صفحات الثقافة

نجوان درويش «متهم» بطرد شاعر إسرائيلي من ندوة متوسطية


مارسيليا – أنطوان جوكي

لم تتوقف حتى الآن الحملة التي بدأتها جريدة وتلقفتها الصحافة المنحازة لإسرائيل في فرنسا وأوروبا ضد الشاعر الفسطيني نجوان درويش، محمِّلةً إياه –دون بقية الكتّاب العرب المشاركين في صالون «كتابات متوسطية» الذي عقد في مارسيليا- مسؤوليةَ ما أسمته «طرد الكاتب الإسرائيلي من الندوة».

وتجدر الإشارة بدايةً، إلى أن تظاهرات ثقافية كثيرة تقام سنوياً في فرنسا تحت شعار تعزيز العلاقات الثقافية والإنسانية بين دول حوض المتوسط. بعض هذه التظاهرات في مكانها ولا أهداف مبطّنة لها، كمهرجان «أصوات حية» الشعري الذي تحتضنه مدينة سيت، والبعض الآخر يتخفّى خلف الشعار المذكور من أجل بلوغ هدفٍ آخر هو كسر عزلة إسرائيل وإنهاء المقاطعة العربية لمثقّفيها بأي ثمن. وهذا للأسف ما تكشّف عنه صالون «كتابات متوسّطية» في دورته الثالثة التي اختُتمت قبل ايام في مارسيليا وشارك فيها كاتب هذه السطور إلى جانب هدى بركات (لبنان)، نجوان درويش (فلسطين)، خالد الخميسي (مصر)، كمال بن حميدة (ليبيا)، طاهر بن جلون وفؤاد لعروي (المغرب)، عزّة فيلالي (تونس) وميساء باي (الجزائر).

أما الكتّاب المتوسّطيون الآخرون المشاركون في هذا الصالون، فكانوا: سيرجي بامييس (إسبانيا)، أنجلو رينالدي (فرنسا)، إيرسي سوتيروبولوس (اليونان)، رويزتا لوي (إيطاليا)، خوسيه لويس بيكسوتو (برتغال)، ماريو ليفي (تركيا)… والإسرائيلي موشيه ساكال.

المشكلة مع منظّمي هذا الصالون لا تكمن في مسألة إشراكهم كاتباً إسرائيلياً في برنامجه، بل في عدم احترامهم الشرط الذي وضعه الكتّاب العرب مسبقاً لقبول المشاركة، أي رفض أي حوار أو لقاء مباشر معه، وهو الشرط الذي وافق عليه الصحافي والناقد الفرنسي بيار أسولين المدير الأدبي للصالون، فكيف يمكنهم إذاً تبرير برمجة الكاتب الاسرائيلي في ندوتين من أصل أربع رئيسية يتضمّنها البرنامج، خصوصاً وأن الندوة الأولى هي حول «دور الكتّاب في الربيع العربي» ولا علاقة إطلاقاً لأي كاتب إسرئيلي بهذا «الربيع»، وأن الندوة الثانية هي حول «الترجمة كلغة حوض المتوسّط المشتركة»، مع العلم أن الكاتب الاسرائيلي لم يترجم سطراً في حياته، باعترافه شخصياً؟!

وعطفاً على ذلك، أقدم منظّمو الصالون على طبع البرنامج وتوزيعه من دون أخذ موافقة المشاركين العرب عليه، مما جعل مسألة تغييره مستحيلة على الورق في حال الاعتراض عليه، وممكنة فقط على الموقع الإلكتروني، وهو ما يحمّل المعترِض مسؤوليةَ تغييره في اللحظة الأخيرة ويجعله يظهر أمام جمهور الصالون في مظهر المنغلق والرافض للحوار. ومع ذلك، فور اطّلاعنا على هذا البرنامج، اتصلنا بمنظّمي الصالون وأبلغناهم تعذّرنا عن المشاركة فيه إن لم يتم تغييره، فأسرعوا إلى سحب اسم الكاتب الإسرائيلي من الندوة الأولى على موقعهم الإلكتروني، بعد اعترافهم بعدم منطقية مشاركته فيها، وإلى سحب اسم كاتب هذه السطور من الندوة الثانية، بطلب منه. وعلى هذا الأساس أتينا إلى مرسيليا وشاركنا في هذه التظاهرة التي كانت تخبئ لنا «مفاجآت» أخرى كثيرة.

خلال حفلة الافتتاح في فندق سوفيتيل، مُنحت جائزة الصالون السنوية للترجمة إلى الإسرائيلية-الفرنسية سيلفي كوهين، كما تبيّن بسرعة لنا أن تحت عنوان «كتابات متوسّطية» يقف فريق من المنظّمين مؤلَّف بغالبيته من الفرنسيين اليهود الذين لا تخفى انحيازات بعضهم إلى إسرائيل، الأمر الذي ينال حتماً من صدقية التظاهرة. وفي معرض الكتاب الخاص بكتب المشاركين الذي يقام داخل مبنى الصالون، لاحظنا أن الدليل السياحي الوحيد المعروض هو دليل إسرائيل! مع العلم أن الدلائل حول جميع دول حوض المتوسط متوافرة في أي مكتبة فرنسية. واتضح لنا أن الكاتب الإسرائيلي ساكال لم ينشر حتى اليوم أي كتاب في فرنسا، مع العلم أن هذا شرط أساسي للمشاركة في «الصالون». والنصوص الوحيدة المعروضة لساكال بلغة رامبو صدرت في «مجلة الدراسات اليهودية» إلى جانب كتاب سياحي عن تل أبيب!

أما المفاجأة الكبرى، فكانت تنتظرنا خلال الندوة حول «دور الكتّاب في الربيع العربي»، التي حضرها جمهور غفير يتجاوز بكثير جمهور الندوات الأخرى. ففور انطلاقها، وُضعنا داخل قفص الاتهام، وبدلاً من التحدث عن الموضوع المطروح في البرنامج، اضطُررنا إلى تبرير موقفنا الرافض لمحاورة الكاتب الإسرائيلي، مما حوّل هذا الأخير ضحيةَ «تشدّدنا». وكنا لنعتبر هذه المهزلة غيرَ مقصودة لو أن أسولين حاول إيقافها والعودة بالنقاش إلى موضوع الندوة، ولو أن صحيفة هآرتس الإسرائيلية لم تنشر في اليوم التالي مقالاً في صفحتها الأولى تتّهم الفلسطيني نجوان درويش بأنه كان السبب وراء طرد الكاتب الإسرائيلي من الندوة، مكيلةً الأكاذيب ومستشهدةً بأقوال أسولين نفسه بعد تقديمه ككاتب فرنسي يهودي، في حين أنه يقدّم نفسه في فرنسا كعلماني! مقالٌ ارتكزت عليه صحف ومجلات ومواقع يهودية وغير يهودية في أوروبا وأميركا لمهاجمة درويش بطريقة شنيعة من دون التحقق مما حصل فعلاً، ومن دون أن تنقل الموقف الأخلاقي والدوافع الانسانية التي تجعل درويش وزملاءه من الكتاب العرب، يرفضون الجلوس مع كتاب اسرائيليين لا يخرجون في الحقيقة عن الخطاب الصهيوني المشرعن للاحتلال الاسرائيلي وممارساته.

الكاتب ساكال الذي تم تقديمه جزافاً كـ «يساري» وحاول لعب دور الضحية وتشويه صورة الشاعر الفلسطيني في «هآرتس»، أفلتت منه جملةٌ دالّة عبّر فيها بدوره عن تفاجئه «بتحوّل موضوع الندوة من «الربيع العربي» إلى «الخريف الإسرائيلي»»!

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى