إياد الجعفريصفحات المستقبل

نحو إسلام جديد في سوريا/ إياد الجعفري

 

 

حالما قرأت قصة اعتناق “حسان أبو حمزة”، العنصر السابق في “جبهة النصرة”، للمسيحية في ألمانيا، ربط ذهني، بشكل أوتوماتيكي، بين تلك القصة وبين حالات الاقتتال بين أبناء المذهب الواحد، وبصور أكثر شراسة من قتالهم لعدوهم المشترك.

فهل يمكن اليوم، ونحن نشهد اقتتال فصائل الغوطة على تخوم دمشق، بشراسة، أن نتطرق للمحرمات في عُرف مجتمعنا؟ هل يمكن أن نسأل سؤالاً فجّاً ومباشراً، من قبيل، هل يدين هؤلاء بدينٍ مشتركٍ، ناهيك عن مذهب مشترك، ناهيك عن عقيدة “جهادية” مشتركة؟

بطبيعة الحال، فإن حادثة اعتناق “حسان أبو حمزة”، للمسيحية، هي حادثة فردية، لا ترقى إلى توصيف الظاهرة، لكنها، دون شك، غير منفصلة عن حالات الاقتتال بين أبناء الفصائل “الجهادية” في سوريا.

سبق أن ناقش المهتمون العديد من الأسباب الموضوعية التي تقف وراء حالات الاقتتال هذه، التي ترقى بالفعل إلى توصيف الظاهرة. لكن أحد تلك الأسباب، التي يعتقد كاتب هذه السطور، أنها قد تكون الأبرز، لم تخضع لأي نقاش جدّي، أو حتى التفاتة جريئة بخصوصها. هذا السبب باختصار، هو اختلاف الدين، باختلاف تأويلاته وتفسيراته المعتمدة لدى كل فرقة من الفرق المتصارعة.

نستطيع أن نقول بكلمات مباشرة: لا يؤمن مقاتلو فصائل الغوطة بإسلام واحد، بل بأكثر من إسلام. يكفي أن تشهد إحدى جلسات النقاش أو المناظرات بين شرعيي الفصائل المختلفة، أو أن تشاهد فيديوهات يدينون فيها بعضهم، ويصل الكثير منهم إلى حد تكفير الآخر. يعتمد كل منظّر شرعي على ثلة من الأحاديث والفتاوى، ويتجاهل بعضها الآخر. ينتقي ما يحتاجه، ويرفض ما يُدينه. ويأوّل الدين بلسان النبي الذي افُتري عليه بمئات آلاف الأحاديث الموضوعة، ويلوي ذراع الآيات القرآنية بما يخدم الخلاصة التي يريدها.

إنه ليس ديناً واحداً ذلك الذي يرفعون شعاره. وإلا، فإن اقتتالهم يعني أنهم لا يدينون به فعلاً، لأن تعليماته مُحكمة الدلالة، لا تقبل بالفرقة أو الانقسام لمن يرفع راية هذا الدين. والانقسام بين أتباعه يؤكد سعيهم للبغي على بعضهم، باسمه.

لا أعتقد أن حادثة “حسان أبو حمزة” مجرد قصة شخص وصولي انتهازي، أو عميل للنظام، فقط، كما وصفه بعض من كان يعرفه. أعتقد أنها أعمق من ذلك بكثير، بدلالة الاقتتال الدائم والشرس بين أبناء الفصائل التي كان ينتمي لأحدها، وجميعها ترفع رايات تنتمي إلى المصدر الإيماني نفسه. باختصار، هؤلاء يعانون درجة عالية من عدم اليقين في قناعاتهم الإيمانية، بصورة تجعلهم انتهازيين، أو متقلبي القناعات.

وذلك ببساطة، نتاج حالة السيولة العالية في تفسير الدين، بناء على مئات آلاف الأحاديث، والفتاوى، والأحكام الدينية، التي وضعها بشر ينتمون إلى عهود غابرة، تختلف السوية المعرفية التي حكمتها، عن تلك التي تحكمنا اليوم.

يقدم كاتب ومفكر إسلامي، مثير للجدل، يُدعى محمد شحرور، قراءة جديدة للدين الإسلامي، تهز أركان كل قناعاتنا التقليدية. بل وتطال بالتغيير كل فهمنا الموروث عن الله والنبي والإسلام، وعن الآخر. الفهم الجديد يحيلنا إلى سوية معرفية أرقى بكثير من تلك التي ُُُُُبنيت على أحاديث خضعت لكم هائل من التزوير والتلاعب في القرون الأولى لترسيخ الإسلام، برعاية السلاطين الأمويين والعباسيين.

ذلك الإسلام التقليدي، الذي أُتم إحكامه بسيادة الأشاعرة على المعتزلة، بقرار من الحكام، وليس من الشعوب، هو ذاته الذي يقود أبناء التيار السلفي الجهادي إلى الاقتتال في ما بينهم اليوم. فمنهم من لم يدخل الإيمان قلبه، ليكون الدين مجرد أداة ارتزاق، يتكسب منها. ومنهم من يتلاعب عدم اليقين بعقله، فيرميه كل مرة على ضفة.

لقد كشفت الثورة في سوريا، وأحداثها المأساوية، الستار بفجاجة عن الكثير من الحقائق المغيبة عن أعيننا. وأبرزها على الإطلاق، خطر أولئك الذين يتحدثون باسم الدين، دون أن نعلم كنه ما يعتمل في صدورهم.

نحن ببساطة، بحاجة إلى إسلام جديد، يختلف عن ذلك الإسلام التقليدي الذي توارثناه. إسلام يعتمد القرآن مصدراً رئيسياً، وينحي الأحاديث التي يعتمل الشك في مدى مصداقيتها، جانباً. وكذلك، يُنحي فتاوى عشرات ممن يوصفون بالعلماء، من أولئك الذين مازلنا نتبنى قراءاتهم للدين، التي اعتمدوا فيها على سويات معرفية ترجع إلى مئات السنين، قبلنا، فيما زماننا وظروفنا تختلف كلياً عنهم.

هي دعوة جريئة لكسر المحظور في عُرف المتدينيين من السوريين، للبحث في أسباب انقسامهم وتشرذمهم، بل واقتتالهم في ما بينهم. فإما المشكلة في الدين ذاته، أو المشكلة في فهمنا الموروث لهذا الدين.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى