائي. ويشكل نازحو ريف إدلب وحماة نحو 90 في المائة من العدد الكلي. ولا يشكل نازحو ريف الجنوبي جزءاً كبيراً من مجمل عدد النازحين، لأن قرى ريف إدلب الجنوبي تعد نقاط ساخنة تطالها المدفعة الثقيلة بشكل شبه يومي على عمق كيلومترات منها، وكانت قد شهدت عمليات عسكرية سابقة أدت إلى نزوح معظم سكانها.

وقُتِلَ بعض النازحين ودمرت سياراتهم خلال رحلة هروبهم. ويغادر المدنيون تحت شتى انواع القصف قراهم عبر الشوارع الرئيسية والفرعية رغم استهداف الطيران الحربي لها في الليل والنهار. ويُعدُّ الطريق الواصل بين مدينة أبو ضهور وسراقب شريان نجاة المدنيين، ولكن المروحيات الحربية تستهدفه بالبراميل المتفجرة أو الألغام البحرية.

ويلجأ النازحون الذين يمتلكون المواشي إلى الأراضي الزراعية، ويَحطّونَ متاعهم وينصبون خيامهم في العراء، ويعتمدون على تأمين المياه والحطب للتدفئة والطهي من خلال وسائل النقل الخاصة بهم. وتتشكل تجمعات بشكل مخيمات عشوائية، ونقاط نزوح، تنتشر حول قرى ومدن إدلب كسراقب وسرمدا واطمة وسلقين وجسر الشغور واريحا، وعلى طول الطريق بين معرتمصرين وسرمدا، إضافة إلى المدن والقرى الواقعة غربي ريف حلب وحماة.

ونظراً لتموضع بعض الخيام فوق أملاك خاصة، أضطر البعض إلى نقل مخيماتهم العشوائية، أو دفع بدل نقدي يبلغ 200 دولار لمساحة كيلومتر مربع، على الرغم من كون بعض الأراضي مشاعاً أو أملاكاً عامة.

وقال أبو سعيد لـ”المدن”: “اضطررت إلى نقل الخيام بعد تركيبها لكون الأرض أملاكاً خاصة، ولا أريد مناشدة المنظمات المدنية، لم يأتِ أحد منهم إلى الخيام الواقعة في محيط مدينة إدلب، ولكوني نازحاً جديداً إلى المنطقة لا اعرف أين تقع مكاتب المنظمات، يفترض أن تأتي المنظمات إلينا لا أن يذهب النازحون لهم، اشتريت خيمة مستعملة وبثمن مرتفع لكن أطرافها مهترئة ومياه الأمطار تتسرب داخل الخيمة، اخرجت عائلتي من ريف حلب الجنوبي نتيجة اشتداد المعارك، وعندما رجعت حاولت أن آخذ بعض الحاجيات من منزلي، لكن النظام كان قد سيطر على القرية”.

وينتشر قسم من النازحين في خيام منفردة داخل الحدود الإدارية للمدن، ويحاول أخرون البحث عن شقق سكنية شاغرة دون جدوى، فمعظم المنازل مؤجرة بمبالغ مضاعفة نتيجة عمليات النزوح السابقة من ريف دمشق وحمص وحلب، والمستمرة من دير الزور والرقة.

موجات النزوح السابقة انهكت معظم المنظمات الإنسانية العاملة في محافظة إدلب، وتشرف “حكومة الإنقاذ” و”حكومة الائتلاف” على إدارة شؤون المدنيين، ويقدر عدد المنظمات الخدمية بـ290. وانشئت بعض المخيمات الصغيرة غربي وشمالي إدلب. ولم تُسجل استجابة سريعة للجمعيات الخيرية لتزايد أعداد النازحين، أو العمل بشكل ملحوظ على توزيع المستلزمات الأساسية مثل الخيام والمياه أو وسائل التدفئة والأطعمة والألبسة.

ولم تمنع الأحوال المعيشية الصعبة أهالي المدن من العمل بشكل تطوعي لتأمين تبرعات عينية للنازحين. وعلى الرغم من تراجع العملية الدراسية، وانخفاض أعداد الطلاب، لم تفتتح المدارس المهجورة لاستقبال النازحين داخلها. وتؤدي العواصف المطرية التي تضرب البلاد إلى غرق خيام النازحين نتيجة تسرب المياه ما يجعل أحوال المخيمات كارثية.

وتقول أم حسن لـ”المدن”: أين المنظمات الإنسانية، يأتي البعض ليلتقط الصور فقط، ويذهب بعدما يقدم بضع المواد الغذائية التي لا تكفي ربع الخيام”، وتضيف: “أقيم هنا منذ اسبوعين مع بناتي وأطفالهم، فقدت زوجي نتيجة القصف على ريف حماة الشرقي، ومع عدم وجود اي معيل لي، اعتمد على بيع حليب الغنم وبيض الدجاج  لتأمين أهم مستلزماتي، بات الجميع يعلم أحوال المخيمات العشوائية خاصة في ريف سراقب الشرقي، نشكو أمرنا إلى الله”.

وتحت اسم “حملة إدلب الكبرى”، كانت قد انطلقت حملة إغاثية تشرف عليها سبع منظمات مدنية، بينها منظمة IHH التركية ورحمة الكويتية، ويوزع فيها سلة إغاثية وحصة لحوم وبعض الألبسة والبطانيات إلى العوائل التي تقيم ضمن شقق وأبنية، ومن المقرر أن تبدأ الحملة مراحل أخرى لتشمل المخيمات العشوائية.

المدن

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى