صفحات سوريةمازن كم الماز

نحو انتصار الثورة السورية

 


مازن كم الماز

–                     واضح أن النظام يحاول الآن , إلى جانب استمراره في قمع الانتفاضة , محاولة الالتفاف عليها , و خلق البلبلة في صفوف الشباب المنتفض … الأكيد أن الطرف المأزوم هنا هو النظام و ليس الشباب الثائر , معنويات الشباب الثائر مرتفعة و تزداد كفاحيتهم يوما بعد يوم رغم التضحيات , هذا يدفع النظام لتجريب وسيلة بعد أخرى لاحتواء غضب الشارع السوري و حراكه

–                     من الجيد أن معظم المبادرات الأخيرة التي صدرت عن جهات مختلفة رفضت أن تكون مطية لمحاولات النظام الالتفاف على الانتفاضة , لكن هذا لا يكفي كما أزعم , يمثل النظام بالضرورة عبودية كل السوريين دون استثناء , و بين العبودية و الحرية لا توجد أنصاف حلول أو حلول وسط , كل منهما ينفي الآخر بالمطلق , و لا وجود لمرحلة انتقالية بينهما , لا يمكن أن توجد مرحلة نكون فيها أنصاف أحرار و أنصاف عبيد , صحيح أن الحرية هي صيرورة لا نهاية لها , لكن الخلاص من القيود التي تكبلنا اليوم هي نقطة الصفر في هذه الصيرورة , كل شيء قبل ذلك هو محض عبودية , يجب مواجهة أي وهم بأن النظام قابل للإصلاح أو راغب به , مثلا احتفاظ النظام بمصدر قوته الغاشمة أي أجهزة المخابرات و الشبيحة و سيطرته على الجيش سيعني أنه سيستطيع في أية لحظة الانقضاض على الانتفاضة , قبول أي طرف يدعي أنه يقف إلى جانب الانتفاضة بهذا يعني فقط تهديد الانتفاضة برمتها , من الواضح أن النظام ليس مستعدا إلا لحوار شكلي ينصب على أشياء شكلية غير جوهرية لن تمس أساس الاستبداد و الاستغلال الذي يمارسه اليوم , الوهم بإمكانية أي حوار مع النظام سيضعف الانتفاضة فقط و سيوسع هامش مناورة النظام الضيق جدا اليوم , صحيح أن هناك حاجة ماسة لحوار جدي و حر , لكن ليس بين النظام و أية قوى أخرى , بل بين السوريين أنفسهم ضحايا هذا النظام ليتمكنوا أخيرا من أن يضعوا أسس حياتهم القادمة , الديكتاتورية ليست جزءا من الشعب يمكنه الاستمرار في البقاء في سوريا مختلفة , حرة , باختصار , الديكتاتورية لا يمكن إصلاحها , يمكن إسقاطها فقط

–                     لا أعتقد أن محاولات أو الدعوات لتشكيل هيئة مركزية للانتفاضة مفيدة أو صحيحة , أولا لا يمكن لأية قوة معارضة أن تدعي أبوة الانتفاضة و لو حتى فكريا , الطابع العفوي الشبابي للانتفاضة هو ما سمح بتفجيرها أولا و من ثم باستمرارها في مواجهة القمع الوحشي للنظام , أيضا فإن العامل الأبرز الذي يفسر الكفاحية العالية للشباب الثائر هو أنه يقاتل بنفسه في سبيل حريته , محاولة القفز على الانتفاضة حتى من قوى معارضة سيشكل تراجعا لهذا المصدر الحقيقي لقوة المنتفضين , هذا لا يعني عدم ضرورة التنسيق بين القوى السياسية و المثقفين الداعمين للانتفاضة , لكن الجزء الأكبر من هذا التنسيق يجب أن يتركز أيضا على تنظيم فعاليات داعمة للانتفاضة أكثر منه محاولة تأسيس مراكز مفترضة للانتفاضة , أنا شخصيا أجد من غير المناسب الدعوة للثقة بمبادرة الشارع السوري المنتفض و استقلاليته , هذا يقلب منطق الأمور كما أزعم , المطلوب أن تحاول القوى السياسية الديمقراطية و المثقفون الديمقراطيون كسب ثقة الشارع المنتفض و الانضمام الفعلي لانتفاضته و خاصة بامتناعها عن أية مساومات مع النظام

–                     نحن وسط ثورة , و في مرحلتها الحاسمة , و لذلك يجب استخدام التكتيكات الثورية لا تكتيكات مهادنة أو تكتيكات خائفة أو مترددة خاصة إذا كانت مبرراتها الفكرية و السياسية تأتي من خطاب النظام , يجب أيضا محاربة كل الأوهام المرتبطة بالنظام و التي تضعف فرص الثورة في الانتصار أو تقوي خصمها المتمثل في الديكتاتورية , من أهم هذه الأساليب الثورية التي قد تكون ضرورية اليوم , هي دعوة الجنود , أبناء الطبقات المضطهدة , لرفض الأوامر بقمع المنتفضين و الفرار من الجيش عند الضرورة , الجيش قوة بيد النظام و هو سلاحه الأساسي في دفاعه عن نفسه , لا يجب التمسك بأية أوهام عنه , الدفاع عن الوطن يعني بالنسبة لكبار ضباطه الدفاع عن النظام و لو بارتكاب المجازر ضد الشعب , هذا يحسم أي نقاش حول دور الجيش المفترض , سيكون من الضروري طبعا إقامة ميليشيات شعبية ستكون حصنا حقيقيا للجماهير و لوطن حر لا استغلال أو قمع فيه من جيش يأتمر بأوامر الديكتاتورية فقط و لو كانت تعني ارتكابه للمجازر ضد شعبه

–                     لا أعتقد أن هذا هو وقت المبادرات لوضع تصورات عن “مرحلة انتقالية” بين النظام الحالي و شكل آخر للتنظيم السياسي أكثر حرية , هذه المبادرات تقوم على وهم أن هذا الانتقال السلمي و التدريجي ممكن , هذا ليس إلا وهما , فالديكتاتورية ستقاتل بشراسة حتى النهاية و أي تغيير سيفرض عليها بقوة الانتفاضة فقط و ليس اعتمادا على نوايا الديكتاتور أو زمرته , جيد بالتأكيد فضح و تعرية طبيعتها عن طريق مواجهتها بمثل هذه الأطروحات و المبادرات , لكن الأكثر إلحاحا الآن هو تطوير مبادرات لأشكال أخرى متطورة من العمل الثوري , الطبقة العاملة السورية لم تتحرك حتى الآن , هذا لا يعني أنه لا يوجد في سوريا عمال أو أنهم في حالة جيدة أو بحالة أفضل من نظرائهم في اليونان أو إسبانيا أو حتى في ويسكونسن في الولايات المتحدة , إن استعادة كفاحية الطبقة العاملة السورية جزء ضروري من عملية الثورة و له شق موضوعي و آخر ذاتي يتعلق بالطبقة العاملة نفسها و بقوى اليسار السوري الثوري و التحرري , يتعلق الأخير بالتخلي عن كل الأوهام عن النظام و وعي ضرورة الالتحاق المفتوح و الكلي بالانتفاضة

–                     أعتقد أن المهمة التالية لقوى الانتفاضة هي ابتكار و تطوير أشكال التنظيم الذاتي للجماهير بعيدا عن مؤسسات النظام و في مواجهتها , أعتقد أن من المهام الملحة اليوم هو تنظيم احتلال الجامعات , المدارس , المصانع , احتلال أو استعادة الأراضي التي نهبها أتباع و رجال النظام , تنظيم الحياة اليومية عن طريق مؤسسات شعبية ديمقراطية , يجب أيضا لذلك تطوير شبكات تضامن واسعة داخل سوريا و خارجها لدعم المحاولات الأولى لاستخدام مثل هذه التكيكات الثورية و التي سيواجهها النظام كما هو متوقع بوحشية متزايدة

–                     أخيرا هناك تخوف من بوادر لمحاولة النظام تجييش شارع ضد آخر , أنا أزعم أن هذه المحاولة ستكون أخطر على النظام مما يتوقع , ليس أنها تفتح مخاطر الحرب الأهلية كما يعتقد البعض بل في أنها قد تضع النظام نفسه في مواجهة الخيار الروماني , أي أن يلقى نفس مصير ديكتاتورية تشاوشيسكو بحركة مفاجئة غير متوقعة سريعة من الجماهير و إن كانت مكلفة أيضا , يجب أن يكون الشباب المنتفض و أيضا اليسار التحرري و الثوري واع بهذه الإمكانية دائما و أن يكونوا مستعدين دوما لتطوير أية مبادرة على الأرض ضد النظام إلى حركة عامة في مواجهته , لا يمنع هذا بالطبع أيضا من بقاء الشباب المنتفض و القوى الديمقراطية و اليسار التحرري و الثوري واع و متيقظ لمحاولات النظام , الذي يزداد يأسه و تخبطه , لخلق فتنة طائفية حقيقية مدمرة للثورة و للمجتمع في نفس الوقت

–                     اختمالات النصر اليوم أكبر من أي وقت مضى , في الثورات لا تحسب فقط قوة الجيوش و الشبيحة أو البلطجية , تصبح قوة الشعوب و الطبقات المضطهدة هي الأهم في حسابات الأزمنة الثورية , و كلما تعاظمت هذه القوة كلما كان النصر أقرب

 

 

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. شكراً لك بداية على المقال القيم ..
    أرجو أنو توضح لي ما عنيته بقولك:
    “أنا شخصيا أجد من غير المناسب الدعوة للثقة بمبادرة الشارع السوري المنتفض و استقلاليته , هذا يقلب منطق الأمور كما أزعم , المطلوب أن تحاول القوى السياسية الديمقراطية و المثقفون الديمقراطيون كسب ثقة الشارع المنتفض و الانضمام الفعلي لانتفاضته و خاصة بامتناعها عن أية مساومات مع النظام”

    ولكم فائق الشكر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى