صفحات الناسعلا عباس

نبوءات لجميع الأبراج/ علا عباس

 

 

مطلع السنة الجديدة، استعر الاهتمام بالتنبؤات والتوقعات، وامتلأت الشاشات بالمنجمين، ليحددوا للبشر مصائرهم في السنة المقبلة، وكذلك للبلدان والمدن، ويذهب بعضهم أبعد من ذلك، فيحدد سرعة الرياح التي ستضرب كاليفورنيا في سبتمبر/أيلول، ودرجة الزلزال الذي سيضرب طوكيو في يوليو/تموز، وموعد استعادة الحب القديم لمواليد برج العذراء، وسفر مواليد الجوزاء، ويحذرون مواليد الحوت من إصابتهم بالانفلونزا في الربع الأخير من العام.

ولأن الأفضل في إطلاق التنبؤات هو التركيز على موضوع معين، أو شخص معين، أو بلد معين، فهذا يعطي للتنبؤات قدرة إضافية على الإقناع، وعلى الاهتمام بالتفاصيل وزيادة احتمالات التحقق.

كما أنه يحقق بعضاً من الواقعية، فإطلاق توقعات موحدة لمواليد كل برج، وفي كل مكان، من دون تمييز قد يتسبب في التباس وأخطاء، فأن تقول مثلاً (كما يفعل المنجمون عادةً) على مواليد الحوت أن ينتبهوا لصحتهم في منتصف العام، فهل هذا يعني مواليد الحوت في فرنسا، كما يعني مواليد الحوت في سورية؟

فالعارض الصحي لمولود الحوت في فرنسا قد يكون ارتباكاً معوياً بعد سهرة صاخبة، بينما قد يكون انتشار وباء الكوليرا في شرق سورية. وإصابة مواليد الحوت جميعاً كما باقي الأبراج، وعبارة “الأفلاك تحذرك من سوء تفاهم مع أحد المقربين منك” قد تكون خلافاً بين حبيبين في أي مكان في العالم، بينما في سورية قد يعني التقاط أحد عيون داعش كلمة لفظتها خطأ، ويحصل سوء تفاهم في فهمها، يؤدي إلى قطع رأسك في ساحة عامة بتهمة الكفر.

وعبارة “مشكلات قانونية ومواجهة مع السلطات” التي يوردها المنجمون، في توقعاتهم، قد تعني مخالفة سير باهظة في أي مكان في العالم، لكنها قد تعني في سورية دخولك في أحد أقبية المخابرات المرعبة، من دون أن يعرف أحد مصيرك سنوات.

وتوقع انتهاء علاقة أو فشل زواج، لن تعني في سورية ما تعنيه في كل مكان آخر، فهنا قد تعني، ببساطة، أن تموت زوجتك ببرميل أو بقذيفة طائشة، أو يختفي زوجك سيدتي، ثم تسلمك المخابرات بطاقته الشخصية وتقرير وفاة.

ومنعاً للالتباس الذي قد يحصل في هذا النوع من التنبؤات، سأستخدم تقنية التركيز، وأقدم خلاصة التنبؤات في السنة الجديدة، وفيها مجموع كل الأبراج، كما وردت لدى جميع المنجمين، بالإضافة إلى ما تشير إليه حركة الأفلاك السيّارة والثابتة، وتقاطع نجوم السماء مع نجوم السياسة. ولأن الموضوع الذي سأركز عليه هو سورية، وما ينتظرها في السنة الجديدة، فسأعمد إلى تمرير كل ذلك من مصفاة القلب. وبذلك تكون خلاصة التنبؤات نصاً يجمع الجملة الأسوأ في توقعات كل برج لدى جميع المتنبئين، وإذا أردنا أن ندخل في التفاصيل، فحركة النجوم تشير إلى أن بداية السنة ستحمل معها محاولة جديدة للإيهام ببدء مسار سياسي تفاوضي، لن يكون مصيره أفضل مما سبقه، وستجري في الربع الثالث من العام محاولات أخرى، لن تكون أقل فشلاً من محاولات الربعين الأول والثاني.

سيستمر السوريون في الموت، وتشير التوقعات بأن يموت خمسة آلاف سوري من كل برج، ويجوع مليون شخص من مواليد الأبراج الترابية، ومثلها من النارية والهوائية وكذلك المائية. سيهاجر ربع مليون من برج السرطان، ويهجر مثلهم من باقي الأبراج. ستدمر الأبراج والبيوت الواطئة، وتحترق الخيام، سيرتجف الملايين برداً، ويرتعدون خوفاً، وسيكونون موزعين على جميع الأبراج بالتساوي.

ستنضم دول أخرى إلى حفلة قصف السوريين بالطيران، وسيكون هناك عدالة في التوزع على الأبراج، إن كان بين الطائرات القاصفة أو البيوت المقصوفة، سينتشر الجوع والأمراض، سيزداد الظلام والفقر، سيكون على مواليد الأبراج جميعاً الانتباه إلى رؤوسهم من قذيفة ضالة، أو من برميل متفجر، والانتباه لأعناقهم من سكين متوحشة.

ستكون بداية السنة مثل نهايتها، ووسطها أسوأ من الاثنين معاً، ستتساوى الأبراج جميعاً، وستوزع عليها المآسي بالتساوي، وسيتوزع مواليدها على المنافي الإجبارية من دون تمييز.

هل أصبت بعضكم بالإحباط؟ ماذا كنتم تتوقعون لبلد يحكمه الأسد، وأصابه السرطان، واغتصبت فيه العذراء، دهسه الثور ونطحه الجدي، رمته كل أقواس الدنيا وسيبتلعه الحوت، دلوه مثقوب، وحمله مذبوح (وفق الشريعة)، ضاع فيه الميزان منذ زمن طويل، فالتقت في سمائه طائرات روسيا وأميركا متناظرتين كالجوزاء؟

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى