صفحات سوريةغسان المفلح

نحو أكثرية سياسية عابرة للدول!/ غسان المفلح

ناقش ياسين الحاج صالح في مادة مطولة” في شان حل عادل في سورية”. كما دخل على خط النقاش في الكاتب ماهر مسعود، ليلخص ما يريد نقاشه في مادة ياسين بالقول” طرح ياسين الحاج صالح مادة غنية فكرياً، تضمنت معالجة واضحة لمعظم مفاصل الصراع السوري الأساسية، وتفكُّراً جريئاً وجدّياً في الحل السوري على أسس عادلة. لكنني سأتوقف نقدياً في هذه الورقة، عند مسألتين أساسيتين ومترابطتين في طرح ياسين، وهما فكرة الأكثرية السياسية السورية العابرة للطوائف، وفكرة العلاقة بالمجتمع الدولي“ يكتب ياسين” أن الحل العادل يبدأ بتكوين أكثرية سياسية عابرة للطوائف والأديان والاثنيات. يقول ياسين” الحل العادل في سورية يقوم على بناء أكثرية سياسية جديدة في البلد، تتعرف فيها أكثرية متسعة من السوريين على تمثيلها السياسي، فتقطع مع الحكم الأقلي (الأوليغاركي)، وتؤسس لسورية جديدة بنظام سياسي استيعابي. وهو ما يقتضي التخلص من الحكم الأسدي، ومن داعش وأي مجموعات سلفية جهادية، والمساواة السياسية والثقافية للكرد دون سيطرة قومية، والتأسيس لسورية ديموقراطية قائمة على المواطنة.” بينما ماهر لا امكان لحل عادل نتيجة لعاملين حالة الحرب وماسببته من تفكك مجتمعي، والعامل الدولي وامتناع النظام الاسدي عن أي حل سياسي، بوصفه نظام امني زبائني.
يكتب ماهر” ما يرجح بناءه كمرحلة أولى بعد أسدية؛ في حال بدأت، هو تعدد أقلوي، أكثرية سياسية مركبة إثنياً وطائفياً ومناطقياً وجهوياً وربما جندرياً، «أكثرية أقلويات» توافقية لكن متنازعة ومتنافسة، وذلك لا يتبع لعدم توحد السنة كطائفة كما أثبتت سنوات الثورة، وكما بيَّن ياسين في مقاله، بل لتوزع مراكز السلطة والثروة والنفوذ والمصالح في مناطق سوريا، والانقسامات الحالية والقديمة المتعددة الوجوه. لكن هذا لا يشكل خطراً بحد ذاته على وحدة سوريا كأرض، بل إن خطره كامن في تثبيته، والرعاية الدولية لاستمراره وتكريسه، وهو ما يحول دون إعادة أي نوع من الاندماج الوطني وتشكيل الشعب السوري من المواطنين المتساوين، ويحوِّل المنازعات السياسية والخصومات المصلحية إلى حرب أهلية باردة أو مشتعلة، تثبِّت زعماء الطوائف والإثنيات والمناطق في زعامتهم، وتبني بينهم تحالفات قوامها تثبيت الوضع القائم؛ مثلما هو حاصل في لبنان، بحيث لا يتضرر إلا الأهالي والفقراء والمجتمع المدني، ولا ينجو إلا الممتازون والزعماء وأزلامهم الاقتصاديون والعسكريون.“
قبل البدء أؤكد على أنه كما يقول ماهر لا حل عادل لقضيتنا. لهذا اقترح حلا واقعيا لقضيتنا. حل لم يأت على ذكره ماهر وياسين. رغم ان ماهر حاول ان يتلمس هذا الحل، لكنه مستندا على مقولة أنه” مقتنع بافول الغرب وتقوقعه” بينما العكس هو الصحيح. الغرب بصيغته الاوبامية الراهنة، لم يكن متقوقعا، ولن يكون اذا استمرت هذه الصيغة، لا اعتقد أيضا ان الغرب يمكن ان يدخل هذه المرحلة مهما كانت الصيغة التي ترسم غالبا ملامحها البنية السياسية للحراك الأمريكي. هذا الاستناد لماهر وهذه المقولة المرجعية، جعلت ماهر ييبتعد عن رؤية حل واقعي. الغرب متدخل وتدخل في سورية بطريقة لم يفعلها من قبل في أي بلد بالعالم.
هنالك نقطة مرجعية بالنسبة لنا في تقييم التدخلية الغربية بزعامة أوباما، وهي خريطة الصراع على الأرض. بعد ان أسس أوباما لما اسميته منذ الشهر الأول للثورة تزمين الثورة، وصوملتها. أكثر من اربع سنوات ونيف، والمعارك تدور كلها في ارض المدن والقرى الثائرة.
الخط الأحمر الوحيد الذي رسمه أوباما وشاركه الجميع بما فيه بعض معارضة، طوعا او قسرا هو”عدم الاقتراب من دمشق كعاصمة لدولة الأسد، هذا يستلزم عدم الاقتراب من مناطق العلويين التي تشكل الخزان الأساسي لجيش التعفيش الاسدي، والقتل المنظم والمدروس طائفيا بعناية!. منذ ان بدا الحل الأمني وفيما بعد ظهور الجيش الحر، وتعدد مرجعيات السلاح، هنالك نقطة ثابته. عدم التعرض لدمشق ولمناطق العلويين. على هذا الأساس اعتمد أوباما في تزمين الصراع. لم يحمي مناطق العلويين لا جيش الأسد النهاب ولا طائرات بوتين المجرم، ولا طائفية همج الميليشيات الإيرانية المتوزعة على اصقاع الأقليات الشيعية العربية في العراق ولبنان، وغير العربية في أفغانستان وباكستان. سؤال لا يقترب منع المعارضون، هو لماذا هذا الخط الأحمر الاوبامي الذي رسمه حول دمشق ومناطق العلويين؟ حاولت تلمس بعض إجابات في السابق، عبر كتابة أكثر من مقال ومادة ومشاركة، إلا أن الموضوع أيضا يشكل نقاشه خطا احمر لهؤلاء المعارضين. حاولت تلمس شيئا من الإجابة عن هذا السؤال في مادتي ياسين وماهر، لكن لم المس أية إشارة في هذا الشأن. لا اظن أنها تغيب عن ماهر وياسين، لكنها بالنسبة لهما خارج منطوق البحث عن أكثرية سياسية عابرة للطوائف والأديان والقوميات في سورية. أي خارج اطار نقاش الأكثرية السياسية التي يقترحها كل من الصديقين.
في مقابلة أجراها آرون ديفيد من صحيفة فورين بوليسي مؤخراً، عدد روبرت مالي -أحد أكبر مستشاري الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط- مرة أخرى أولويات الولايات المتحدة في سياستها بشأن سوريا، وهي الحاجة للموازنة بين المخاوف الإنسانية والرغبة بـ “الحفاظ على مؤسسات الدولة” وتجنب الفراغ في السلطة لئلا تنزلق البلاد في فوضى تامة. – نقلا عن Tobias Schneider، في مادته المهمة” عن تعفن النظام السوري”. ترجمة ديمة الغزي.
روبرت مالي لا يأتي على ذكر ماهي البنية العسكرية التي ستحمي مؤسسات الدولة؟ من أين خزانها الأساسي؟ النظام يسيطر على 25% على ابعد تقدير من مساحة سورية، و75% غارقة بالدم من جراء جرائم هذه الدولة التي يريد مالي الحفاظ عليها، ويستجلب وقودها العسكري من الساحل والميليشيات الشيعية بقيادة ولي قم. ثلاثة ارباع مساحة سورية، وتهجير 12 مليون سورية وجعل حياتهم تعود لعصر البربرية، إضافة الى مليون ضحية ومعتقل ومفقود. هذه ليست فوضى. مدن كبيرة وصغيرة وقرى تدمرت بالكامل، هذه ليست فوضى؟!! روبرت مالي ومعه طاقم الإدارة الامريكية، يدركون، ان الكتلة العسكرية الصلدة التي تدافع عن الأسد وتقتل أبناء بلدها هم من العلويين. في أماكن أخرى يصفون النظام الاسدي بالنظام العلوي او النظام الذي يسوده العلويون. كيف يمكن تشكيل أكثرية سياسية، مع هذه الكتلة الصلدة التي تشكل عماد رئيسي لقوة القتل والقمع في البلاد؟ المعارضون للاسد والمنحدرون من الطائفة العلوية، عديمي التأثير في مناطقهم، من جهة أخرى أوباما وادارته لايهتم بالعلويين بوصفهم كذلك، بل يحمي أبنائهم لكي يقتلوا في معاركهم مع السوريين، وفق تحكمية ما بالصراع ومستوياته، كما لايهتم بزيادة او نقصان الشروخات بالنسيج الوطني السوري. هنا التدخل الغربي على اشده، لذا البناء على أية مقدمة ان الغرب متراجع عن سورية أو متقوقع أو انه ترك الملف للروس، كله يعبر عن عدم قدرة على تلمس آليات التدخل الغربي على الأرض في سورية. قبل 16 عاما جاءت مادلين اولبرايت وزيرة خارجية أمريكا لدمشق لتبارك المسرحية الاسدية في التوريث!! أصحاب هذه الخطوة لن يكفوا عن التدخل. هم متدخلون في كل تفصيل في سورية، خاصة منذ انطلاق الثورة السورية2011.
– حتى يكون الغرب على ماهو عليه يجب ان نبقى نحن على ما نحن عليه.
اتحدث دوما عن الغرب بصيغته الراهنة اوباميا كما اشرت، لكن هذا لايمنع ابدا، صحة المقولة على مر تاريخ نشوء ظاهرة ما يسمى بالغرب بشكل عام. منذ ظاهرة الاستعمار التقليدي وحتى هذا التاريخ لم يكف الغرب عن التدخل في حياتنا. أكثر ما يعبر عن حجم هذا التدخل في منطقتنا، هو اتفاقية سايكس-بيكو. انشأ لنا دولا. ووضع لنا دساتيرها أيضا. دعم فئة ضد أخرى. أوصل آل الأسد للسلطة في سورية. إذا التدخل قائم في سورية، كغيرها من الدول. يشير ياسين في مادته إلى قوة التدخل الدولي واعتباره فعلا جزء أساسيا ورئيسيا في المشكلة، يمنع العدل ولو بحده الأدنى. بناء على هذه الوقائع العنيدة التي تمنع حلا عادلا أقله تى اللحظة، مطلوب منا التفكير بحلول ذات طابع عملي. ما اقترحه في هذه المساهمة هو تشكيل أكثرية سياسية عابرة للدول.
– من تدخل في سورية سياسيا وعسكريا لن يخرج منها. كيف لامريكا ولروسيا و تركيا و ايران ان تخرج من سوريا مثلا؟!!
– تهتك النسيج الوطني على يد الأسد أولا واساسا، وما اعتراه لاحقا من دخول داعش والسلفية الجهادية ليزيد في تهتكه.
– المسألة الطائفية والكردية من جهة وامتناع النظام الاسدي وقاعدته الصلدة عن أي حل سياسي.
– سورية كلها شعبا وسلطة تدولنت. صراع دولي تدخلي سافر وحقير، في سورية الجميع فيه يساهم في قتل السوريين إلى جانب الأسد.
– حركة الطيران فوق سورية تشير إلى حجم الدولنة، روسي امريكي فرنسي بريطاني دانماركي هولندي واردني. ثمة إسرائيلي مزمن. وتركي متقطع. هذا سلوك تدخلي واضح لايجعل من الغرب متقوقعا.
– غرف الموم والموك في الشمال والجنوب، وعلاقة روسيا وايران وامريكا بميليشيا قنديل، هذا على المستوى الكردي.
– الميليشيات الطائفية الشيعية وعلى رأسها حزب الله، إضافة لتدخل إيراني مباشر.
– التدخل التركي المباشر أخيرا.
– سورية دولة تحتل إسرائيل جولانها، الدور الإسرائيلي في سورية لم نستطع كمعارضة دراسته ولا حتى استدراجه للفهم!!
– دول الخليج وعلى راسها السعودية وقطر، الصراع البيني بينهما وصراعهما معا مع ايران.
– روسيا ودعمها المجرم للنظام الفاشي. روسيا التي تبتز الغرب في دم شعبنا، كمافيا تماما، كما أنها لا تمتلك مشروعا غير بقاء الأسد مجرما في دولة فاشلة.
– دول أوروبا مع المايسترو الأمريكي والتباين أحيانا بينهم. حتى النرويج، وقبلها الدنمارك. هل يمكننا القول بعد ذلك عن تقوقع للغرب؟! ” أرسلت النرويج 60 عنصراً من الوحدات الخاصة إلى الأردن لتدريب عدد من الثوار السوريين، وقد صرح الجيش النرويجي في وقت سابق لجريدة( الافتن بوستن) بأن النرويج ستقوم بإلغاء عملية التدريب في حال بدأ الثوار بمهاجمة بشار الأسد.” من جهة أخرى تصرح انجيلا ميركل : ليس لنا سوى الدعاء كي يتفق الأمريكان والروس حول سوريا. رغم انه لألمانيا طائرات في سورية أيضا.
هل يمكن تشكيل أكثرية سياسية عابرة لهذه الدول المتدخلة في سورية؟ إذا كان طرح ياسين الأكثر عدلا، لا تدعمه أية قوة، واكثرية سياسية كما يراها ماهر بعد الأسد تكاد تكون أكثرية سياسية تصارعية، ربما تكون بحد ذاتها لغما في المستقبل.
هنا اعتقد تكمن مهمة المعارضة التي حتى اللحظة لم تلتحق بالثورة!!
– الأقليات فاعليها الدينيين اغلبهم مرتبطين بنظام الأسد، مثلهم مثل بعض مشايخ السنة. هؤلاء الفاعلين الدينيين لهم تأثير واضح في طوائفهم واديانهم، مشايخ عقل بطاركة مشايخ جوامع في دمشق وحلب. كيف سيكون دورهم بدون ضمانات دولية اجبارية؟ لانهم لا يثقون بالشعب السوري الذي ثار ضد الأسد!! هؤلاء في الواقع ومريديهم هم يخافون من سقوط الأسد، كي لا تسقط مصالحهم من جهة، هم يخافون المساواة مع الآخر- العربي السني- امام القانون.
– نقطة مهمة لابد من الإشارة إليها وهي بنية الجيش التعفيشي الاسدي. هل يمكن ان يكون جزء من الحل، وتشكيل أكثرية سياسية عابرة للدول؟ أم أنه كان وسيبقى عنصرا تكوينيا من المشكلة؟ تقدر اعداد الفارين من الخدمة الإلزامية في سورية بأكثر من 500 الف. تحول الجيش الاسدي من جيش فيه اقلية علوية تهيمن على جميع مفاصله، إلى أكثرية علوية تقريبا بعد خمس سنوات من عمر الثورة، حتى الموالين للنظام من السنة وغيرهم، يهربون من الخدمة الإلزامية ومن التطوع في الجيش. سورية تدولنت كما ذكرت، فالاكثرية المطلوبة واقعيا يجب ان تلاقي هذه الدولنة بطريقة ما، وتعبرها كيف؟ في الواقع هذا ما يحتاج إلى مؤتمر وطني سوري عام كما ذكر ياسين.
– لايوجد دولة في العالم تدولنت وخرجت من هذه الحالة إلا بفعل قوة عظمى. لكن السؤال لماذا تدولنت سورية؟
الأكثرية العابرة للدول ستكون تمثيلا عابرة لكل السوريين وانتماءاتهم الوطنية والماقبل وطنية!! هنا الإشكالية الفعلية في الواقع التوفيق بين الانتماء الوطني والماقبل وطني. امامنا العراق حالة لا تسر لا صديق ولا عدو!! حاولت أن اقدم هنا فكرة تضاف لما قدمه ياسين وماهر، وليس بالتضاد معهما رغم مايظهر أحيانا انه تضاد.
كلمة أخيرة بخصوص السنة وينطبق أيضا على العرب السنة باعتبارهما اكثريتين موضوعيتين في سورية، تجد فيهما دوما أكثرية المتشدديين واكثرية العلمانيين واكثرية الماركسيين واكثرية الديمقراطيين، وتضارب المصالح لآنهما تاريخ هذا البلد وتطوره وتطور علاقاته الداخلية والخارجية منذ تأسيسه، لهذا من الصعب بل من المستحيل ان يتحولا الى طائفة، ولا إلى كتلة سياسية واحدة، التوضع الاكثري موضوعيا يمنع ذلك. أما على الصعيد السني لوحده فيضاف أيضا، أن المذهب السني إن جازت التسمية تعددي أصلا. يستطيع كل عالم دين فيه ان يفتي. سلبيات وايجايبات هذه القضية لها نقاش آخر. بينما في الأقليات الطائفية والدينية في سورية هنالك توافق مرجعي نسبي ديني طائفي داخلها. اذا اضفنا أن الأسد من صنعه في العقود الماضية، مما عقد كثيرا من مطلب تشكيل أكثرية سياسية عابرة للطوائف والأديان كما يقترح ياسين كليا وماهر جزئيا.
كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى