صفحات مميزةفلورنس غزلانلن ننساكم -بمثابة تحية الى شهداء سورية -

نجمان من نسل شهداء سوريا ” منصور وريتا أبازيد” – فلورنس غزلان

 

فلورنس غزلان
تهطل صورتهما من السماء كل يوم…تعبر الغيوم الماطرة ،ترسم بسمة الأمل…لايبخلا بنورهما…فيقين غيابهما… الذي لايصدق….ترجَمَ لغة الوطنية…
سَطَّرَ أعذب ألحانٍ عزفتها قواميس الموسيقى العالمية …
حشَّدَ طاقات الشباب والصبايا….ماءً يتدفق من نبع الحرية…
كشف مَواطن الضَعف…عَرى عٌهرَ السياسة وكذِبَ سلاطين الأمة العربية…
نجمان اعتليا..أسطورة القداسة وطهارة العطاء …تحولا لرسلٍ بين الأرض والسماء…جسراً بين السِلمِ والبندقية…
لم يحملا موسىً للحلاقة ولا سكيناً لتقطيع الخضار ،كانا ريحاً…حروفاً في أعرقِ أبجدية…
ياسمينةٌ وبنفسج من بستان أخضر…لم تُخضِعهُ سياط العبودية…
شقَّت بذوره تُربةَ حوران…وعبقُ حقلٍ لأبي منصور وسلطان فيه يَدٌ تربوية…
تَفَوَّقَ فعلُها على إعلامهم وعملائهم… لم تحرفه صحائف ” ممانعةٍ” صعلوكية….
تنسَّمَ الجرأة واسترشد بالوعي من حليب المحبة الأخوية…
أُرجوانٌ شقَّ باطن الأرض…أشعلَ ترابها وهجاً…يتضرج غضباً…يصارع الموت بكل ذرة درجت أقدام منصور وريتا عليها..خلع الأبواب والنوافذ…رمى الموت بلعناته…لأن قذائف القاتل…اصطادت أطهر جسدين يقبعا في بيتهما…دون أن تمتد من دارتهما يدٌ نحو الحقد، أو ترد لذراع الكراهية كفاً يَشُلُ العقل والقلب المجبول على المحبة والمولود من رحم الوطنية.. دون أن تؤثر في قناعته بأن دوره منذور لرسم معالم الدرب نحو سوريا الحلم بالحرية والديمقراطية لكل أبنائها دون تمييز..
انحنت وللأبد شجرة الياسمين وذرَّت وريقاتها البيضاء في كل الأرجاء…تعَرَت حُزناً رافقتها أوراق الدالية الذابلة…يبست ضروع الفُل والقُرنفل في حديقة أبي منصور…فالأيدي الحانية عليها هَمَدت …سكنت…غطاها التراب والبياض النقي كبراءة البسمة على شفتي ريتا…
فأنى لحجارة الدرب أن تصمتَ بعد اليوم وكُلُ ذرةٍ من هذه البقعة تلهجُ بذكرى لَهوِهما؟…كيف يظل ماء الحياة سارياً في عروق تربة رواها دم ريتا البريء وشرايين منصور الزكية؟!…فقد غذياها بما لاينضب وبما يكفي الحياة لتحتضن الحب أبدياً وعشق الأرض بلا حدود…تبكيهم حجارة الدرب والبيت وجدران الحي…تحتضر عجزاً…لأنها لم تحمِ جسديهما من قذائف القتلة..يبحث بيت أبا منصور عن ذريعة توقف الحزن…تمنح المنطق سبباً يريح التساؤل …عن قتل غير مُبَررِ..عن قتلِ شرعَّهُ القاتل لنفسه وأتباعه…يقطع حبل الحياة لمن يعترض بيته قذيفة هوجاء لم يتعلم مطلقها تسديد صاروخه لصدر العدو الحقيقي القابع في الجولان.
فاضت روحهما الطاهرة معاً…ريتا تحاول حماية ابن منصور الصغير…في قبو بيت عمها…فهرع منصور محاولاً إنقاذ ريتا….فعاجلته قذيفة هاون أخرى…ثم أردت ابن عمهم وجارهم يوسف أبازيد حين حاول إنقاذ الجميع…كان هذا يوم 9 /6 / 2012….فلا تسألونا لماذا اضطر المواطن السوري لحمل السلاح؟!، ولا لماذا هجر أبو منصور وعائلته بيتاً صار حطاماً…وأثراً بعد عين…فالحجارة والجدران ستظل تئن بذكرى الفقد الأكبر…وتحن إلى الضحكات الآملة في بيت عَمَّته المحبة طيلة عمره ، ساده الوئام والايثار، وغذاهُ الانتماء الوطني، الذي لم يدخل جنباته حقد النظام الأعمى.
مازالت أصابعي المرتجفة بالشك المخلوط بإيمان عتيق ترك بصماته في فجوات الخَواء والضعف البشري لدى كل منا…حين يذبحه تمدد العجز في إمكانيات البشر…أو في قدرتهم على التنبلة واللامبالاة أمام هول الطاغوت وانعدام الخُلق والتسليم بأن صحائف إعلان حقوق الإنسان لاترى المواطن السوري على نفس النسق من إنسان الكون ، ولاتأبه لموته في ميزان السياسة وتقاسم المصالح.

خاص – صفحات سورية –

اللوحة للفنان السوري بشار العيسى

ــ باريس 08/01/2013

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى